لبنان أعلن «التعبئة العامة» في حربه على «كورونا»

الحكومة اللبنانية والكورونا

وُضع لبنان أمس «على سلاحه» بملاقاة المرحلة الجديدة التي دَخَلَها في مواجهة تَفَشي وباء «كورونا» مع إعلانه «التعبئة العامة» استجابةً لمقتضياتِ «حال الطوارىء الصحية» وضروراتِ منْع انتشار الفيروس وخروجه عن السيطرة بما يسبّب «انهيار» النظام الصحي وتعريضِ البلاد لمخاطر وجودية تطال الإنسان في «بلاد الأرز» التي تكابد أيضاً تحدياتٍ مصيريةً بفعل الأزمةِ المالية – الاقتصادية – المصرفية – النقدية – المعيشية غير المسبوقة في تاريخها.

وجاء رفْعُ مستوى الاستنفار الرسمي إلى «اللون البرتقالي» في تطوّرٍ غير مسبوق منذ عقود، بعد سلسلةِ اجتماعاتٍ طارئة للمجلس الأعلى للدفاع الذي أوصى بالانتقالِ إلى «التعبئة العامة» (حتى 29 الجاري ضمناً) كإطارٍ يرتكزُ على المادة 2 من قانون الدفاع الوطني، ثم لمجلس الوزراء الذي اتخذ سلسلة تدابير من ضمن مستلزماتِ وضعية «الطوارىء الصحية» التي انطلق منها رئيس الجمهورية ميشال عون لإطلاق مسار التصدي لحلول «ساعة الحقيقة بالنسبة الينا جميعاً، وهي الأولى في تاريخنا المعاصر».

إقرأ أيضاً: الحكومة بين «التعبئة» و«الطوارئ».. إبحثوا عن «حزب الله»؟!

وتمّ التعاطي مع هذه النقلة النوعية التي وضعت البلاد في شبه «حجر عام» اقتضى قفْل المطار وجميع المرافئ البحرية والبرية والجوية اعتباراً من الأربعاء وحتى 29 أذار والمؤسسات العامة والخاصة مع استثناءاتٍ ضيقة، على أنها أكثر من استنفارٍ وأقلّ بقليل من إعلان حال طوارىء عامة بدا أن دونها اعتباراتٌ عدة بعضُها سياسي يتّصل بمحاذير تسلُّم قيادة الجيش زمام الأمور في البلاد وتالياً الإمرة السياسية فيها، في حين حاصرتْ قرارَ التعبئة العامة علاماتُ استفهامٍ كبيرة وسريعة حيال مدى نجاحها في وقْف تَمَدُّد «كورونا» بعد تجاوُز الإصابات المئة وقدرةِ الجيش والقوى الأمنية على فرْض «الحدّ من التجوّل» والتجمّع الذي اعتُبر «بدلاً عن ضائع» اسمه حظر التجول الذي تحول دونه أبعاد حزبية – أمنية خفيّة. 

وسابقت الإجراءات الحكومية مساراً تصاعُدياً في عدّاد الإصابات التي أعربت مصادر طبية وعلمية عن الخشية الكبيرة من أن تبلغ، بحال تمت إضاعة «الفرصة الذهبية» الأخيرة لتفادي «الكابوس المُرْعِب»، الآلاف في الأسابيع المقبلة في حين أن القطاع الصحي – الاستشفائي غير مهيّأ لمثل هذا السيناريو المُفْجع، وسط اقتراب القدرة الاستيعابية لمستشفى رفيق الحريري الجامعي من الحدّ الأقصى (140 سريراً) قبل «الخطة ب» بتحويله كاملاً (350 سريراً) لـ «الكورونا»، وعدم توقُّع توفير أكثر من 1500 سرير جراء تجهيز المستشفيات الحكومية الأخيرة لـ «الالتحاق» بقطار المواجهة مع الفيروس، في حين تعلن المستشفيات الخاصة أنه ليس بإمكان كل منها تأمين أكثر من 20 سريراً ضمن هذه «المعركة»، ناهيك عن «الخطر الأكبر» المتمثل في شحّ أجهزة التنفس الاصطناعي التي لا يتجاوز عددها في لبنان 500 يتم استخدام 350 منها حالياً لحالاتٍ مَرَضية متنوّعة.

وبدأ يوم التأهب الكبير في لبنان مع اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة عون والذي خلص إلى «رفْع إنهاءٍ الى مقام مجلس الوزراء لمواجهة الخطر الداهم المتمثل بوباء»كورونا«بالتعبئة العامة التي تنص عليها المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983 (الدفاع الوطني) مع ما تستلزمه من خطط وأيضاً أحكام خاصة تناولتها هذه المادة بالإضافة الى التدابير والاجراءات التي سبَقَ واتخذها مجلس الوزراء في اجتماعاته السابقة».

