خفضٌ «ميكانيكي» للدولار في أسواق بيروت

الدولار مستمر في الارتفاع

أظهرتْ تجربةُ الأيام الثلاثة الأولى لمعاودة تنظيم أسعار صرْف العملات في أسواق بيروت المُوازية، تَواصُل علو موجات الطلب على الدولار الأميركي وتَرَدُّد «مدّخري المنازل» في تسييل كمياتٍ ذات تأثير، ما دام البنك المركزي يستمرّ في اعتكافه الاضطراري عن التدخّل المباشر في سوق القطع عبر الضخّ النقدي من احتياطه، ويستمرّ أيضاً بالاستئثار بحصةٍ حصريةٍ من معروض العملة الخضراء الواردة من خلال شركات ومؤسسات تحويل الأموال غير المَصْرِفية.

ومثّل انكسارُ سعر التداول المعلَن لدى الصرافين المرخّصين دون عتبة 4000 ليرة للدولار الواحد، تَحَوُّلاً «دفترياً» في وُجهة المبادلات يمكن البناء عليه لبلوغ السعر مستوى 3500 ليرة خلال أسبوعيْن على طريق الوصول إلى السعر المستهدَف عند 3200، وفق الآلية التي تمّ التوافق على تنفيذها بطلبٍ من رئيس الحكومة حسان دياب بالتنسيق مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة، لقاء تنشيطِ مهمات قمْع الصرافين غير المرخّصين الذين تَسيّدوا «السوق السوداء» خلال الأسابيع الأخيرة التي شهدتْ توقيف عشرات الصرافين المرخّصين بتهمة التلاعُب بالنقد الوطني، وحيث ناهزَ الدولار حينها 4500 ليرة.

إقرأ أيضاً: الشياح عين الرمانة و«القلوب المليانة».. مضايقات واتصالات رفيعة لإحتواء الحادثة

لكن هذا التحسّن الذي يعتمد على آلياتٍ ميكانيكية بحتة، كونها مقيَّدة بشروط عديدة لتنفيذ أي عملية طلب بخلافِ تحرير العرض لمصلحة الصرافين، لا يمكن الركون إليه طويلاً بحسب مصادر مصرفية مواكبة تحدثت إليها «الراي». فالأصل، كما يرى رؤساء غرف قطع في المصارف وصرّافون مهنيون، أن قواعد السوق تستند أساساً إلى حركتيْ العرض والطلب وضمناً إلى العوامل المؤثّرة في ترجيح كفتيْ الميزان. وبالتالي فإن ضغطَ السعر من دون التَماهي مع حركةِ الطلب الحقيقية التي تتطلّب توفير كميات متكافئة من الدولار النقدي، لن يفضي إلى «تقييم» سوقي جدي للسعر السوقي الحقيقي، وسيكون عرضة للانتكاسة في أول محطة «تُحَرِّرُ» الصرافين من التزامهم على خلفية ضغوط عوامل معاكسة أو عند حصول تراخٍ للقبضة الأمنية على السوق السوداء المستمرة فعلاً بالنشاط الخفي، وإن تَقَلَّصَ حجم أعمالها بشكل كبير.

ويعوّل الصرافون والراغبون بحيازة الدولار لأغراض تجارية أو ادخارية، على تَبَدُّلٍ في أمزجة المدّخرين للدولار النقدي الذين يخزنون نحو 4 مليارات دولار نجحوا في سحْبها من المصارف خلال الأشهر الماضية، وجزء منهم فَقَدَ عمله أو تعرّض مدخوله للاقتطاع، بحيث أصبح يحتاج فعلياً إلى ضخ جزء من محفظة «المخزون» للتمكن من تغطية احتياجاته المعيشية، ولا سيما من المواد الغذائية والاستهلاكية التي شهدت بدورها ارتفاعات صاروخية ناهزت ثلاثة أضعاف ربطاً بالفارق الذي حققه الدولار قياساً بسعره الرسمي. كما أن غالبية المخزونات السابقة من هذه السلع ليست «معمّرة» لدى عموم المستهلكين، ويتوجب استهلاكها وتجديدها وفق تواريخ انتهاء الصلاحية.

وتؤكد المصادر المتابعة لـ «الراي» أن انسداد الترقبات القريبة في شأن تلقّي لبنان لتدفقات نقدية خارجية، باستثناء تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين والتي يُقدّر أن تهبط بدورها عن متوسط 7 مليارات دولار سنوياً، سيُبقي «هاجس» الدولار النقدي ضاغطاً بقوة ومثقلاً على «كفة» الطلب ومرجّحاً لانكفاءٍ تواصلي في حركة العرض. علماً أن جزءاً وازناً من هذه التحويلات يقارب 5 ملايين دولار يومياً يرِد عبر شركات تحويل الأموال الملزمة بتحويله إلى البنك المركزي لقاء تسليمه لأصحاب الحقوق بسعر 3200 ليرة لكل دولار، مضافاً إلى المبلغ عمولة محدّدة تتقاضاها الشركات. بينما تتلقى البنوك الجزء الآخَر وهي تصنّفه ضمن الأموال الجديدة ( Fresh Money ) وتمنحه، وفق تعليمات «المركزي»، ميزات الصرف النقدي بالدولار أو التحويل الحرّ داخل لبنان وخارجه.

وريثما تقطع «العربة» المنطلقة للتو مسافة «الألف» ليرة بين حدّيْ السعر السابق ونقطة الوصول المستهدَفة، سيبقى «بازار» الدولار قائماً بتشكيلةِ أسعار متنوعة وبتخصيصٍ صريح لكل مستوى سعري، وحدّه الأدنى 1507 ليرات لمستورَدات المحروقات والقمح والأدوية، وحدّه الأعلى السعر الذي يستطيع المواطن تحصيله بلا قيود لحيازة الدولار النقدي، وهو لم ينزل عن عتبة 4000 ليرة حتى الآن.

السابق
هل تَجاوَزَ لبنان «قطوع»… السبت الأسود؟
التالي
ثوار الجنوب والبقاع يرفضون إبتزاز السلاح.. وكورونا ينافس الجوع!