إنهم يرجحون الحوار مع واشنطن

هاني فحص

وفي حين لا يتعب الزائر في التقاط شكوى المواطن الإيراني من ازدياد معدل البطالة وارتفاع أكلاف المعيشة وصاروخية ارتفاع تكاليف السكن، والتلوث (في طهران) واتساع الظواهر الاجتماعية السلبية وتنامي الفروق الطبقية ويحذف منها الزوائد والمبالغات، يجد أن في إيران أزمة اقتصادية وعوائق تنموية تعيق النهوض وتدفع المسؤولين إلى ابتداع أفكار تجريبية في الاقتصاد لا يلبث رأس المال القديم والمستجد أن يحبطها لتستمر الأزمة على حالها..

اقرأ أيضاً: التحرير ورجال الدين والدولة.. المشهد الإيراني والسؤال اللبناني

كما يجد المراقب المنصف ان أزمات إيران في هذا المجال هي جزء من أزمة المنطقة تلك. وإن كانت أقل من جميع الجيران تعرضاً للضغط وأقدر على معاودة النهوض وتجاوز الأزمات أو منع تفاقمها على المدى الطويل وعلى موجب الأحداث المنتظرة (العراق) خصوصاً وتداعياتها المحتملة، وإذا ما كان القياس على حال إيران مع أحداث أفغانستان، فإن المتوقع لإيران وفيها هو أقرب إلى الإيجاب منه إلى السلب، وإن كان هناك من يعترض بالقول إن إيران لم تجن حتى الآن فوائد موقفها المرن في أحداث أفغانستان، وأن شعار أولوية سلامة إيران على غيره، وإن كان مقبولاً وله فوائد، فإن فوائده السياسية ما زالت مشروطة بشروط كثيرة وفوائده الاقتصادية لم يظهر منها شيء حتى الآن، وعندما يجري الحديث عن إيران فإنه لا بد من الوقوف ملياً عند وضع الشباب وكلامهم وآمالهم وخيباتهم، خصوصاً أن شباب إيران كان المصدر الأول لحيويتها السياسية ومتحولاتها الثقافية والسياسية فماذا يقول الشباب؟

يقولون إن الالتزام الديني في الجامعات في تراجع مستمر، وإذا سألتهم عن اهتماماتهم الثقافية والفنية تجدهم متقصرين على الرياضة والموسيقى، وتسأل لماذا هكذا من دون فكر ورواية ومسرح وشعر وفنون تشكيلية؟ ويجيبون بأن هذه أمور تحتاج إلى جهد فكري وليسوا مستعدين لبذله في غير دروسهم الجامعية… وتسألهم عن اهتماماتهم السياسية فيؤكدون أنهم يراقبون من دون حرارة. والعراق وأميركا؟ يقرأون الأخبار ولا يشتغلون بالتحليل وينتظرون الآتي من دون شوق، ولايحبون صدام حسين ولا بوش، وليس عندهم عقدة من الشعب الأميركي… وتحكم عليهم بانهم يبالغون في هذا السلوك.. فيؤكدون، لكن أن عشرة في المئة من طلاب الجامعات يتابعون الأمور السياسية برغبة ذاتية وعشرة في المئة يتابعونها بسبب علاقاتهم المصلحية بالدولة (أعضاء في الباسيج) وأن تجربة الإصلاحيين مع الحركة الطلابية منذ أحداث الجامعة قبل سنوات غير مشجعة.. فقد تركوهم ولم يحموهم فأصبحوا محبطين في قسم منهم والقسم الآخر يميل إلى التطرف في أفكاره التي تتجاوز الأفكار الإصلاحية، ومن دون مشروع سياسي محدد بل ومع ميل إلى الفردية والتحرر الفردي من أي قيود ومن دون شعارات كبيرة.. أي انهم رافضون وحسب.. وفي لقاء بين أحد أكبر معاوني الرئيس خاتمي ونائب إصلاحي شاب وبين طلاب جامعة (صنعتي شريف) في طهران قبل أيام… صرخ أحد الطلاب بأن المجتمع الإيراني وخصوصاً الشباب يذهب سريعاً على طريق اليأس.. ورد أحد المسؤولين المحاضرين بالتسليم معللاً ذلك بأن له أسباباً واقعية. ومن أسبابه سوء الأداء من قبل كثير من المسؤولين.. ويتساءل بعض الطلاب عن مصداقية الشعار الإصلاحي المطروح (الديموقراطية الدينية) مصرحاً بأن هذا مستحيل لأن هناك تنافياً بين الديموقراطية والدين كما هو المشهد الفعلي.. ويرتبك المحاضران في الجواب.

