تأملات كورونية: حذارِ العنف – كونترول

المصارف

1- في فترةٍ ما يبدو اللعب على المصالح العامة للمجتمع أمراً مأمونا بالنسبة لفئةٍ ما،أقليةٍ ما، ولكن سرعان ما تظهر فجأةً وفي لحظةٍ غير منتظرة النتائج الوخيمة المختبئة تحت مظاهر الأحداث: انهيارات فردية، عنف غير متوقع، أو منظم، تحولات سياسية. اللعب على المصالح العامة للمجتمع كما يحصل مع المودعين الصغار كالعلاقة مع المحتل الأجنبي، التعامل معه، يظهر هذا التعامل وكأنه بلا عقوبة بل مليئ بالمكاسب للذين يقومون به لأنه يستند إلى الأقوى، وهو المحتل، ولكن لاحقاً يتغيّر الوضع ويصبح المتعاملون مرذولين بالمعاني الأخلاقية والسياسية والوطنية.

لن يكون صعباً على مؤرخ أو روائي أو مسرحي سينظر في المستقبل إلى المرحلة الحالية في لبنان والضياع المذهل لمدخرات الطبقة الوسطى دفعةً واحدة، أن يسابق الواقع وتفاعلاته العميقة. لا تستخفوا بالغليان الجاري تحت السطح. لنقرأ مرحلة الكساد في أواخر عشرينيات القرن الماضي في أميركا كذلك انهيارات المصارف والشركات المالية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في فرنسا. بعض هذا التاريخ سيُنْبينا بهول التحولات وخروجها عن السيطرة. من يضبط العنف، العنف كونترول؟

اقرأ أيضاً: كورونا في ظل الخريطة المذهبية

2-مع الانهيار المالي وأكبر ضياع لأموال الطبقة الوسطى عرفته هذه في تاريخ المنطقة سيذكر اللبنانيون رموز المرحلة الراهنة من سياسيين وماليين كوحوش كاسرة. إنها ثنائية سياسية مالية دونها بكثير ثلاثية أميل زولا في روايته : المال l’argent وهي “البنوك، السياسة، الصحافة” في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في فرنسا، في فترة يعتبر عديدون أنها من أكثر فترات الصحافة الفرنسية سمعةً سيئة تواكب سمعة الفساد السياسي التي لم يوفرها روائيو تلك المرحلة الفرنسيون وأبرزهم زولا وغي دو موباسان.

مسؤولية الانهيار المالي الأساسية هي حتمًا مسؤولية الطبقة السياسية. لكن المصارف اللبنانية كانت مستفيدة من السياسة المالية على مدى ربع قرن. اليوم مع وباء كورونا ومع الانهيار المالي يجثم عبئان خطيران على صدور اللبنانيين في وقت واحد ولم يظهر فيهما سلوك المصارف منفتحاً بل ظهر أنانياً ومتواطئاً مع الطغمة السياسية المتعددة الطائفيّات التي تحميها والتي تضع هذه المصارف في الواجهة.

3-الشيء بالشيء يُقارَن أو لا يُقارَن. لنفترض أنه يُقارَن: عندما بدأ انهيار الأسواق المالية في جنوب شرق آسيا في التسعينات من القرن الماضي وخصوصاً في ماليزيا قيل أن هذه من أكبر معالم العولمة بحيث يستطيع مضارب مالي واحد مثل البليونير جورج سوروس يملك كتلة نقدية كبيرة (8 مليار دولار) أن يُسقِط أي عملة وطنية يستهدفها في العالم. مهاتير محمد رئيس الوزراءالماليزي الديناميكي يومها اتهمه بذلك. كان هذا عنوان اعتقاد بتراجع فعالية الدولة الوطنية في العالم.
صمدت الدولة الوطنية. وظهر أن الحاجة إليها لا تزال ضرورية. هكذا هي خلال وباء كورونا. تدير دفة الأمور بنجاح أو فشل أو بتقصير هنا وهناك وهنالك…. ولكنها تدير.

يلفت في أزمة انتشار وباء الكورونا، الخطابُ الوطني الذي أعلنت عبره دول كبرى كيفية مواجهتها للوباء. الرئيس الفرنسي (فرنسا في حالة حرب) الرئيس الأميركي ( سلامة المواطنين الأميركيين) طبعاً مع الفارق بين رقي لغة الرئيس إمانويل ماكرون وشموليتها وبين تسرّع وابتذال لغة الرئيس دونالد ترامب.
أمسكت “الدولة الوطنية” بزمام الأمور في زمن عولمة الفيروس الكوروني كوفيد 19. هذا يعني أن دور الدولة الوطنية لا زال يفرض نفسه. الناس بثقافتها وغريزتها التلقائية اتجهت للدولة. دولة المكان لا تزال إذن دولة الزمان، بحثاً عن الأمان رغم تعولم العلاقات بين الدول.

لم تخفِّف العولمة من الوطنية. كل معاني الوطنية السلبية والإيجابية تستوعبها العولمة وتستوعب هي العولمةَ.
الأمم الراسخة الهوية. الأمم المرتبكة الهوية، كلها في زمن العولمة الوبائي أو الأمني أو المالي تهرع إلى الدولة كسيدة للمكان. ومع أن تاريخ الدول حتى اليوم مليئ بالحروب ونكباتها فلا غنى عنها في وعي الشعوب للسلامة العامة.
إذًا كان كورونا وباءً قاتلاً للأفراد والمجتمعات فقد ظهر أنه دواء فعّال لتقوية مفاصل الدولة اللبنانية. الاعتبارات دون الدولتية تراجعت مرغمةً تحت وطأة سخف أي اعتبار فئوي أو مناطقي في الأزمة الوبائية وهي أصلاً أزمة عالمية. قويت مفاصل الدولة لأنه لا بديل عنها في المواجهة. انكفاء الأفراد على أنفسهم هو انكفاء أيضا عن مهنة يتقنها اللبنانيون، حتى غير الفاسدين منهم، وهي الخروج على القانون. لأنه صار من المسلّم به أن ثقافة الفساد تحوّلت إلى نمط حياة.

السابق
لمس الخضار والفواكه.. يدخل قائمة التحذير في زمن الكورونا!
التالي
إنه الانهيار المسرع إلى لبنان؟