هكذا يُحرر الذكاء من سطوة السلطة!

اوشو

من أجل أن تعيش حاضرك متحرّراً من سطوة أنواع السلطات كافة عليك أن تستخدم ذكاءك لتكون ذاتك الحقيقية. هذه هي الدعوة التي يوجهها الحكيم الهندي أوشو إلى الإنسان/ الفرد، الذي يريده أن يعيش حاضره متحرّراً من سطوة كل سلطةٍ (بما في ذلك سلطة الماضي الشخصيّ وحتى التفكير في المستقبل الذي يكون بمثابة سلطةٍ مسيطرةٍ على صاحبه) أي تحريره من جميع السلطات التي تهدف إلى إلغاء شخصيته بالكامل، بقتْل فردانيتّه التي هي حقه الطبيعي المشروع في الحياة. وهذه الدعوة – بحقيقتها المجردة – هي، تماماً، الفكرة التلخيصية التي يخرج بها قارىء كتاب “الذكاء (العيش في الوقت الحاضر)”، الذي يشكل حلقة من سلسلة كتب لأوشو، التي تصدرها، وتحت عنوان: “رؤيةٌ لحياة جديدة” “شركة المطبوعات” في بيروت.

اقرأ أيضاً: مارغريت دوراس الدَّاعية إلى تدمير كل ما «يُدمِّر».. المعرفة

أسلوب الكتاب

وهذا الكتاب الصادر بطبعته العربية الاولى في الـ2019 قام بترجمته انطوان باسيل. وكتاب “الذكاء” (الذكاء كفضيلة يجب – وبحسب المؤلف – المحافظة عليها على الدوام) ليس بحثاً فلسفياً، بل يمتاز بشرحٍ ذات أسلوبٍ تبسيطيّ على طريقة السهل الممتنع، إذ إنه كتابٌ تقترن فيه النظرية بالإلماح العملانيّ التطبيقيّ، ممثَّلاً بشواهد حيةٍ كثيرةٍ جدا من الحياة اليومية. 

الفرق بين الذكاء والغباء 

ويقول الكاتب في الصفحتين (31 – 32 ): “… وفي وسع الإنسان تجاوز نفسه لكنه لا يفعل، ذلك هو غباؤه. في استطاعته النمو، لكنه لا ينمو، ويتمسك بكل أنواع عدم النضج، ذلك هو غباؤه. يواصل العيش في الماضي الذي لم يعد له وجود، ويعيد الكَرّة؛ ذلك غباؤه. وقد يشرع في استقراء المستقبل الذي لم يأتِ بعد، وذلك غباؤه”. “على المرء أن يعيش في الحاضر بشغفٍ كبير، بحب كبير،  بقوة كبيرة، بإدراك، بوعي. وهذا ما يشكل ذكاءه. إنها الطاقة نفسها، لكنها تغدو غباءً، إذا قُلبت رأسا على عقب؛ أعِدْ ترتيبها، صححها، فتصبح ذكاءً”. 

عن الذهن والذكاء والذاكرة 

فهذا الكتاب يتلخص مضمونه بالآتي: يطلق أوشو أخر صيحاته في وجه النظريات المقولبة والأنظمة التقليدية، أكانت دينية، أم سياسية، أم إقتصادية، أم تعليمية، أم اجتماعية، أم عسكرية؛ لما لها من تأثيرات قاتلة في الإنسان.  فهي تُفقده القدرة على استخدام ذكائه، وتستعبده، وتحوله مجرد آلة، وتلغي دوره في الإبداع والإبتكار وإبداء الرأي والتغيير الجذري. وبذلك يريح كل السلطات المذكورة آنفاً،  ولا يعود يشكل خطرا على مصالحها؛ وبالتالي على وجودها. 

هذا كتاب يمكّن قارئه من اتخاذ خيارات صائبة على الصعيد الفردي وفي الأمور المصيرية

وكتاب الذكاء سلسلة تصورات لنمط حياةٍ جديد، يدعو إلى معرفة المعتقدات والمواقف التي تمنع الأفراد من أن يكونوا ذواتهم الحقيقية، ويشجعهم على مواجهة ما لا يرغبون فيه، فيضع بين أيديهم مفاتيح الرؤية الواضحة، ومفاتيح القوة. وهو دعوة موجهة إلى الجميع لإستكشاف الفرق بين الذهن والذكاء، حيث يصبحون أكثر إدراكا لكيفية مقاربة المشكلات المنطقيّة والعاطفيّة والعمليّة، ولطريقة حلها. وثمة مقارنة بين الذكاء والذاكرة التي بقدر جدواها وأهميتها في تسيير الامور، فإنها لن تكون بشكل أو بآخَر بديلا من الذكاء، بأدلةٍ يسوقها عن آينشتاين، وإديسون، اللذين ادهشا العالم: الأول بنظرياته، والآخَر باختراعاته التي تفوق التعداد والوصف، مع أنهما امتلكا أسواْ ذاكرتين في التاريخ، إلى درجة أن اديسون نسي إسمه، حين نودي عليه، وهو يقف في أحد الطوابير، فراح يتلفت يمنة ويسرة.

