مشروع رفيق الحريري السياسي قبل «7 آب العدالة».. وبعده!

أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الأسبوع الماضي بأن الحكم في قضية جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه سيصدر عن غرفة الدرجة الأولى فيها في السابع من آب المقبل . يأتي هذا الإعلان بعد خمسة عشر عاما من المعاناة التي تخللها تطورات سياسية وأمنية وعسكرية خطيرة إستنزفت وكلفت الكثير من الدماء التي أهرقت والدموع التي ذرفت والأموال التي صرفت في سبيل تحقيق العدالة من أجل لبنان للخروج من النفق الذي أدخل فيه منذ جريمة الإغتيال التي أثبتت الأيام والتطورات بأن المستهدف فيها لم يكن رفيق الحريري لشخصه ، بل لما يمثله في لبنان من عنوان للإستقرار والتنمية والتقدم وبالتالي فإن المستهدف الرئيس كان ولا يزال لبنان كوطن سيد مستقل وكدولة طبيعية تقوم بدورها الطبيعي في محيطها والعالم، كما يأتي الإعلان في وقت يعيش فيه لبنان أخطر أزماته وهو على مشارف مئويته الأولى، الأزمة التي تهدد بتغيير في بنيته السياسية والإقتصادية والإجتماعية. في ظل هذه الأزمة يقفز إلى الذهن سؤال عما آل إليه مصير مشروع رفيق الحريري السياسي في لبنان بما هو مشروع وطني لبناني عابر للطوائف في الداخل، وعابر للمحاور في الخارج يحظى بشبكة واسعة من العلاقات الإقليمية والدولية ما ساهم في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية اللبنانية والعربية على أرضه وحمايته من تداعيات التحولات التي شهدها العالم بداية تسعينيات القرن الماضي بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وسيادة منطق القطب الواحد على العالم.

اقرأ أيضاً: الإفتراء على «الحريرية السياسية» يفضح «الشيعونية السياسية»!

مشروع رفيق الحريري

للحديث عن مشروع رفيق الحريري بعد إغتياله لا بد وأن نبدأ ب” بيته ” السياسي الداخلي ألا وهو تيار المستقبل وبيئته الوطنية والطائفية – خاصة وهو على أبواب إنعقاد مؤتمره الثالث – وهو الذي لا يختلف إثنان – على ما أعتقد –  أنه يمر اليوم كما لبنان بأزمة شديدة إن كان على المستوى الوطني العام كغيره من التيارات السياسية خاصة بعد 17 تشرين ، أو على  المستوى الشعبي ضمن بيئته السنية نتيجة لما آل إليه الوضع اللبناني العام الذي كان له يد ودور كبير نسبيا فيما وصل إليه اليوم  نتيجة المسار السياسي المتبع على مدى 15 عام وهي مدة ليست بالقصيرة سيما وأنها كانت مليئة بالتحديات والمعارك التي كان في صلبها معركة إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بمواجهة منظومة أمنية وعسكرية من نوع آخر حلت مكان النظام الأمني السوري – اللبناني بعد الخروج العسكري السوري من لبنان غداة ثورة الأرز وهي منظومة عاثت في الوطن رعباً وقتلا.

كل هذه التطورات تأتي – يا للمفارقة –  بعد أن خرج سعد الحريري من السلطة كما كان يطالب خصومه المعارضين لنهجه في التسوية ومنهم من كان معه فيها كالمشنوق ما يحتم عليهم منطقيا التضامن والتفاهم معه أو وقف السجالات على الأقل في هذا الوقت الذي يتطلب رص الصفوف إذا كان الهدف فعلا هو مصلحة الطائفة والبلد