يقولون إن الالتزام الديني في الجامعات في تراجع مستمر، وإذا سألتهم عن اهتماماتهم الثقافية والفنية تجدهم متقصرين على الرياضة والموسيقى

المسار الأيديولوجي

أما الحوزة العملية في قمّ، فإن الأمور في طهران تجري في معزل عنها من دون عراك أو أزمة الحوزة رسمت حدودها الفاصلة مع الدولة، وهي غارقة في شؤونها الذاتية ومسارها الأيديولوجي الذي يكاد يفصلها عن الاجتماع فضلاً عن الدولة. إلا ما هو آخذ بالتبلور بهدوء وبطء شديدين تيارات شبابية في أوساط العلماء والطلبة تنتج بأناة وحكمة على كل ما حولها من أفكار وأسرار وتقبل الآخر من دون توتر وتحاول أن تكيف نظرياً قبولها للتعدد على شرط الحرية.. أما الحدث في الحوزة.. فهو الكتيب الذي صدر وكان مفترضاً أن ينشر بكامله كمقدمة لكتاب في أهل البيت والأئمة(ع) لأحد مراجع قمّ الكبار (الوحيد الخراساني) لأنه تضمن عدواناً صريحاً وشرساً وغير مألوف وظالماً على الإمام الشهير السيد محمد باقر الصدر من أحد صغار تلاميذه، وهو شيخ لبناني كان له دور كبير في الإساءات التي لحقت بالسيد محمد حسين فضل الله منذ سنوات، فقد نشر منه في المقدمة بضع صفحات خالية من الإساءة إلى الشهيد الصدر.. ولكن ذلك لم يمنع وصوله كاملاً إلى أيدي القراء ما جعل غضب العلماء والمفكرين والطلبة والشباب العراقيين خصوصاً يثور.. ويقدم بعضهم على نصب كمين للشيخ الذي نال من ضرباتهم ما جعل الورم يظهر في فكه وشفتيه أسبوعاً ويلجئه إلى الانقطاع في منزله تجنباً لما هو أعظم. خصوصاً أن عمله، كما في رأي البعض من العراقيين، وكبار الشخصيات الإيرانية يقع في مشروع فتنة على أبواب العودة إلى العراق الذي يحفظ للشهيد الصدر صورة المؤسس في النهضة الفكرية والسياسية والفقهية الحديثة في العراق وعلى المستوى الإسلامي والشيعي العام.

اقرأ أيضاً: ورطة إيران في سوريا الخلفيات العميقة والآفاق

التجربة الإصلاحية

إلى أين انتهت التجربة الإصلاحية حتى الآن في بعض مستوياتها؟ هذا السؤال يمكن الإجابة عنه بأساليب وأدلة ووقائع ومقولات مختلفة، غير أن الرئيس محمد خاتمي قدم جواباً بليغاً وجارحاً ومحرجاً له قبل غيره عندما أجاب عن أسئلة الصحافيين في مدريد وهو إلى جانب رئيس الوزراء الإسباني (أزنار) بأن الثقافة أجدى من السياسة وأن تجربة الثقافي والمثقف في السياسة غير مجدية. وخليفته الإصلاحي المتوقع على ضعف شديد في التوقع عطاء الله مهاجراني يظهر أنه يريد أن يعيد التجربة، أي أن يستثمر الوهج الثقافي في الحصول على موقع سياسي بعد أن لمس بيده صعوبة الثقافي في السياسة ونزل من الوزارة إلى حركة غير منتجة في “حوار الحضارات”، الذي يحاول الآن أن يحوله إلى مؤسسة إيرانية يطل منها على باحة الرئاسة. ويقول للصحافيين مثيراً استياء رفاقه وأصدقائه، إن موقعه في حوار الحضارات يشبه موقع خاتمي بعد تركه وزارة الإرشاد إلى المكتبة الوطنية، ما أهّله لرئاسة الجمهورية!

(الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2002م)

السابق
محمد رمضان لا يغادر التريند.. هجوم متكرر والإشادة بدوره في «البرنس» غائبة!
التالي
في صور.. تسجيل 4 اصابات جديدة وافدة من إحدى الدول الأفريقية