الإفتراء على «الحريرية السياسية» يفضح «الشيعونية السياسية»!

رفيق حريري

بعد أقل من ثلاثة أشهر تأكد المؤكد وذاب ثلج حكومة “الإختصاصيين” وبان مرج سلطة المحاصصة السياسية فيها ورجعت حليمة لعادتها القديمة. ذاب الثلج وبان معه كذب تحميل حقبة “الحريرية السياسية” وحدها مسؤولية السياسات التي لطالما تلطى وراءها أطراف حلف الممانعة من أحزاب وشخصيات سياسية موالية لسوريا وإيران خاصة “الحزب الحاكم” اليوم تحت مسمى العهد والذي أقام “شرعيته” على مهاجمة هذه التجربة والحقبة التي لها ما لها وعليها ما عليها للتملص من تبعات السياسات والممارسات الخاطئة التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه اليوم من مصاعب قاربت حد الإفلاس والإنهيار بحيث بات على قاب قوسين أو أدنى من تصنيفه دولة فاشلة. 

اقرأ أيضاً: الحريرية…تجدد الدور والخطر

مقاليد الحكم

من المعروف أن مقولة “الحريرية السياسية” هي مصطلح يستعمل للإشارة إلى حقبة إستلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري مقاليد الحكم في أواخر العام 1992 والتي دامت في الحقيقة 6 سنوات إلى حين إنتهاء ولاية الرئيس إلياس الهراوي وإعتلاء العماد إميل لحود سدة الرئاسة الأولى في العام 1998، وكانت فترة الست سنوات تلك تدار بما كان يعرف بحكم “الترويكا” أي التوافق بين الرئاسات الثلاث بوصاية سورية مباشرة ورعاية سعودية وقبول دولي، وهي الفترة التي شهدت إعادة الإعمار وإعادة لبنان إلى خارطة العالم كدولة طبيعية بين الدول برغم كل المثالب التي كانت تعتريها من جراء التناحر والخلافات في الرؤى بين مختلف الأطراف والتي كانت تبقى مضبوطة تحت سقف الوصي والمايسترو السوري.

“كلن يعني كلن” لم يأت من فراغ وهو بالفعل الحل الوحيد في الوقت الحاضر ولو مرحليا، فالإنقاذ لن يكون إلا عبر تسليم البلد لإختصاصيين مستقلين ومنحهم سلطات إستثنائية لفترة إنتقالية محددة

نقول هذا ليس تبريرا ولا دفاعا عن أي شخص ولا عن أي حقبة سياسية ولكن لوضع الأمور في نصابها الصحيح، ولنقول بأن الحريري الأب لم يكن حاكما مطلق الصلاحية يتصرف على هواه ، فكل القرارات التي أتخذت والسياسات التي أعتمدت كانت تمر عبر توافق كل الأطراف المشاركة في السلطة يومها والتي لا زالت بأكثريتها الساحقة موجودة اليوم  وبقوانين صادرة عن مجلس النواب ، بإستثناء معارضة بعض الشخصيات التي كانت تعارض بصورة فردية يومها كالرئيس سليم الحص والنواب زاهر الخطيب ونجاح واكيم وغيرهم قلة من الشخصيات، ولذلك فإن الحديث عن ما يسمى “الحريرية السياسية” وسحبها على ال30 سنة الماضية هو محض إفتراء وتضليل وبعيد عن الواقع وهو كلام في أحسن الأحوال “غير دقيق” كما كان يحلو للرئيس الشهيد أن يقول بكل كياسة متى أراد نفي أمر ما. 

