«العونية» حالة سياسية ثأرية حتى من نفسها؟

التيار الوطني الحر

تصدر بين وقت وآخر عن ممثلي التيار العوني مواقف وسلوكيات تستدعي التساؤل حول ماهية الظاهرة العونية، آخرها تصريحات وتصرفات عنصرية، طائفية ومناطقية، للنائب العوني زياد اسود ومرافقيه، في حق ناشط طرابلسي من الانتفاضة. يتناول هذا النص صفة من صفات الظاهرة العونية، يفترض أنها تلقي الضوء على جانب مهم من الظاهرة ككل.

ويكتسب فهم الظاهرة اهمية قصوى في وقت يسيطر التيار العوني على مواقع مفصلية، سياسية وقضائية وامنية، بدعم مباشر من القوة الاكثر نفوذا في لبنان، اي “حزب الله”.

تناقضات بالجملة

بين 1990 و2020، انقلبت الهوية السياسية للرئيس عون رأساً على عقب، من العداء للنظام السوري وشبه العداء لـ”حزب الله”، الى التحالف الاستراتيجي مع الاثنين.
من الانتماء الى محور الولايات المتحدة، الى الدفاع عن محور ايران.
من المناداة بالعلمانية وبمحاربة الاقطاع، الى التجييش الطائفي، والحكم العائلي، والتحالف الوثيق مع الرأسمال الكبير.
عون 1990 هو ضد عون 2020، ولا مبالغة في هذا القول.
من التبسيط اعتبار الخلافات بين العونيين مجرد خلاف حول سياسة جبران باسيل.
انه خلاف بين عون 1990 وعون 2020.
أتباع عون يختلفون بعضهم مع بعض باسمه، وعلى خلفية من يمثل خطه افضل تمثيل، وهم يتجاهلون انهم يختلفون في الواقع على هويته السياسية، التي تبدلت مع الزمن.
كما لو ان العونيين مجمعون على عدم الاعتراف بأن الرجل يتغير.
العونيون تعلقوا بعون لانه بدا لهم صاحب مبادئ، لكنهم يبررون كل ما يقوم به باسم “البراغماتية”، اي الواقعية، وهي للمفارقة، عكس المبدئية.

براغماتية الزعيم

هل يحق للزعيم ما لا يحق لغيره؟
لكن براغماتية الزعيم بالنسبة للعونيين ليست لاغراض شخصية، بل لمصلحة المسيحيين وقوتهم، ولمصلحة تركيبة البلد ايضا، وهذا ما يعبر عنه باستمرار الخطاب العوني حول حقوق المسيحيين والميثاقية.
كما ان العونيين يستفيدون عمليا من هذه البراغماتية، حيث انهم يتبوؤون معظم المراكز الشاغرة في المؤسسات والمواقع كافة، في عملية إستئثارية من قبلهم، يشتكي منها الجميع.
الخلط بين المبدئية والبراغماتية، بلغ أقصاه في ذكرى ١٣ تشرين، حيث جرت في القداس الصلاة على روح الشهداء الذين سقطوا بسقوط قصر بعبدا بيد السوريين في معركتهم مع العماد عون.
فالشهيد هو من فضل الموت في المعركة والتضحية بحياته، على الانسحاب من المعركة وانقاذ حياته.
في حين ان العماد عون فضل الانسحاب من المعركة وإنقاذ حياته، على الموت خلال المعركة.
التناقض بين السلوكين مبدئي وقاطع، فهل يحق للزعيم ما لا يحق لاتباعه؟

إقرأ أيضاً: «صفقة» لباسيل في آخر أيامه الوزارية مع بري.. و«خارجية حِتّي» تنفي!

لا شك ان اتباع الزعيم، يعتبرون حياتهم اقل اهمية من حياة الزعيم القائد، الذي يجب ان يبقى حيا.
وليس في هذا انتقاصا من شخص الأتباع، فهم يتماثلون مع زعيمهم وما يصيبه يصيبهم.
لذلك هم غير قادرين على التشكيك في زعيمهم، او في انتقاده، لانهم بذلك يشككون في أنفسهم وفي تماسكهم الداخلي الركيك، ويتذكرون ضعفهم، الذي يحاولون ان يتخطوه، من خلال تماثلهم مع زعيمهم القوي الذي لا يمكن ان يخطئ.
هذا التماثل مع الزعيم، قوي إلى درجة ان الكثيرين في لبنان ينصحونك بالا تناقش عونيا.
مع تقديري للمواقف النقدية لبعض العونيين، وخاصة الذين انفصلوا عن حزبهم، وبدون تبني التعميم الذي يروّج له الرأي العام، اذكرهذه التجربة الشخصية مع عوني. فقد سألته عن كيفية التوفيق بين بناء العلمانية في البلد والتحالف الاستراتيجي مع “حزب الله”، ظانا بأني سأحرجه واضعه “في الزاوية” كما يقولون. لكن صاحبنا لم يُحرج البتة، واجابني بسرعة البرق “ان حزب الله يريد الدولة المدنية”.
“حزب الله” الذي يفتخر بأنه حزب ديني، يقول عنه مناصر لحزب حليف، انه يريد دولة مدنية! لم اجرؤ بالطبع على متابعة “النقاش”. من وقتها انا ايضا، المتهم “بطول البال” و”المتخصص” بتدريب الآخرين على الحوار، لم اعد اناقش عونيا.
عدت لاحقا وتنبهت ان شعار “التيار الوطني الحر” هو “الصح”، يعبّر عنه الاعضاء بأصبعين في يدهم المرفوعة. فكيف يمكنك ان تناقش من يعتبر نفسه انه “الصح”؟
لا بد ان هناك شحنة عاطفية قوية تمنع العوني من التشكيك في أطروحات وسياسات زعيمه او مناقشتها.
فبالاضافة الى هذه الحاجة النفسية الى التماثل مع الزعيم القوي بكل تحولاته، اعتقد بأن جذور التيار العوني تفسر بعضا من هذه الشحنة العاطفية.

