كورونا في ظل الخريطة المذهبية

فيروس الكورونا

كشفت خرائط انتشار فيروس كورونا في الشرق الأوسط أكثر من وجه للخراب السياسي والاجتماعي الذي نجم عن تراكم البؤس في دول هذا الإقليم.
لا يقتصر الأمر على الأنظمة الصحية الهشة، ولا على الفساد الهائل الذي أفضى إلى وصول الفيروس إلينا ونحن عراة الصدور، ولا على الحروب الأهلية التي استيقظنا عشية عبور “كوفيد 19” الحدود الصينية، على أنها حروب لا تسعف المنتصرين بها، وبطبيعة الحال ستضاعف في بؤس المهزومين. الأمر جوهري أكثر، وكل تلك الدماء التي أريقت لا قيمة لها في ظل فيروس غير مرئي وصل إلينا من خارج منظومات النزاع.

الطوائف السائدة والمتصدرة لا تملك شروط الصمود أكثر من غيرها

لكن في مقابل ذلك، ثمة حقائق ثقيلة أشّر إليها شكل تفشي الفيروس. فصحيح أننا في هذا الإقليم مذاهب وأقوام متنازعة تجمع بيننا حقيقة أننا بشر لنا نفس المواصفات البيولوجية التي من المفترض أن نواجه بها غزو كورونا، وأننا غير محصنين بحدود أقاليمنا ودولنا، لكن ثمة مؤشرات أخرى تأخذنا إلى حقائق مأساوية قد لا تلتقي مع هذه الحقائق. غزة من جهة أقل عرضة للفايروس بحكم الحصار، وربما يصح هذا وإن بنسبة أقل في اليمن، وسوريا لا معطيات لدينا نكون عبرها فكرة عن عمل كورونا فيها. لكن في مقابل هذا تعتقد منظمة الصحة العالمية أن وصول الفيروس إلى هذه البؤر المحاصرة سيكون له مفعول النار في الهشيم. إذا نحن حيال خزان بارود تقترب منه النار، والمأساة على الأبواب.
ثمة مستويات أخرى للمأساة المشرقية مع الفيروس. في لبنان والعراق حيث هناك إمكانية للوصول إلى معلومات، وإن غير دقيقة، عن انتشار الوباء، تعطي الخرائط الأولية فكرة عن أن ضعف مناعة الانتشار تتفاوت تبعا للمناطق، والمناطق هنا طوائف ومذاهب ومناطق نفوذ، وتفاوت في توزيع الثروات وتمايزات في البنى التحتية الصحية والاستشفائية. 
في لبنان تفوق الفيروس بانتشاره في مناطق المسيحيين، وفي العراق ضرب مناطق الشيعة والأكراد وكانت مناطق السنة أكثر حصانة. ثمة أجوبة سياسية على هذه الحقائق، وهذه الأجوبة تؤشر أيضا إلى أن الخراب صار له هوية اجتماعية، ولا يعني هنا أن “المحصن” في مأمن من وصول الفيروس إليه، إنما نوع التهديد يختلف، فحين يطرق الفيروس مدينة الموصل، لن يجد مستشفى في مواجهته. هو لم يصل حتى الآن لأنه لم يعثر على سبيل إليها، لكن وبحسب منظمة الصحة العالمية، تماما كما هو حال غزة، فرصه هناك كبيرة، والحواجز في وجهه هشة. 
مناطق الشيعة في العراق أكثر عرضة للقادمين من الخارج، ومحاذية للحدود مع إيران، لكن هذه الحقائق ستتغير بعد وقت ليس طويلا. الأمر نفسه يصح في لبنان وإن اختلفت معطياته المناطقية والمذهبية. 
ويبقى أن الطوائف السائدة والمتصدرة لا تملك شروط الصمود أكثر من غيرها في حال تفشى الفيروس، فالثروات تم تبديدها في قنوات الفساد الهائلة، والبنى الاستشفائية تكاد تكون منعدمة، ونخب السلطة لم تشعر أنها معنية بالاستثمار في القطاع الصحي، فهي آثرت عليها المساجد والمنشآت الدينية التي تحولت إلى مراكز حشد وتحريض في سياق الحروب الأهلية المديدة التي يشهدها إقليمنا البائس.

اقرأ أيضاً: هل الإفراط في تعقيم اليدين يزيد من إحتمال إلتقاط فيروس «كورونا»؟

الثروات تم تبديدها في قنوات الفساد الهائلة، والبنى الاستشفائية تكاد تكون منعدمة

“حماس” أقامت حاجزا أمنيا لاعتراض كورونا على المعابر المؤدية إلى غزة. النظام السوري اكتفى بإعلان وزير الصحة بأن “الجيش العربي السوري” قضى على كل الفيروسات القادمة إلى البلاد. العراق أنشأ وحدة شرطة لمكافحة كورونا. وفي لبنان اشتعل سجال طائفي حول هوية الوباء. وبلد كاليمن لا أحد يملك معلومات عن كورونا فيه. كورونا صار جزءا من “الموديل” السياسي والأمني، وبالتالي جزءا من فشل الدول والمجتمعات، وهو إذ وصل إلى معظمها، يطرق اليوم أبواب ما تبقى منها. لكنه أيضا فضح ثقافات الحروب، وكشف ما لم يستطع أحد على كشفه.
لا قضية يمكن فصلها عن حقيقة هذا الفشل. ما قاله وزير الصحة السوري يُلخص كل شيء يتعلق بالنخب الحاكمة في كل دول الإقليم. المصارف في لبنان تصرفت على نحو ما قال هذا الوزير، وكذلك الكنيسة، وخطباء مساجد الفتنة في العراق، والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، و”حماس” التي تمولها كل من إيران وقطر. وكل هؤلاء لا فضل لهم ببناء مستشفى. الأموال تم تهريبها إلى مصارف في الخارج، والقليل منها تم توظيفه في منشآت الحروب الأهلية، إلى أن جاءت لحظة الحقيقة، لحظة “كوفيد 19”.

السابق
تصعيد في مستشفى الحريري!
التالي
في غياب الشجاعة… لبنان إلى كارثة!