الثأر من الحريري

فالمعروف أنه مع وصول العماد إميل لحود إلى الرئاسة وقع الخلاف مع الرئيس الحريري بداية مع الشروع بالإستشارات  لتشكيل الحكومة الأولى للعهد الجديد عندما جيَّر بعض النواب أصواتهم لرئيس الجمهورية ما أعتبره الرئيس الحريري أمرا غير دستوري فكان أن إنسحب وكُلِّف يومها الرئيس سليم الحص برئاسة الحكومة وكانت حكومة الثأر من رفيق الحريري وسياساته ورجاله في الإدارة الذين زج بالبعض منهم في السجون بتهمة الفساد، وملاحقة البعض الآخر ومنهم الرئيس فؤاد السنيورة بما سمي يومها قضية محرقة برج حمود، ويمكن القول أن هذه المرحلة كانت بداية تركيب نظام أمني لبناني ليكون مساعدا وأداة تنفيذية للنظام الأمني السوري وليحل محل النظام السياسي المعمول به في البلد، وإستمرت حكومة الحص إلى حين إجراء الإنتخابات النيابية الجديدة التي إكتسحها رفيق الحريري في بيروت وأخرجت سليم الحص من المعادلة السياسية فكان أن أعلن إعتزاله الحياة السياسية. 

اميل لحود

ودائع سورية

عاد رفيق الحريري إلى الحكم بكتلة نيابية وازنة لكنها مثقلة بودائع سورية كعادة نظام الوصاية في إبقاء قبضته على الكتل السياسية الرئيسية في البلد، كما كان الوضع في لبنان والمنطقة قد شهد تغييرات كبيرة متلاحقة تمثلت بإنسحاب إسرائيل من لبنان في 25 أيار عام 2000، تلاها وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في العام نفسه وتسلم نجله بشار دفة القيادة ما كان له أبلغ الأثر على لبنان من حيث تبديل القيادات والمسؤولين عن إدارة الملف اللبناني في سوريا، بحيث باتت الأمور تدار بالأمن أكثر منها بالسياسة ، لكن التغير الأهم كان على المستوى الدولي بوقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أميركا وما تلاها من حروب كبيرة بدأت بأفغانستان ولم تنته في العراق، ترافق ذلك مع حراك لبناني داخلي ضد القبضة الأمنية للنظام الأمني اللبناني السوري المشترك ، كل ذلك عقد الأمور وكانت فترة حكم الحريري الثانية الممتدة من أواخر العام 2000 حتى نهاية فترة رئاسة إميل لحود الأولى خريف العام 2004، فترة قاسية إتسمت في غالبيتها بالتعطيل والمناكفات حتى إنفجر الوضع مع طرح التمديد لإميل لحود وكان ما كان من فرض التمديد ومحاولة إغتيال مروان حمادة ومن ثم إغتيال الحريري نفسه وبقية الحكاية معروفة خاصة منذ ما بعد إتفاق الدوحة الذي كرس حكومات التعطيل وهي الحقبة التي ما زالت مستمرة وأوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه اليوم.

المحاصصة السياسية

اليوم وبعد كل الذي حصل وإندلاع إنتفاضة أو ثورة أو حراك 17 تشرين الأول 2019 – سمها ما شئت – شكلت حكومة حسان دياب والتي هي في الحقيقة شبيهة بحكومة الرئيس سليم الحص في بداية عهد لحود الأول، وحكومة عمر كرامي الأولى في بداية عهد التمديد لإميل لحود، وسوقت للبنانيين على أنها حكومة إختصاصيين بعيدة عن المحاصصة السياسية، وإتخذت لنفسها إسم حكومة مواجهة التحديات مهمتها إجراء إصلاح وتغيير بهدف بناء لبنان القوي وهي شعارات حملها التيار الوطني الحر وأطلقها على كتلته النيابية قبل وبعد أن أصبح زعيمه رئيسا للجمهورية، نرى اليوم وبعد أكثر من شهرين على بداية عملها وقد ذاب ثلج الشعارات والتوقعات والإستعراضات وما أكثرها والتي لم تكن لتمر على كل متابع للشأن العام على أية حال، وبان مرج الممارسات والسياسات نفسها التي كانت متبعة في السابق والتي لطالما كانوا ينسبونها لـ”الحريرية السياسية” من محاصصة وتقاسم مواقع ومحاولات إستئثار وسياسات إقتصادية وتخبط في المعالجات من طرح مشروع للكابيتال كونترول ومن ثم سحبه بعد إعتراض الرئيس نبيه بري عليه، إلى التشكيلات القضائية المعلقة التي كنا وُعدنا بأنها لن تشهد تدخلات سياسية وتعهد رئيس الجمهورية نفسه لمجلس القضاء الأعلى بأنه سيكون السقف الفولاذي الذي يحميهم من تدخلات السياسيين، إلى التعيينات في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف التي حاولوا تمريرها تحت جنح كورونا كما فعلوا بخيم الثوار في الساحات، فكان أن تصدى لهم سليمان فرنجية بما ومن يمثل من حلفائه وهدد بالخروج من الحكومة إذا لم يحصل على حصته منها، إلى قضية عامر الفاخوري التي دبرت بليل وتبرأ منها الجميع وألبسوها لرئيس المحكمة العسكرية، لنصل اليوم إلى قضية إعادة المغتربين اللبنانيين الراغبين بالعودة لوطنهم من الخارج بسبب أزمة فايروس كورونا وما حمله تهديد الرئيس بري من تهديد بتعليق مشاركته في الحكومة إذا لم تبت بالأمر.

