لبنان والودائع المصرفية… والكهرباء

كل الأبواب سدّت في وجه لبنان بسبب ممارسات حزب الله.

لا يمنع  كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الذي يدعو فيه اللبنانيين إلى التضامن الداخلي في وجه الأزمة الاقتصادية وإلى إعطاء الوقت لحكومة حسّان دياب، من التذكير ببعض النقاط المهمّة في مقدّمها ما مصير أموال اللبنانيين والعرب في المصارف ومتى يفتح ملفّ الكهرباء أحد الأسباب الأساسية لهدر المال العام؟

لا بدّ من التذكير بنقاط مهمّة مطروحة في لبنان حيث يتصرّف حسن نصرالله كأنّه “مرشد” الجمهورية. قبل ذكر هذه النقاط، يمكن القول إن التضامن بين اللبنانيين مهمّ جدا، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بمقاومة “المقاومة” وما تحاول فرضه على لبنان عبر حكومة حسّان دياب في “عهد حزب الله”.

ليست الخطّة الاقتصادية التي خرجت بها الحكومة التي يسعى رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تسويقها، عبر اجتماع من النوع المضحك المبكي انعقد في قصر بعبدا، سوى محاولة أخرى لتغيير وجه لبنان العربي بالمعنى الحضاري للكلمة.

يخفي الاجتماع الاعتداء على لبنان البلد المنفتح على كلّ ما له علاقة بثقافة الحياة في هذا العالم. لبنان المنفتح أوّلا على هذه الثقافة بكل ما تعنيه، خصوصا لجهة حصول أبنائه على تعليم جيّد يسمح لهم بدخول أفضل الجامعات، أكان ذلك داخل لبنان أم خارجه.

إن هذه الخطة التي يعتبرها رئيس الجمهورية “تاريخية”، لا علاقة لها لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا ولا بأي منطق من أيّ نوع. هذه خطّة لا تشبه لبنان وتاريخه في شيء بمقدار ما تشبه ما نادت به الأنظمة التي قامت في المنطقة نتيجة انقلابات عسكرية خربت، إلى أبعد ما يمكن تصورّه، بلدانا مثل سوريا والعراق وكان يمكن أن تخرب المغرب أو الأردن لولا تلك البركة الإلهية التي رافقت الملك الحسن الثاني، والملك الحسين بن طلال، رحمهما الله.

تظلّ النقطة الأهمّ كيف التعاطي مع صندوق النقد الدولي الذي سمح “حزب الله” للحكومة بالتوجّه إليه شرط ألّا تستسلم له. لكن حسن نصرالله الذي لديه مآخذه على المصارف اللبنانية، وقد وجّه إليها انتقادات شديدة وتهديدات مبطّنة، لا يعرف أن لبنان لا يستطيع فرض شروط من أيّ نوع على مؤسسة مالية دولية مثل صندوق النقد. مجرّد الذهاب إلى الصندوق هو بمثابة “استسلام” للصندوق. لو كان لدى لبنان أي خيارات أخرى، لما ذهب أصلا إلى صندوق النقد الذي لديه وصفته لكل بلد، بغض النظر عمّا إذا كانت هذه الوصفة جيدة أم لا.

لا بد من تبسيط الأمور. إنّ المصارف ارتكبت خطأ كبيرا عندما وافقت على توفير المال عبر البنك المركزي للدولة اللبنانية. يتحمّل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسؤولية ما في هذا المجال. لكن ما العمل عندما تكون هناك سلطة لبنانية ترفض أي إصلاحات من أيّ نوع. لا بدّ من التساؤل من عرقل الإصلاحات التي كانت شرطا من شروط حصول لبنان على مساعدات مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في نيسان – أبريل من العام 2018. الأكيد أن الرئيس سعد الحريري بذل، في مرحلة ما بعد “سيدر”، كلّ ما يستطيع من جهود من أجل السير في الإصلاحات التي هي جزء لا يتجزّأ من مقررات المؤتمر. من وقف في وجه سعد الحريري ومن لا يزال يقف في وجهه غير “العهد القوي”، الذي هو “عهد حزب الله” وأداته المسيحية؟ من عمل على عزل لبنان عربيا ووضعه في “جبهة الممانعة” المعادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة؟