كتاب لا بد من قراءته لإعادة التوازن النفسي، وترتيب الأولويات من جديد، والتمكُّن من اتخاذ خيارات صائبة، على الصعيد الفردي، وفي الأمور المصيرية.

نمو الوعي الداخلي

وفي توطئة الكتاب، وتحت عنوان “ليس الذكاء ما تظنونه” ينبّه المؤلف: “إعلموا، في البداية، أن الثقافة والفكر ليستا مرادفين للذكاء. فأن يكون المرء مثقَفاً أو مفكِّرا يعني أن يكون متكلفا؛ أن يدّعي الذكاء. وهذا الذكاء ليس حقيقياً لأنه ليس خاصّتك، بل هو مستعار. الذكاء هو نمو الوعي الداخلي. ولا علاقة له بالمعرفة، بل تربطه علاقة ما بالتأمّليّة. ولا يتصرف الإنسان الذكي بالإستناد إلى تجربته الماضية؛ بل يتصرف في الحاضر. وهو لا يتفاعل، بل يستجيب. ولهذا لا يمكن توقّع تصرّفه؛ لا يستطيع المرء أن يتأكد أبدا مما سيفعله”.

ما يجعلك سيد نفسك 

ومما جاء في خاتمة الكتاب، التي تحمل عنوان: “إعادة اكتشاف الذكاء من خلال التأمل” يحتوي الذهن على مفتاح تشغيل. واسم المفتاح التيقُّظ، الإدراك، المشاهدة. وإذا شرعتَ في مشاهدة الذهن؛ سيبدأ في التوقف. وكلما توسّعت المشاهدة، ازداد إدراكك للمفتاح السرّيّ. ويمكن إيقاف عمل الذهن بسهولة. وعندما تتمكّن من إطفاء الذهن لساعاتٍ، ستُشكّل تلك اللحظة تحرّراً كبيراً. وعندما يعود، عندما تستدعيه، يرجع متجدّداً، نضراً. لذلك، من المحتّم أن يكون المتأمِّلون أكثر ذكاءً من غيرهم. وإذا لم يكونوا، كذلك فإن تأمّلهم مزيَّف، ولا يعرفون بالتالي ما هو التأمّل؛ وهم يقومون بأمرٍ آخر بإسم التأمّل. يتجه الشخص المتأمِل إلى أن يكون أكثر إحساساً، أكثر ذكاءً، أكثر إبداعاً، أكثر حبّاً، أكثر عطفاً. وتنمو هذه الفضائل من تلقاء نفسها . ويكمن السرُّ كله في أمرٍ واحد: أن تتعلّم كيف تُوقف الذهن . وفي اللحظة التي تعرف فيها كيف توقف الذهن تصير السيّدَ، ويمسي الذهن عندها آليّةً جميلة. تستخدمه عندما تريد استخدامه، عندما تدعو الحاجة إليه، وتطفئه من ثَّم… 

اقرأ أيضاً: غُرْبَةُ علي شريعتي… هائماً في صحراء الشريعة!

كتاب الذكاء يدعونا إلى نمط حياة جديد نمارس فيه حقنا في الإبداع والإبتكار وإبداء الرأي والتغيير الجذريّ 

لا بديل من التأمّل

فالتأمّل يبدأ حيث ينتهي الذهن… يمكن، عادةً، اكتشاف الذكاء. والطريقة الوحيدة لإعادة اكتشافه هي التأمّل. ولا يفعل التأمّل إلا شيئا واحدا، هو أن يدمِّر كل الحواجز التي أقامها المجتمع لمنعك من أن تكون ذكيا… يبني سور الصين من حولك ليسجنك. بذكائك تقضي على مؤامرات الكهنة والسياسيين ويضيف المؤلف: لو أنكم مسيحيون لسجنكم الكهنة المسيحيون. ولو أنكم هندوس لسجنكم الكهنة الهندوس …ويتابع المؤلف قوله: وربما كانت المسيحية سجناً أفضل بعض الشيء من الإسلام، لكن السجن يبقى سجنا …وينهي المؤلف خاتمة كتابه قائلاً: “وعندما تكون خارج الذهن، تراقبه، تدركه، تكون مجرّد شاهد، فأنت ذكيٌّ. تكتشف ذكاءك. تكون قد أبطلتَ ما فعله المجتمع بك؛ قضيتَ على الأذى؛ قضيتَ على مؤامرة الكهنة والسياسيين. صرت في الخارج،  وأنت حرّ. وأنتَ في الواقع وللمرة الأولى كائن بشريٌّ حقيقيٌّ، كائنٌ بشريٌّ أصيل. وها هي السماء بأكملها قد أصبحتْ لكَ. 

السابق
زمن تصفية الحسابات: لوحة بـ 23 مليون تقلب القصر الجمهوري في دمشق رأساً على عقب!
التالي
ثورة 17 تشرين لن تنطفئ.. دعوات للتجمع ومسيرات سيارة!