«قبلان سر أبيه».. توجس شيعي من إجحاف «الطائف» يتكرر بعد ثلاثة عقود!

احمد قبلان
في غمرة الهجوم على خطاب العيد للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الامير قبلان بسبب ما ورد فيه من انتقاد للصيغة اللبنانية ورفض اتفاق الطائف، فانه من المفيد ان نستذكر شهر تشرين اول عام 1989 عندما عاد التاريخ نفسه بشكل دقيق، فرفض والده حينها الذي كان يتقلّد نفس المنصب، وهو المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الامير قبلان اتفاق الطائف ايضا في اليوم الثاني لتوقيعه، ثم عاد وتراجع مرغما بعد ايام مع انه "لا يلبي طموحات شعبنا" على حدّ قوله، لأنه "ينهي الحرب ويؤسّس للسلم الأهلي".

هل هو اذن تقليد في العائلة ان يقوم الإبن المفتي الشيخ احمد قبلان بمهاجمة اتفاق الطائف بعد 31 عاما من هجوم المفتي الأب الشيخ عبد الأمير لهذا الاتفاق عند توقيعه بين الاقطاب اللبنانيين برعاية عربية ودولية؟

 وبالعودة الى شهر تشرين اول من عام 1989 تاريخ  توقيع اتفاق الطائف، فان الشيعية السياسية التي كان يمثلها في ذلك الزمان حركة امل برئاسة نبيه بري، والمجلس الشيعي بنيابة رئاسة الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الامير قبلان، تلقوا صدمة كبيرة عند قراءة بنود الاتفاق، وكانوا قد ظنوا ان الطائفة الشيعية التي سقط منها الاف الشهداء في معركة تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وكان لها الفضل الاكبر في اسقاط اتفاق 17 ايار سيكون لها حصة الاسد في التعديلات الدستورية التي سيفرضها هذا الاتفاق مكافأة لها ولحليفها الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، فكانت المفاجأة مدوية بإزاحة الصلاحيات واخذها من رئيس الجمهورية باتجاه مجلس الوزراء الذي تعزز موقع رئيسه السني حكما، في حين ان منصب رئيس مجلس النواب الذي يرأسه شيعي بقي مجردا من الصلاحيات التقريرية.

اقرأ أيضاً: بين «مظلومية» الصيغة اللبنانية واتفاق الطائف!

الطائف لم يلبِّ الطموحات الشيعية

ولأن رئيس حركة أمل نبيه بري آثر الصمت حينها انصياعا واحتراما لتحالفه مع سوريا الأسد، واكتفى الشيخ شمس الدين بتسمية الطائف انه “اتفاق الضرورة” لانه ينهي الحرب الاهلية دون مدح هذا الاتفاق او ذمه ومركزا على المسارعة لتشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية كما ينص الاتفاق، وذلك لمحاولة التقليل من خسائره قدر الامكان لدى الطائفة، فان المفتي الشيخ عبد الأمير قبلان حينها المعروف بصراحته وجرأته، لم يحتمل ان تبقى الامور على هذا الشكل من الغموض والتعمية فأعلن صراحة بأكثر من مناسبة ابتداء من اليوم التالي لتوقيع الاتفاق ان اتفاق الطائف لم ينصف الطائفة الشيعية التي ضحت وتضحي بخيرة شبابها لتحرير لبنان من العدو الاسرائيلي، في 6 تشرين الثاني 1989، صرّح المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الامير قبلان وأوضح لصحيفة النهار ” ان الطائف لا يُلبي طموحاتنا وكان الشعب ينتظر من النواب الذين ذهبوا إلى المملكة العربية السعودية من أجل توقيع اتفاق الطائف أن يكونوا على مستوى المسؤولية لإخراج هذا البلد من نظام الامتيازات والخوف والغبن والحرمان إلى نظام يساوي بين الجميع ويتفاعل معهم ويتفاعلون معه، لأن التمسك بهذا النظام وعدم التجاوب مع الطموحات يبقينا في دائرة ودوامة الاقتتال والتناحر ويفسح في المجال أمام تيارات متعددة لاستغلال الأمور وتوظيفها في خدمة أهدافها مما يضع البلاد أمام خيارات أهونها مر وهذا لا يخدم النظام الذي يحلو للبعض التمسك به وهو سبب العلة وبيت الداء وعلينا استئصاله”.