المسار السياسي هذا للتيار كان قد بدأ في العام 2005 بالإتفاق الرباعي بينه وبين الحزب التقدمي الإشتراكي إضافة للثنائي الشيعي المكون من حركة أمل وحزب الله ، هذا الإتفاق الذي كان من نتائجه – بغض النظر عن النوايا –  ضرب المكون الشيعي الوطني وبالتالي خسارة التيار لهذا المكون بشكل عام، ومن ثم تُوِّج هذا المسار بما أتفق على تسميته بالتسوية الرئاسية بينه وبين التيار الوطني الحر في العام 2016، هذه التسوية التي أنتجت قانون الإنتخاب الذي خسر بموجبه تيار المستقبل غالبية نوابه المسيحيين الأمر الذي أفقده الغطاء المسيحي الوطني بعد الغطاء الشيعي وبالتالي خسر التيار ميزته الأساسية كمكون عابر للطوائف رغم أن عمقه الأساس منذ البداية كان الطائفة السنية ، في الوقت الذي حافظ فيه الفريق الآخر على المكون السني في فريقه ما سمح له بإبتزاز الحريري بعدها عدة مرات كان آخرها في حكومته الأخيرة عندما تعطل تشكيلها حوالي الشهرين بسبب تمثيل هذا المكون والذي يعتبر كحصان طروادة داخل الحكومة، وهكذا بات تيار المستقبل بعد هذه التسويات كغيره من التيارات اللبنانية ينظر إليه على أنه يمثل ” جزءاً ” من طائفة بعينها وإن كان الجزء الأكبر، الأمر الذي أدى بعد إنهيار التسوية إلى بروز إنشقاقات على مستوى بيئته السياسية والطائفية جراء تحميله ورئيسه سعد الحريري وحده مسؤولية الفشل وما آلت إليه أوضاع الطائفة من إحباط حد إتهامه بالتخاذل والتواطؤ والتسبب بإخراجها من المعادلة الوطنية وهو ما أدى إلى بروز أطراف عدة تسعى لوراثته سياسيا عبر المزايدة الطائفية والوطنية عليه بموضوع سلاح حزب الله تارة كما يفعل نهاد المشنوق عبر إطلالاته وموقعه الإلكتروني المكرس على ما يبدو لهذه الغاية وقبله أشرف ريفي وغيرهم من ” صقور “الطائفة، أو المزايدة ” المدنية ” عبر المنتديات المدعومة من شقيقه بهاء الذي يمارس السياسة بالمراسلة والتي تلبس لبوس الثورة وتدّعي العفة وتدعو لمحاربة الفساد والتي لا تختلف في خطابها عن المشنوق من ناحية إتهامه بالضعف والتخاذل أمام التيار الوطني الحر بإسم حقوق الطائفة، وأمام حزب الله بإسم النأي بالنفس ومظلومية شباب السنة المعتقلين في السجون اللبنانية وهو الذي أعلن أكثر من مرة ربط النزاع مع الحزب درءا للفتنة السنية – الشيعية في ظل موازين القوى على الأرض وتطورات الصراع الأميركي – الإيراني في المنطقة فضلاً عن إشكالية العلاقة مع الداعم العربي وهو المملكة العربية السعودية خاصة بعد ما حصل في الرياض عام 2017 ما ترك أبلغ الأثر على وضعه الداخلي أمام بقية ألأفرقاء على الساحة اللبنانية.  