الاحتجاجات في لبنان

هذا كله عدا الإرشادات التي تطرح بين الفينة والأخرى من خلال إطلالات الأمين العام لحزب الله الدورية والتي تأخذ شكل التوجيهات للتنفيذ، كل هذا يثبت ويؤكد المؤكد بأن هذه الحكومة هي أبعد ما تكون عن حكومة الإختصاصيين التي طالب بها الشعب، وإنها مجرد إستمرارية للسلطة التي تحكم البلد منذ إتفاق الدوحة وحتى اليوم بغض النظر عن الوجوه والأسماء التي تتصدر المشهد، وأن كل ما يقال عن “الحريرية السياسية” هو تضليل لإخفاء الهوية الحقيقية للسلطة والتي هي بكل صراحة سلطة “الشيعية السياسية” مطعمة بـ”عونية سياسية” بما يمكن إختصاره بـ”الشيعونية السياسية” إذا جاز التعبير ما دامت التسميات تأخذ هذا المنحى فلنسمي الأمور بأسمائها الحقيقية وكفى تضليلا للرأي العام وليتحمل كل طرف مسؤوليته، فالكل مسؤول عما وصل إليه البلد من إنهيار، البعض بالمباشر عبر الإستكبار على الآخرين وفرض سياسات لا يحتملها البلد خاصة في الشق الخارجي والبعض الآخر عبر التعطيل في الشق الداخلي، أو بشكل غير مباشر عبر الإستسلام وغض الطرف والقبول بكل ما يرتكب بحق الوطن والناس بحجة حماية البلد.

مقولة “الحريرية السياسية” هي مصطلح يستعمل للإشارة إلى حقبة إستلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري مقاليد الحكم في أواخر العام 1992 والتي دامت في الحقيقة 6 سنوات إلى حين إنتهاء ولاية الرئيس إلياس الهراوي وإعتلاء العماد إميل لحود سدة الرئاسة الأولى في العام 1998

اقرأ أيضاً: حكومة «دك» 14 آذار.. و«الحريرية السياسية»

“كلن يعني كلن”

لذلك فإن شعار “كلن يعني كلن” لم يأت من فراغ وهو بالفعل الحل الوحيد في الوقت الحاضر ولو مرحليا، فالإنقاذ لن يكون إلا عبر تسليم البلد لإختصاصيين مستقلين ومنحهم سلطات إستثنائية لفترة إنتقالية محددة يكون بعدها إنتخابات نيابية جديدة وفق قانون إنتخابي جديد وعصري يتيح التمثيل الصحيح لكل فئات المجتمع السياسية منها والطائفية ومنظمات المجتمع المدني ويفسح المجال للشباب كي يعبر عن رأيه وطموحاته عبر التصويت المباشر، بغير هذا لن يقوم للبلد قائمة ولو بعد ألف عام فالعقلية التي تدار بها السلطة عقلية مافياوية وتقاسم مغانم عبر تقسيم المناطق والناس وكأننا في نظام فيديرالي مُقنَّع، وهذه العقلية قد تبني مزارع وشركات عائلية ولكنها بالتأكيد لن تبني مجتمعات سوية وأوطان قوية، قد نكون نحلم فليكن، فلم يعد لدينا سوى الحلم والأمل وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

السابق
طفلان ضحية حادث في طرابلس.. اليكم ما حصل!
التالي
للراغبين بالعودة الى لبنان.. هذا ما أعلنت عنه وزارة الخارجية!