قضية العميل الفاخوري تضرب عمق «أيديولوجية» حزب الله!

كورونا في ايران
استحوذ الحديث عن قضية وقف التَّعقُّب بحق العميل عامر الفاخوري وتخلية سبيله وإخراجه بطوافة أمريكية عسكرية خاصة من حرم السفارة الأمريكية في لبنان على كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بالأمس، والتي حاول فيها معالجة القضية من كل جوانبها مركزاً على جانب رفع التهمة عن حزب الله بالتورط بتهريب الفاخوري في إطار ما يقال من صفقة غير معلنة ظهرت ثمراتها في عدة اتجاهات.

انتهى سيناريو تبرئة و تهريب العميل عامر فاخوري الى تنحي العميد الركن القاضي حسين العبد الله من رئاسة المحكمة، علماً أن هذه المحكمة هي نفسها المحكمة العسكرية التي طالما لحظت اعتبارات حزب الله في الساحة الداخلية في أحكامها المرتبطة بعملاء إسرائيل والمتهمين بالعمالة عموماً في كثير من القضايا المرفوعة أمامها.

وقد شهدنا الكثير من الهرج والمرج في المقابل بحق متهمين بالعمالة ومتعاملين فعلاً أخلت سبيلهم المحكمة المذكورة بعد تحرير الجنوب عام ألفين، وكان حزب الله يُبرِّر تبرئة بعض هؤلاء من قبل المحكمة بحجة أنهم كانوا يعملون لصالح المقاومة تحت عنوان: “العميل المزدوج”، وقرى الجنوب وغير الجنوب فيها الكثير من الذين برَّأتهم المحكمة العسكرية أو أعطتهم أحكاماً مخففة بعد تحرير عام ألفين، وكان ذلك على اطلاع ومتابعة من الحزب لملفات هؤلاء في المناطق بما له من أجهزة أمنية متخصصة في قضايا التعامل مع إسرائيل، وهؤلاء العملاء والمتهمون بالعمالة قام الثنائي الشيعي بتغطية بعضهم بحجة العمالة المزدوجة وبأنهم كانوا يتعاونون مع المقاومة في فترة أوج العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: بعد فضيحة الفاخوري.. «حزب الله» يشهر «سيف» التخوين!

الحليف المسيحي القوي

وبأدنى متابعة في مناطق الجنوب المحررة وغيرها يمكن التعرف على وجوه من كانوا في جيش لبنان الجنوبي، بل بعضهم كان في صفوف المخابرات الإسرائيلية، وهم الآن يمارسون حياتهم الطبيعية في بلدانهم وقراهم في الجنوب وغير الجنوب وهم من كل الطوائف، ولكن هي قضية العميل عامر الفاخوري التي طفت على السطح في اليومين الماضيين لتحدث هذه الضجة وهذا الصخب الإعلامي في الداخل والخارج، فماذا تحت الأكمة من وقائع؟

التحليلات المُعلنة في وسائل الإعلام العربية والأجنبية تقول إنها صفقة لإرضاء الحليف المسيحي القوي الذي يحتاجه حزب الله لتغطية السلاح والكثير من الملفات الداخلية، بل وحتى الخارجية، حيث تلقَّى الحزب وعوداً من الحليف القوي أن يسعى هذا الحليف بالتوسط مع الجانب الأمريكي بطريق غير مباشرة ليحول دون فرض عقوبات اقتصادية وغير اقتصادية جديدة على رموز لحزب الله في الفترة الراهنة، وربط البعض ذلك بما قد يصدر عن المحكمة الدولية من أحكام في الشهرين القادمين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري..

وبأدنى متابعة في مناطق الجنوب المحررة وغيرها يمكن التعرف على وجوه من كانوا في جيش لبنان الجنوبي، بل بعضهم كان في صفوف المخابرات الإسرائيلية، وهم الآن يمارسون حياتهم الطبيعية في بلدانهم وقراهم

 ولا عجب بعد هذه الرؤية من أن تتحول الحكومة اللبنانية في الخطاب السياسي – وفي ساعة سمَّاعة – من حكومة حزب الله إلى حكومة يشكرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامپ على مساعيها لتخلية سبيل الفاخوري!