ولم يكد «الأعلى للدفاع» ان يتلو مقرّراته حتى التأم مجلس الوزراء الذي استُهلّ برسالةٍ وجّهها على الهواء رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين ومهّد فيها للتدابير الاستثنائية الموقتة معلناً «إنها المرة الأولى منذ قرابة القرن ونيف، يواجه لبنان وباءً يعم العالم ويتطلب اتخاذ أقصى درجات الوقاية والحماية للحد من سرعة انتشاره»، ولافتاً إلى أنه «أمام سرعة انتشار هذا الوباء، وعدم القدرة العالمية والمحلية على احتوائه حتى الآن، وارتفاع عدد المصابين به، يجتمع مجلس الوزراء، بجلسته الاستثنائية هذه، لإقرار سلسلة من التدابير الاستثنائية والمؤقتة، ولا سيما أن الحالة الراهنة تؤلّف حالة طوارئ صحية تستدعي إعلان حالة تعبئة عامة في جميع المناطق اللبنانية».

وأضاف: «أمام صحة كل مواطن تسقط الاعتبارات السياسية الضيّقة كافة. وليس الوقت مطلقاً لتسجيل نقاط وتبادل الاتهامات، كما أنه ليس الأوان للاستثمار السياسي أياً كان (…)»، وتابع: «كل منا مدعو أن يواصل عمله، من منزله، بالطريقة التي يراها مناسبة، فتستمرّ عجلة التحصيل للطالب، والعمل للعامل، وتبقى المؤسسات حية وفاعلة قدر المستطاع. فلنغتنم هذه الأيام، مهما طالت، لنؤكد اننا شعب واحد جدير بالحياة».

وبعد نحو 5 ساعاتٍ من المداولات الماراتونية، اتُخذت مجموعة من القرارات أبرزها: «التأكيد على وجوب التزام المواطنين البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورات القصوى، وعلى القرارات المتخذة في شأن منع التجمعات في الأماكن العامة والخاصة وفي شأن السر من وإلى لبنان من بعض الدول (…) وقفل مطار رفيق الحريري الدولي وجميع المرافىء الجوية والبحرية والبرية (فقط أمام الوافدين بالنسبة للمرافىء البرية والبحرية) اعتباراً من الأربعاء في 18 مارس 2020 حتى السابعة الرابعة والعشرين من يوم الأحد في 29 مارس 2020، ويستثنى من ذلك قوات اليونيفيل والبعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية والطائرات المخصصة للشحن والأشخاص العاملون لدى الشركات المرتبطة بعمليات الحفر في البلوك رقم 4».

كما قررت الحكومة «السماح للبنانيين وأفراد عائلاتهم كما لحاملي بطاقات الإقامة في لبنان بالعودة حتى تاريخ 18 مارس ضمناً وشرط أن تكون نتيجة الـ PCR سلبية وعلى أن لا يشمل هذا القرار الوافدين من الدول التي سبق أن تم حظر السفر منها وإليها وهي فرنسا، مصر، سورية، العراق، ألمانيا، اسبانيا، المملكة المتحدة، ايطاليا، ايران، الصين وكوريا الجنوبية».

ومن الإجراءات أيضاً «قفل المؤسسات العامة والبلديات والمصالح المستقلة والجامعات والمدارس الرسمية والخاصة والحضانات، ويستثنى ما تقتضيه ضرورات العمل في الوزارت والإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات (…)»، و«تعليق العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة والمحال التجارية على اختلافها (…) وتُستثنى المطاحن والأفران وكل ما يرتبط بتصنيع وتخزين وبيع المواد الغذائية وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية».

وكلّفت الحكومة الأجهزة العسكرية والأمنية والمؤسسات المعنية «القيام بالمقتضى القانوني لتنفيذ ما تقدّم بصورة فورية».

وبعيد صدور المقررات، أعلنت جمعية مصارف لبنان أنه «على إثر صدور قرار مجلس الوزراء بإعلان حالة التعبئة العامة، وما تضمّنه من إجراءات وقائية شاملة لمواجهة تفشّي الكورونا، ولا سيّما دعوة المواطنين الى البقاء في منازلهم، يعلن مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان أن فروع المصارف سوتقفل أبوابها يوم الإثنين في 16 مارس 2020 ريثما يتسنّى للإدارات العامة، بالتنسيق مع السلطات النقدية، تنظيم العمل في المصارف طوال الفترة الواقعة بين 16 و29 مارس الجاري، والتي شملتها الإجراءات المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء».

السابق
اليكم أسرار الصحف الصادرة اليوم 16 آذار 2020
التالي
كورونا… الأرض تنتفض