النشأة العونية

فالعونية نشأت كرد فعل مسيحي على المعاناة في الحرب، التي أُلصقت اسبابها في حينه بميليشيا “القوات اللبنانية” وبتوجيه مركّز من العماد عون، الذي كان على رأس السلطة الشرعية كرئيس للحكومة الموقتة. وقد حمل رد الفعل ضد الحرب والميليشيا، الكثير من الغضب وما يرافقه عادة من تحييد للعقل.
أضف الى ذلك، فورة الغضب اللاحقة عند المسيحيين، التي نتجت من “التحالف الرباعي” (السني، الشيعي، الدرزي) بعد الانسحاب السوري مباشرة، الذي فُسِّر كمحاولة لاقصاء العماد عون والمسيحيين عن السلطة عبر الانتخابات النيابية التى كان يجري الاعداد لها. هذا الاقصاء الذي ذكّر بإقصاء العماد عون عن قصر بعبدا من قبل السوريين.
هذان المثلان اللذان شهدا وثبة مسيحية شعبية للتيار العوني، يجعلانني افترض أن “العونية” حالة سياسية ثأرية تختزن الكثير من الغضب والانفعالات التي من شأنها ان تعرقل او تعطل امكان محاورتها او مناقشة تقلباتها.

حالة ثأرية عشائرية!

وهي ثأرية تشبه الثأرية العشائرية، فهي لا تتوجه بالضرورة نحو الذي ارتكب الجرم، بل يمكن ان تطال اي طرف قد يمت اليه بصلة، ويكون في موقع اضعف من المعتدي بشكل عام. ما يهم في الثأرية العونية ليس وجهتها، بل نزعتها.
لكن “العونية” لا تطمئن بشكل كامل لالتزام أتباعها، وتعي تماما حاجتها الدائمة لتبرير تقلباتها امام جمهورها.
لذلك هي تلجأ دائما الى اعادة احياء ذكرى من مثل 7 آب و13 تشرين، اي عندما كانت “العونية” لا تزال تتبنى خطا سياسيا هو نقيض الخط الحالي.
فنرى جبران باسيل، في ذكرى ١٣ تشرين الاخيرة، وفي خط مواز لاعلانه نيته زيارة سوريا، يذكّر بأنهم “سرقوا منا ١٤ آذار”، ويطالب الرئيس عون بقلب الطاولة اذا استمرت الاحوال على ما هي عليه، “فإنت بترجع تتصرف متل العماد عون، يمكن احسن من الرئيس عون”.
كأني بباسيل يقول، انه كما اصبح الرئيس عون ضد العماد عون، يمكن ان يعود العماد عون وينتفض على الرئيس عون.

وكأن العونية لا تثأر فقط من الاخرين بل من نفسها ايضا اذا اقتضى الامر، من اجل تجديد عصبها.
على الارجح، ان جبران باسيل كشخص، اعطى دفعا اضافيا لهذه النزعة الثأرية. فالرجل صهر الرئيس عون وجاء الى رئاسة حزبه عن طريقه، كما انه رسب في الانتخابات النيابية قبل ان يجري انقاذه بقانون انتخابي جديد.
وهو غير محبوب في حزبه ولا من شعبه بشكل عام.

كل هذه العوامل في مساره السياسي، تجعله ميالا الى الانتقام والثأر في نهجه العام، مما يفسر نبشه للماضي في زياراته مختلف المناطق.
الأخطر في هذه المرحلة، ان تترجم النزعة الثأرية هذه ضد المنتفضين، الذين يواجهون ملاحقات امنية وقضائية متسارعة ومتزايدة، وذات طابع كيدي. فقد سمعنا من جبران باسيل ان الثورة اصبحت وراءنا وحان وقت المحاسبة، وسمعنا من اتباعه ان المزح “خلص”.

كما ان أصداء الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى للدفاع برئاسة عون، رشحت عنها نيات قمعية للانتفاضة.

السابق
بين الإفلاس والدولة فاشلة..تخوف لبناني من سيطرة «حزب الله»!
التالي
الكنيسة المارونية تنتفض ضد الرؤساء الثلاثة.. العمل او الإستقالة!