ضوء أخضر إيراني

ولكن البعض الآخر قد يرى في صفقة الفاخوري بعداً إقليمياً، فحزب الله المرتبط بالقيادة الإيرانية التي تعلم بكل شاردة وواردة في سياسات الحزب ومواقفه، بل لا يتحرك الحزب في كل قرراته المصيرية الداخلية والخارجية دون أخذ الفتوى من هذه القيادة، يرى البعض من أن السماح بتخلية سبيل الفاخوري كان بقرار إيراني وراء الستار لتمرير ورقة تسهم بحلحلة ملف المساعدات الإنسانية والدوائية لإيران في مواجهة تفشي وسرعة انتشار وباء ڤايروس كورونا المستجد، خصوصاً في حال سبقت المختبرات الأمريكية الدول الأخرى بتجربة نجاح اللقاح المفترض لعلاج تفشي هذا المرض، مما قد يضطر إيران للتعامل بإيجابية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتتمكن بالتالي من الحصول على حاجتها وكفايتها من هذا اللقاح في المستقبل القريب للحد من انتشار جائحة كورونا للمدن الإيرانية، هذا وقد صرَّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامپ بالأمس بأن عملية إنتاج اللقاح قد تستغرق أسابيع بعد أن كان قد أعلن في الأيام الماضية عن الحاجة لسنة ونصف وأكثر للتأكد من نجاح التجارب السريرية ، مما يجعل إيران أكثر حاجة للإسراع في الحلحلة في هذا الاتجاه عن طريق تقديم ملف مُلح للإدارة الأمريكية كبادرة تفتح بها الباب للتعاون الإنساني والطبي، ولعل هذا ما ترجمه كلام وزير الخارجية الأمريكية مارك بومبيو بالأمس حينما قال في تصريحه للصحافة: “إن العقوبات الاقتصادية على إيران لا تشمل المساعدات الإنسانية واللوازم الطبية، ونحن نسعى لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى إيران”!

وهذا يكشف بوضوح ثمار صفقة الفاخوري في بعدها الإقليمي وفي اتجاه الملفات العالقة بين طهران وواشنطن ، وهذا بالتالي يؤكد البعد الإقليمي لتخلية سبيل الفاخوري، وقد بدأت إيران فعلاً بالأمس بحلحلة مع المجتمع الدولي في العلن في قضية أخرى وذلك من خلال عملية التبادل التي أجرتها بالأمس مع فرنسا بالنسبة للمواطن الفرنسي الذي كان محتجزاً لديها ، مما يؤكد تحرك إيران بهذا الاتجاه للأهداف التي ذكرناها.

ثمار صفقة الفاخوري تتجلى بكلام بومبيو بالأمس حينما قال في تصريحه للصحافة: “إن العقوبات الاقتصادية على إيران لا تشمل المساعدات الإنسانية واللوازم الطبية، ونحن نسعى لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية إلى إيران”!

 ولكن الغريب من كل ما يجري كيف تغيرت الأيديولوجية السياسية لحزب الله في لبنان في عمله السياسي وطروحاته المعلنة بين ليلة وضحاها ليبدو الحزب كلاعب سياسي كبقية اللاعبين مستغنياً عن المبادئ التي كان يتغنَّى بها دائماً، فقد أظهرت قضية الفاخوري تغيراً واضحاً في نهج حزب الله بحيث صار يخضع لشروط اللعبة السياسية ومتغيراتها كغيره من اللاعبين السياسيين.

عدو أم خصم؟

 فقدسية قيادته وامتداداته التعبوية والشعبية باتت على المحك بعد قضية الفاخوري، والملفت في التغير الأيديولوجي عند الحزب أنه كان يُصنِّف كل من لا ينسجم معه بالعدو ، وبعد خطاب أمينه العام بالأمس صار التصنيف ينقسم إلى قسمين: عدو وخصم.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» يحشد في مواجهة «كورونا».. والسيف يسبق «العزل» في الضاحية!

فالحزب صار يعترف بوجود خصوم بين منتقديه ومخالفيه ومخطئيه، ولم يعد يصنف الجميع في خانة الأعداء، بعد أن كانت القاعدة المعمول بها عند الحزب في المرحلة السابقة هي أن كل من لم يوافقه ومن ينتقده ومن يخطئه فهو عدو له ، وخصوصاً في الدائرة الشيعية، وهذا يعتبر تغييراً بارزاً أظهرته وأحدثته قضية الفاخوري في أيديولوجية حزب الله السياسية.

وقد أعلن السيد نصر الله بالأمس بانقطاع عُرى الصداقة فقط بين الحزب وبين مخالفيه ومنتقديه ومخطَّئيه في مسألة التهم الموجهة لحزبه في قضية تهريب الفاخوري، بعدما كان حزبه يعتبر هؤلاء من الأعداء في مرحلة ما قبل قضية الفاخوري، وهذا ما بدا واضحاً في تصريحاته في حديثه بالأمس، فهل سيكون هذا التغير نهجاً جديداً في العمل السياسي سينتهجه حزب الله في بقية الملفات في المرحلة المقبلة أم هو ما تفرضه مرحلة الضرورات الحالية التي تبيح المحظورات؟

السابق
عداد «كورونا» يرتفع 43 اصابة جديدة في يوم واحد..هل تُعلن حالة الطوارىء الكاملة؟
التالي
أول سياسي لبناني يصاب «رسمياً» بالفيروس..الصفدي يتعافى تدريجياً من «الكورونا»!