في ذكرى انتصارها الـ41.. إيران تتخبط بخيبات «تصدير الثورة»

ايران
كما هو حال جميع الثورات في بلادنا التي انتهت بخيبات، تنتهي الثورة الاسلامية في ايران بخيبة أيضا بعد 41 عاما من انتصارها، أما الشيعة في كل مكان فوجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام النعمة الالهية التي تحوّلت الى نقمة شعبية، بعد ان ذاقت الثورات الاسلامية طعم السلطة.

كانت أيام مباركة ملؤها الفرح والأمل عمّت فيها الغبطة أرجاء العالم العربي والاسلامي مع سقوط شاه ايران وانتصار الثورة الاسلامية. أما نحن الشيعة في لبنان فقد شعرنا بالفخر والزهو، بعد ملأ ذكر الامام الخميني الآفاق وأصبح اسمه مرادفا للمجد والعظمة والانتصار على الظلم والطغيان.

إقرأ أيضاً: ظريف وانتقال إيران من الثورة إلى الدولة

مع بداية شهر شباط قبل 41 سنة، تسمّر اللبنانيون لاستماع نشرات الاخبار والملاحق عبر اجهزة الراديو نهارا وشاشات التلفزة ليلا، يترقبون الإمام الخميني وهو يستعد للعودة من فرنسا الى ايران بعد رحيل الشاه، فشاهدوا المشهد الساحر عندما وصل الامام بالطائرة الفرنسية الى ارض المطار في طهران واستقبله الملايين كقائد ملهم مقدّس نجح في تحرير بلده من اسرة آل بهلوي التي ارتبط وجودها بالاستعمار الانكليزي وبالتحالف مع اميركا واسرائيل، ثم ليستمعوا الى خطبته التاريخية التي قام بعدها الشعب الايراني باحتلال جميع المراكز الامنية والعسكرية والرسمية في البلاد، ثم اعلان انتصار الثورة الاسلامية في مثل هذا اليوم تاريخ 9 شباط عام 1979.

تصدير الثورة

بعد تعيين حكومة وطنية مؤقتة برئاسة مهدي بازركان، جرت انتخابات نيابية اكتسح فيها الخمينيون الصناديق، لتتشكل بعدها دولة ولاية الفقيه، التي تبنت عقيدة اسلامية شيعية حملت شعارين الاول دفاعي وهو “لا شرقية ولا غربية” أي لا للحلف مع اميركا والغرب الامبريالي، ولا للتحالف ايضا مع الاشتراكيين الذين يحملون العقيدة الشيوعية ويقودهم انذاك الاتحاد السوفياتي، اما الشعار الثاني فهو هجومي قولا وعملا واسمه “تصدير الثورة”.

فتح العمل بمبدأ تصدير الثورة باب الصراع الطائفي في المنطقة على مصراعيه، ونكأ الجراح المذهبية التي عادت لتتقرّح وتظهر من جديد على طول البلاد العربية والمسلمة وعرضها، ولم يستطع صدام حسين دكتاتور العراق تحمّل التحريض الشيعي القادم عبر حدوده الشرقية، فاندفع بتهوره المعهود وبغطرسته وأمر جيشه باجتياح ايران ليقضي على ثورتها الفتية، فدامت الحرب 8 سنوات وتسببت بمقتل مليون ضحية من الطرفين وبخسائر مقدرة بآلاف المليارات.

الضحية الاولى لهذا الصراع كانت دول الخليج العربي التي ناصرت صدام حسين وتحملت الاستنزاف المالي والعمليات التخريبية التي كان يقوم بها مناصرون لايران في بلدانها، عادت وتلقت عام 1990 الاجتياح العراقي للكويت وما جرى بعده من حرب خليج ثانية اعادت جميع الدول في المنطقة عشرات السنين الى الوراء، بسبب ما خلفته من دمار بفعل غزارة نيران التدخل الغربي والاميركي، وصواريخ صدام حسين الطويلة المدى.