شدّد بيان لوزارة الخارجية الفرنسية صدر في أول أيّار – مايو الجاري على ضرورة  إقدام الحكومة اللبنانية على الإصلاحات المطلوبة. أشار البيان أيضا إلى ما صدر عن المجموعة الدولية لدعم لبنان التي اجتمعت في الحادي عشر من كانون الأول – ديسمبر الماضي في باريس والتي ركّزت بدورها على ضرورة الإصلاحات.

https://twitter.com/francediplo/status/1256235780458065926

اقرأ أيضاً: الغلاء يكوي اللبنانيين.. وهذه خطة الحكومة لمكافحة ارتفاع الأسعار!

تكمن أهمّية بيان مجموعة الدعم في أنها تضم روسيا والصين وليس الولايات المتحدة والأوروبيين والمؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى منظمة الأمم المتحدة فقط. إنّ دولا مثل روسيا والصين طالبت الحكومة اللبنانية بالإصلاحات آخذة في الاعتبار أن ثورة شعبية حقيقية اندلعت في لبنان يوم السابع عشر من تشرين الأوّل – أكتوبر 2019.

بسبب ممارسات “حزب الله” تجاه العرب وتجاه المجتمع الدولي، سدّت كل الأبواب في وجه لبنان. لذلك، يبدو بعض التواضع ضروريا أكثر من أيّ وقت. ماذا يعني التواضع؟ يعني قبل كلّ شيء تفادي إطلاق الشعارات وتصديقها.

لا تنقذ لبنان الشعارات.. ما ينقذه هو التعاطي مع الواقع والحقائق على الأرض

لا تأخذ الشعارات إلى أي مكان. على العكس من ذلك، ترتدّ هذه الشعارات على أصحابها عاجلا أم آجلا. يعني التواضع ثانيا أن لبنان لا يمتلك شروطا يستطيع فرضها على صندوق النقد الدولي. على لبنان إنقاذ نظامه المصرفي قبل أيّ شيء. هذه أولويّة لبنانية… إضافة إلى أولوية أخرى اسمها الشجاعة. تعني الشجاعة الاعتراف بالهدر في قطاع الكهرباء، وهو هدر يكلّف لبنان ملياري دولار سنويا. وهذا الهدر يتحمّل مسؤوليته “التيّار الوطني الحرّ” الذي يتولّى ملف الكهرباء منذ ما يزيد على عشر سنوات.

مرّة أخرى، إنّ التواضع أكثر من ضروري. لبنان بلد مفلس. نظامه المصرفي على شفا الانهيار بسبب الدولة اللبنانية التي قبلت المصارف، للأسف، توفير الأموال لها، بالعملة الصعبة. من يتحمّل مسؤولية وصول الوضع إلى ما وصل إليه هو الدولة اللبنانية التي لديها ما تتصرّف به وليس المصارف. أموال المودعين انتهت لدى الدولة وليس لدى المصارف التي تتحمّل من دون شكّ مسؤوليات معيّنة ومحدّدة. هذا واقع. أمّا الرغبة في القضاء على النظام المصرفي، أي على لبنان، فهذا شيء آخر مرتبط بأجندة إيرانية معروف من ينفّذها على الأرض.

لا تنقذ لبنان الشعارات، مهما كانت كبيرة وبرّاقة. ما ينقذه هو التعاطي مع الواقع والحقائق على الأرض لا أكثر. هل هناك من يريد إنقاذ لبنان بدءا بالاعتراف بأنّ ملفّ الكهرباء هو المكان الجدّي لاختبار صدق الحكومة. أمّا المكان الأهمّ، فهو سلاح “حزب الله” الذي تهمّه مصلحة إيران وليس مصلحة لبنان. لا أمل بأيّ إصلاح في بلد لا تحتكر فيه الدولة السلاح لا أكثر ولا أقلّ.

السابق
احتجاجا على استمرار توقيف المحتجين.. ثوار طرابلس يدعون لاعتصام امام قصر العدل!
التالي
رامي مخلوف… توقف فوراً عن تصوير الفيديوهات