مصلحة الطائفة

كل هذه التطورات تأتي – يا للمفارقة –  بعد أن خرج سعد الحريري من السلطة كما كان يطالب خصومه المعارضين لنهجه في التسوية ومنهم من كان معه فيها كالمشنوق ما يحتم عليهم منطقيا التضامن والتفاهم معه أو وقف السجالات على الأقل في هذا الوقت الذي يتطلب رص الصفوف إذا كان الهدف فعلا هو مصلحة الطائفة والبلد خاصة وأن سعد الحريري رغم كل ما تعرض ويتعرض له من تحديات لا يزال على ما يبدو يمثل الرقم الصعب في الطائفة السنية وحتى على مستوى الوطن رغم الأجواء الثورية التي تخيم على البلاد، وما الحديث في الأسبوعين الأخيرين عن إمكانية عودته إلى رئاسة الحكومة والآثار الإيجابية نسبيا لهذا الحديث على سعر صرف الليرة، وكذلك حركته السياسية الدؤوبة وتواصله مع الأفرقاء والشخصيات السياسية والدينية الفاعلة إلا دليل على أن الرجل ورغم النكسات التي أصابته على المستوى السياسي وحتى الشخصي في أعماله ومؤسساته لا يزال يمثل أملاً لكثيرين يرون فيه طوق نجاة للبلد ومؤسساته من الدمار والإندثار ولو بالحد الأدنى، في الوقت الذي لا يقدم خصومه في بيئته – خاصة المشنوق والمنتديات –  أي بديل معقول ومقبول ومنطقي ما يضعهم في موضع المناكف الذي يضر ولا ينفع، وموضع من يسعى  لتفتيت وحدة الصف لأسباب شخصية سيما وأن الصراع بين الطرفين واضح أيضا في ما يبدو وكأنه سباق لكسب الود والرضا لدى بعض الأطراف الخليجية المنخرطة في مشاريع إقليمية عبر تقديم ” أوراق أعتماد ” لها كما حصل مؤخرا من تسريب لتقرير أمني في الموقع إياه عما أسموه ” إحتلال تركي لطرابلس ” في مبالغة موصوفة تخفي حركة مكشوفة لإستغلال غضب وخوف هذه الأطراف الإقليمية من التطورات في ليبيا وإستياء البعض الآخر من التصرف التركي في قضية آيا صوفيا للظهور بمظهر المعارض والمواجه للتحرك التركي المزعوم ، أو عبر الإيحاء بأن المنتديات تتقدم على حساب تيار المستقبل كما حصل منذ عدة أيام عندما جرى الحديث عن أن المنتديات قد تسلمت مكاتب المستقبل في كل من صيدا وصور ليبدو الأمر وكأن إنشقاقا ما قد حدث وأن أعضاء المكاتب قد إنضموا للمنتديات بينما الحقيقة هي أن هذه المكاتب تعود ملكيتها لبهاء الحريري وقد طلب إستعادتها فكان له ما أراد.

الصراع ضمن الفريق الواحد

يجري كل هذا الصراع ضمن الفريق الواحد في الوقت الذي لا يزال مشروع رفيق الحريري السياسي يتعرض يوميا لحملات تشويه وتقزيم في محاولة لتحميله وزر ما وصلت إليه الأوضاع في البلد، وفي محاولة مستمرة لتثبيت أهداف عملية إغتياله عبر السيطرة على لبنان داخليا  ومحاولة تغيير وجهه ونظامه ليكون مجرد ساحة للنفوذ الإيراني المعادي لعروبة المنطقة خلافا لمصلحة أبنائه وهو ما تحقق نسبيا مع هذا العهد ويتجلى اليوم في الوضع المأساوي  الناتج عن سنوات من الإستقواء بالسلاح للتعطيل والإستكبار في فرض أمر واقع جديد خلافا لكل القوانين والأعراف اللبنانية الأمر الذي دمر كل أمكانية للتنمية والتقدم والنهوض ، وكذلك في الشق الخارجي لمشروع رفيق الحريري للبنان بحيث فقد دوره ومكانته في الإقليم والعالم جراء إنخراط حزب الله في صراعات المنطقة وسياسة المحاور حيث بات لبنان معزولا عن أشقائه وأصدقائه في العالم وها هو اليوم يستجدي المساعدة منهم بلا طائل بعد أن حاصرته السلطة بممارساتها العبثية وجعلته ملحقا بأجندات أطراف أخرى . هذا هو واقع الحال اليوم في لبنان عشية  صدور قرار المحكمة الخاصة بلبنان، هذهالمحكمة التي عندما طالبت بها غالبية من الشعب اللبناني وضَحَّت في سبيلها من أجل إظهار حقيقة من خطط وأمر ونفذ جريمة الإغتيال إنما كانت تطلب العدالة لأجل لبنان، من أجل حمايته وعدم السماح للآخرين بتحويله إلى ساحة وقاعدة لهم للإنطلاق منها لتنفيذ مشاريعهم على حسابه، ولم تكن تطالب بالإنتقام من أشخاص أو أطراف لأن الإنتقام لا يعيد إحياء الشهداء، العدالة فقط هي من تحمي الأوطان لهذا راهن عليها الناس وضحوا في سبيلها بالغالي والنفيس، واليوم والمحكمة على أعتاب إصدار حكمها في جريمة الإغتيال يتساءل المرء ماذا بقي من العدالة ونحن نرى وطننا يرزح تحت وطأة الجلادين، ونشهد على إنهيار حلم ومشروع وطن ، نتذكر شهداءنا ونبكيهم مرة أخرى فقد ظلموا مرتين، مرة بقتلهم وأخرى بمنع العدالة عن وطنهم عبر تركه رهينة للمصالح والصفقات السياسية بين أطراف الصراع الإقليمي والدولي والإكتفاء بمنحه نصف عدالة ونصف حقيقة بينما الحقيقة والعدالة لا تحتملان أنصاف الحلول.

