«نيران صديقة» في مقتلة إدلب تدفع نحو جلاء الجيوش الأجنبية عن سوريا

علي الامين

لم تكن الضربة التي تلقتها الميليشيات التابعة لإيران في سوريا متوقعة (25 قتيلا بين إدلب وحلب)، بل بدت مباغتة لإيران وحزب الله، فبعد سقوط نحو 50 جنديا تركيا في سوريا خلال شهر فبراير الماضي، من ضمنهم استهداف قافلة عسكرية تركية أدى إلى مقتل أكثر من 30 جنديا تركيا، لم يكن حزب الله، ومن خلفه إيران، يتوقعان أن يكون الردّ التركي على مواقع عسكرية تابعة لإيران وميليشياتها، بسبب أن مسؤولية قتل الجنود الأتراك كانت تشير إلى روسيا والنظام السوري، خصوصا أن غارات جوّية هي التي حصدت العدد الأكبر من القتلى الأتراك، فيما إيران وحزب الله لا يستخدمان طائرات حربية كما هو معلوم في سوريا.

الضربة المعنوية التي تلقاها حزب الله بمقتل عشرة من محازبيه في الشمال السوري تتجاوز الضربة العسكرية، فالحزب الذي سارع بعد تلقيه الضربة إلى إيفاد المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم للقاء المسؤولين الأتراك، كشف في خطوته هذه عن ارتباكه ومحاولته الحدّ من الخسائر السياسية والعسكرية.

تواطؤ روسي- تركي ضد “حزب الله”

فحسب المعلومات التي يتم تداولها من أوساط قريبة من حزب الله في بيروت، أن “ثمة تواطؤا تعرضت له الميليشيات الإيرانية كان طرفاه روسيا وتركيا في الحدّ الأدنى وربما الجيش السوري النظامي”، إذ أشارت هذه الأوساط إلى أن استهداف المواقع الإيرانية والتابعة لحزب الله، بدا وأنه بدل عن ردّ تركي على القوات الروسية، بحيث بدت القوات الإيرانية وميليشياتها الحلقة الأضعف التي تتيح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعادة ماء الوجه بعد الضربة التي تعرض لها الجيش التركي ليل الخميس، وفي ظل إدراكه للكلفة التي قد يدفعها في حال استهدف القوات الروسية.

لم يكن أمام المشروع الإيراني في المنطقة العربية في السعي لكسر العزلة التي يعيشها على المستوى العربي والإسلامي، إلا ترميم العلاقة مع الإسلام السياسي

الضربة المعنوية أيضا هي لكل ما كان المحور الإيراني يسعى إلى ترميمه في العلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، إذ ليس خافيا على المتابعين ما يجري في منظومة علاقات المحور الإيراني، هو السعي الإيراني لإعادة ترميم العلاقة مع حزب الله بعد التصدعات التي أحدثها بين الطرفين تورطه في دعم نظام بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية، ففي السنوات الأخيرة وتحت عناوين فلسطين والقدس والمقاومة، عمل حزب الله وعبر حركة حماس أولا، على إعادة ترميم علاقاتها مع النظام السوري في الحدّ الأدنى، فضلا عن الدعوات التي تلقتها قيادات من هذه الحركة لزيارة إيران بشكل لافت في السنوات الأخيرة، ومن خلال هذه العلاقة بدأت جهات إيرانية رسمية بزيارة تركيا في سبيل إعادة بناء العلاقة بين إيران وتنظيم الإخوان، مستغلة العلاقات السيّئة لهذا التنظيم مع معظم الدول العربية.

من هنا كانت صدمة حزب الله بعد استهدافه من قبل الجيش التركي، لاسيما أن هذه الضربة ترافقت مع عمليات تهجير لمئات الآلاف من المواطنين السوريين من إدلب ومن ريف حلب، في ظل التمدد العسكري للنظام السوري بدعم من إيران ومن روسيا، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المناطق هي أيضا مناطق نزوح للملايين من السوريين الذين فروا من بطش النظام السوري وحلفائه في السنوات الأخيرة وقدم جزء منهم في عمليات شهيرة تم خلالها نقل عشرات الآلاف من المقاتلين من مناطق دمشق وريفها ومناطق الزبداني والقلمون ومن بلدة القصير على الحدود مع لبنان.

لم يكن أمام المشروع الإيراني في المنطقة العربية في السعي لكسر العزلة التي يعيشها على المستوى العربي والإسلامي، إلا ترميم العلاقة مع الإسلام السياسي ومحاولة تغطية تمدده في العالم العربي من خلال ترميم العلاقة مع الإخوان، حيث عمد حزب الله إلى العمل على فتح القنوات مع التنظيم وتعزيزها، وعملت القيادة الإيرانية على استثمار علاقاتها مع تركيا وقطر في سبيل تحقيق هذا الخرق، ورغم الجهود التي بُذلت على هذا الصعيد فإن عودة المياه إلى مجاريها بقيت متقطعة وأسيرة نهر الدماء في سوريا.

كان الجيش السوري عرضة لضربات تركية أدت إلى خسائر بشرية ومادية وعسكرية، إلا أن الضربة القاصمة التي يصعب تعويضها كانت الضربة التركية، ذلك أنّ الترحيب بهذه الضربة من قبل السوريين، خاصة اللاجئين في تركيا، أظهر وجود مسافة بين الشعب السوري من جهة، والوجود الإيراني في سوريا من جهة أخرى.

هل يكون فخ الشمال السوري الذي استدرج حزب الله إليه الإعلان الرسمي والعسكري لنهاية تورطه، وربما إيران، في حرب سورية جرّت المآسي على شعبي لبنان وسوريا؟

اللواء عباس إبراهيم، وهو الذي يتولى عادة نقل رسائل من الدولة اللبنانية ومن حزب الله إلى جهات مخابراتية عربية وغربية، توجه إلى تركيا من أجل إيجاد مخارج تحول دون تدهور العلاقة بين حزب الله وتركيا، في لحظة سياسية تلمس من خلالها الحزب أنه وقع في فخّ نُصبَ له بإحكام، فخ لم يكن الروس بعيدون عنه ولم تكن تركيا غير مرحبة به، وأظهر ضعف إيران في المعادلة السورية.

شهدت مدينة القصير الإعلان العسكري عن بدء دخول حزب الله في الحرب السورية، وقد كلف ذلك حزب الله عشرات القتلى الذين وقعوا في أفخاخ من الألغام نصبت على مداخل المدينة وفي أنفاقها، فهل يكون فخ الشمال السوري الذي استدرج حزب الله إليه، الإعلان الرسمي والعسكري لنهاية تورطه، وربما إيران، في حرب سورية جرّت المآسي على الشعب السوري أولا ولبنان ثانيا؟

السابق
دياب العاجز «يبتز» اللبنانيين.. الضرائب مقابل الحماية!
التالي
الحشد يتصارع على تسمية رئيس للوزراء.. بروز اسم مصطفى الكاظمي!