مآسي لبنان والعراق 

اما في لبنان فان تصدير الثورة الاسلامية الايرانية بدأ مع ظهور حزب الله عام 1983 بالتحالف مع النظام السوري، وقد ساهم بشكل فعال في تحرير الجنوب على الرغم من رفعه شعار “الجمهورية الاسلامية في لبنان”، ليحتدم الخلاف لاحقا مع حركة امل وويدخل في حرب معها مدة 3 اعوام قبل حسمها باتفاق سوري ايراني بعد انتهاء الحرب الاهلية عام 1990، يقضي بحلّ المليشيات كلها عدا حزب الله، وتكليفه بمهمة تحرير ما تبقى من اراضي الجنوب، ثم حماية الحلف السوري الايراني في لبنان والمنطقة، وهو ما ظهر جليا في تدخله بالحرب السورية لصالح النظام عام 2013، وقد تسبب تسليح حزب الله ومازال، انقساما لبنانيا حادا لسبب انه وضع لبنان دون مشورة ابنائه وضدّ ارادتهم في حلف مع المشروع الايراني المعادي لمحيطه العربي.

وبالعودة الى العراق، فقد اغتنمت ايران فرصة الغزو الاميركي عام 2003 لتتفق مع واشنطن على ادارة مشتركة لبلاد الرافدين بعد سقوط نظام صدام حسين، وليسقط العراق في احضان تصدير الثورة بعد عام 2011 تاريخ الانسحاب الاميركي وتسليمه للاحزاب الدينية الشيعية التابعة لطهران، التي استنزفته فسادا وفوضى مسلحة انضم لها الحشد الشعبي التابع لايران الذي تشكل من اجل محاربة داعش، ثم عاد بعد الحرب وارتد على الدولة وتغلغل فيها وعاث فيها اضعافا وفسادا ايضا، لتنفجر ثورة شعبية قبل اشهر، وتقوم تلك الفصائل بايعاز من ايران بمحاولات غير مجدية لقمعها.

الحوثيون وخريف الثورة الخمينية

ولعل تصدير الثورة الى الحوثيين ومشاهدة فقراء اليمن على الشاشات في الالفية الثالثة وهم يرددون الشعارات نفسها التي رددها قبلهم في الثمانينات شيعة حزب الله في لبنان، كان صورة اشبه بالكوميديا السوداء، تظهر هؤلاء اليمنيين الذين استفاقوا على الثورة الخمينية الآفلة، كفقراء مستهم نعمة ولاية الفقيه بمالها وسلاحها فطفقوا يرددون شعارات لا يفقهونها ولكن يقدسونها لانها مصدر قوتهم التي مكنتهم من الحكم والسيطرة، في حين ان ما مكنهم هو اهتراء السلطة واطماع الرئيس السابق المقتول من قبل الحوثيين نفسهم، علي عبدالله صالح وهوسه بالمحافظة على حكمه مهما كان الثمن ولو بالاستعانة بايران ومالها وسلاحها.

اليوم وفي الذكرى الـ41 لانتصارها، ما زالت الثورة الاسلامية في ايران عصية على التجديد، ومازال المرشد السيد علي خامنئي ينهل من نواميس ولاية الفقيه التي اجترحها الخميني على قياسه، واذا كان مبدأ تصدير الثروة قد تلقى ضربة قاصمة باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني من قبل الاميركيين، وهو الذي كان الآمر والمحرك الفعلي للاذرع الايرانية العسكرية والامنية في المنطقة، فان المستقبل القريب يشي بقرب وصول ايران الى مفترق طرق لا بد من سلوك احدهما، اما المجابهة الشاملة مع القوى الكبرى واميركا، او الخضوع للنظام الدولي الذي لا يعترف بتصدير الثورات ولا بمشاريع وايديولوجيات دينية عابرة للحدود، مع التنويه ان الثورة الاسلامية اصابت في رهانها بان اسرائيل الدولة الغاصبة والمحتلة لا تريد سلاما مطلقا ولا اعطاء اي حق للفلسطينيين، وعلى هذا بنت عقيدتها الجهادية التي تصدرها باتجاه العرب والفلسطينيين ونجحت في تثبيت رهانها هذا، في حين ان من راهنوا على السلام في منطقتنا ما زالوا غارقين في مستنقع الانتظار، عاجزين عن العثور على مشروع بديل.

السابق
بري وسقوط فلسطين.. العكس هو الصحيح دولة الرئيس!
التالي
«لا ثقة».. مسيرة تجوب بيروت وضواحيها