المسؤوليات الكبرى

هذه النتيجة يتحمل أشقاء وأصدقاء لبنان مسؤوليتها الكبرى ولكن هذا لا يعفي الأطراف اللبنانية المعنية من جزء من المسؤولية رغم نضالها وتضحياتها الكبرى خاصة في فترة ما قبل 7 أيار 2008 الذي كان أول مسمار يدق في نعش العدالة والدولة التي فشلت هذه الأطراف بالعبور إليها عندما تخلت عن وحدتها الوطنية التي تجلت في ثورة الأرز وعادت لمربعها الطائفي وإستكانت بعد إنتخابات 2009 فتخلت عن الإستراتيجية ولجأت للتكتيك طمعا في المحاصصة ودخلت في مساومات وتسويات سياسية لم تأتِ أُكُلَها بل أُستخدمت ستارا تتلطى خلفه قوى التعطيل السياسي والإستقواء العسكري والأمني على اللبنانيين حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من إنهيارات تطال كل مناحي حياتنا، وها هي اليوم وبعد خروج سعد الحريري من التسوية لا زالت تتخبط في فشلها ليسقط القناع عن وجهها ويظهر عجزها عن صياغة مشروع جدي حقيقي يخرج البلد من أزماته وتسير فيه حسب رؤيتها وتصنيفها له، ولتغطية هذا العجز الفاضح راحت تحاول قدر الإمكان تجيير هذا الفشل لمشروع رفيق الحريري السياسي والحديث عن تركة ثقيلة ناسية أو متناسية بأنها كانت بأغلبيتها الساحقة شريكا مضاربا في هذا المشروع الذي لطالما عانى من التعطيل والتأخير والعرقلة حتى إذا ما تأزمت الأوضاع الإقليمية بين مشغليهم والأميركان كان القرار بشطبه من المعادلة للسيطرة الكاملة على البلد لأنه كان صمام أمان للبنان فكان لا بد من إزاحته.

يجري كل هذا الصراع ضمن الفريق الواحد في الوقت الذي لا يزال مشروع رفيق الحريري السياسي يتعرض يوميا لحملات تشويه وتقزيم في محاولة لتحميله وزر ما وصلت إليه الأوضاع في البلد

اقرأ أيضاً: حكومة «دك» 14 آذار.. و«الحريرية السياسية»

إن القرار الذي سيصدر عن المحكمة الدولية في السابع من آب على أهميته لكنه لن يكون له طعم الإنتصار والعدالة ما دام لبنان مخطوفا وشعبه رهينة لدى الجلاد ، فالعدالة تكون بالعبور إلى الدولة الحرة السيدة المستقلة التي لها وحدها  حق إتخاذ القرار على أرضها وقد يكون ما طرحه البطريرك الماروني بشارة الراعي مؤخراً عن الحياد الإيجابي للبنان عن صراعات المنطقة قاعدة يبنى عليها بالحوار، وكذلك عبر العودة للتمسك بالوحدة الوطنية والميثاق الوطني بدون الإفراط في الحديث عن حقوق الطوائف وصلاحيات هذا وذاك من المسؤولين ولا التفريط بها، فماذا نستفيد إذا ربحنا حقوق الطوائف وخسرنا الوطن ، فالكل مسؤول والمسؤولية مشتركة في حفظ الوطن، حتى نصل إلى يوم نقيم فيه دولة مدنية علمانية تتخذ من المواطنة شعارا وسبيلا للتقدم والتنمية ، من هنا نبدأ فالمشوار طويل وشاق وصعب ولكن كما يقال مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة ، فهل نكون طوباويين أو سذجا إذا ما طالبنا بأن يكون قرار المحكمة الدولية هو الخطوة الأولى في هذا المشوار الطويل ؟ ربما … ولكن ما البديل ؟ هذا هو السؤال .           

السابق
خلاف باسم ياخور وأيمن رضا يتجدد.. نكران الجميل وتريند مستمر!
التالي
فضيحة مغارة الزهراني: مافيا المازوت تهربه بالمزاد العلني!!