اتفاق الطائف فعلا لم يلبّ الطموحات الشيعية ليس من منظور المكاسب والمحاصصة السياسية فحسب كما اظهرت حينها ردود فعل زعمائها، بل لانه دفع عن قصد بالطائفة الشيعية خارج الدولة وباتجاه السلاح للحفاظ على امتيازاتها

واضاف في المقابلة نفسها: “عندما أُعلن اتفاق الطائف قمنا بتهدئة خواطر الكثير من أهالينا الذين شعروا بأن طموحاتهم في بناء دولة القانون أجهضت وقلنا أن اتفاق الطائف لم يُلبِّ طموحاتنا بشكل كامل ولكننا معه لأنه أدى إلى وقف النار الذي غدا ضرورة، فحجب الدماء واجب وطني وديني وأخلاقي، وبالتالي فإنه لابأس من التنازل لصالح الوطن”.

وفي حديث صحفي لاحق لجريدة النهار أيضا قال المفتي الجعفري الشيخ عبد الامير قبلان منهيا جدل “الطائف” ومطمئنا اللبنانيين وطائفته الشيعية “إننا عندما نرفض قيام وطن على شاكلة طائفة معينة فبديهي أن نرفضها على شاكلة أي طائفة أخرى لأن الغاية تكمن في إقامة الدولة العادلة التي تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتهيئ الفرص أمام أصحاب الكفاءات والقدرات، فاننا من موقع تمثيلنا في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كممثلين شرعيين للطائفة الشيعية اللبنانية قد صارحنا أهلنا  وهو أن لا مكتسبات جديدة لطائفتنا في ظل نظام الجمهورية الثانية العتيد وأنه لا خوف من عودة ميثاق 1943 الذي أنجز بين الطائفتين الكريمتين المسيحية المارونية والإسلامية السنية، فهو أصبح من الماضي، وذلك على الرغم من مصارحتنا من قبل شرائح كثيرة من شعبنا نُخباً كانت أم عامة أن اتفاق الطائف لا يمحو مخاوف هاجس العودة إلى هذا الميثاق الثنائي الذي تم على حسابهم، والذي أوجد داخل المجتمع اللبناني طبقية طائفية وضعت الطائفة الشيعية في موضع الطائفة الدنيا لفترة طويلة من الزمن”.

أعمق من حزب الله وايران

وبالعودة الى خطاب الابن المفتي الشيخ احمد قبلان، فاللافت ان ردود الفعل السياسية والاعلامية التي انتقدته وضعت ما قاله بخانة الاستجابة لرغبات حزب الله باسقاط اتفاق الطائف، وبتغليب الطابع الشخصي على السياسي، وفات من انتقده امران اساسيان:

 الأمر الاول، هو ان “اتفاق الطائف فعلا لم يلبّ الطموحات الشيعية ليس من منظور المكاسب والمحاصصة السياسية فحسب كما اظهرت حينها ردود فعل زعمائها، بل لانه دفع عن قصد بالطائفة الشيعية خارج الدولة وباتجاه السلاح للحفاظ على امتيازاتها، وكأن السوريين ورعاة هذا الاتفاق من الدول الكبرى، اهملوا الشيعة في اتفاق الطائف عن قصد للحرص على استمرار ابنائها حملهم للسلاح والقتال لتحرير ارضهم التي كانت لا تزال محتلة من قبل العدو الاسرائيلي في الجنوب، ومن ثم ابقاء الطائفة الشيعية مسلّحة حتى بعد التحرير لضمان استخدامها واستغلالها في حروب اقليمية، كما هو واقع الان مع حزب الله وتدخلاته في دول الجوار لصالح محور الممانعة”.

اقرأ أيضاً: العهد والحكومة و«الثنائي».. «فيض» من المعجزات والمؤامرات!

اما الامر الثاني والاهم،  فهو ان “حزب الله نفسه لا يفكّر بمقايضة سلاحه بتعديلات دستوريه او تعديل اتفاق الطائف، على العكس تماما، فان استراتيجيته الواضحة هي تعزيز النظام الطائفي الذي يؤمنه دستور الطائف، والاحتفاظ بالسلاح الشيعي كذريعة، مقابل صلاحيات رئيس الحكومة السني وحق الفيتو المانع لرئيس الجمهورية المسيحي”.

السابق
«كورونا» فيروس وليس بكتيريا وكل ما قيل عنه مضخّم.. هل تقرير «أو.تي.في » صحيح أم مضلل؟
التالي
اليكم أسرار الصحف الصادرة اليوم الخميس28 ايار 2020