جونسون يستميل ترامب.. صفقة القرن مقابل معاهدة للتجارة!

بوريس جونسون

التاريخ قد يعيد نفسه أكثر من مرة مع البريطانيين، من وعد بلفور فب لعام 1917 الى اتفقاقية كامب ديفيد في العام 1978 الى صفقة القرن في لاعام 2020. في هذه التواريخ تماشى البريطانيون مع الاميركيين في تحقيق “الوطن القومي” لليهود وفي هذه المحطات كلها قبضت المملكة المتحدة من الولايات المتحدة الثمن.

ويبرز موقع “فورين بوليسي” في مقال كتبه المحاضر المتخصص في الشؤون الدولية في الجامعة العبرية أزريل بيرمانت الدور البريطاني الجديد في صفقة القرن واهداف موافقة بريطانيا عليه.

ويقولالكاتب في مقاله : إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في محاولة منه للتقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فإنه وافق على سياسته في الشرق الأوسط.

ويشير بيرمانت في مقاله، إلى أن جونسون أعرب عن استعداده للمصادقة على “صفقة القرن” التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي؛ وذلك لرغبته في الحصول على معاهدة للتجارة مع واشنطن.

ويلفت الكاتب في البداية إلى شجب مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، يوم 4 شباط، لخطة الرئيس ترامب، قائلا إن عملية ضم مستوطنات في الضفة الغربية “لن تمر دون تحد”، وأكد التزام الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين.

مزايا “لصفقة القرن”

ويستدرك بيرمانت بأن بيانه كان على خلاف ما صدر من الحكومة البريطانية حول الصفقة، ففي حديثه أمام مجلس العموم قال جونسون: “لا توجد خطة سلام تامة”، وأضاف أن خطة ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيها “مزايا”، فيما وصف وزير خارجيته دومينك راب الخطة، قائلا: “من الواضح أنها خطة جادة وتعكس عملا طويلا وجهدا”.

ويعلق الباحث قائلا: “بنظرة فاحصة، فإن خطة ترامب لن تعمل على تعزيز السلام، وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت من أنها ستحول إسرائيل إلى دولة تمييز عنصري، وحتى رئيس الوزراء نفسه، بنيامين نتنياهو، عبر عن مخاوفه في الماضي من تحول دولة إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وهو مصير قد تواجهه في حال منحت الضوء الأخضر لضم وادي الأردن ومستوطناتها كلها في الضفة الغربية، وفي استطلاع أعده معهد الديمقراطية الإسرائيلية وجد أن نصف اليهود الإسرائيليين رأوا في الصفقة تدخلا في الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل، لكن أنصار نتنياهو لم يضيعوا وقتهم للحديث عن دعم جونسون لصفقة ترامب”.

ويعتقد بيرمانت أن “موقف رئيس الوزراء البريطاني لم يكن مفاجئا، أيا كان الضرر الذي سينجم عن دعمه لخطة ترامب، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي أصبح البلد معتمدا على رحمات الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاقية تجارية معها”.

وينوه الكاتب إلى أنه “قبل وصول ترامب إلى منصب الرئاسة كانت صفقة البريكسيت قد تمت، مع أن بريطانيا التزمت بموقف نظيراتها الأوروبية تجاه إسرائيل، فتمسكت بحل الدولتين، وعارضت التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، ودعمت الاتفاقية النووية مع إيران”.

تبدل جونسون

ويفيد بيرمانت بأنه “عندما قرر ترامب الخروج من الاتفاقية النووية في ربيع عام 2018، فإن جونسون، الذي كان وزيرا للخارجية في حينه، انضم إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في محاولة أخيرة لإنقاذ الاتفاقية، وإقناع ترامب للبقاء فيها، رغم رفض إسرائيل لها، إلا أن موقف جونسون تغير هذا العام عندما دعا في كانون الثاني/ يناير إلى استبدال الاتفاقية النووية (بصفقة ترامب)”.

ويجد الباحث أنه “من خلال هذه التصريحات حاول جونسون والفريق معه موازنة عدد من الضرورات، وظل الموقف البريطاني من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مشروطا بحساسية الدول العربية التي توصف بالمعتدلة، وحتى وقت قريب كانت بريطانيا حذرة من علاقات قوية مع إسرائيل خشية إغضاب الرأي العام العربي المعتدل”.

ويؤكد بيرمانت أن “انضمام بريطانيا إلى المفوضية الأوروبية الاقتصادية عام 1973 جاء بعد تراجع مركزها بصفتها إمبراطورية، وفي ذلك العام رفض رئيس الوزراء إدوارد هيث تزويد إسرائيل بدبابات سينتوريون، أو منح حقوق هبوط للطائرات العسكرية الأمريكية في طريقها إلى إسرائيل أثناء حرب عام 1973، وظلت بريطانيا تتجنب الظهور بمظهر الداعم لإسرائيل لئلا تضر بعلاقاتها الاستراتيجية ومصالحها التجارية مع العالم العربي”.

النفط العربي

ويشير الكاتب إلى أن “بريطانيا كانت في ذروة الحرب الباردة تعتمد على النفط العربي، وبعد رفض الرئيس رونالد ريغان شجب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 كتبت مارغريت تاتشر في حينه برقية من واشنطن، تقول فيها: (لا تعرف أمريكا مدى الحنق الذي تتسبب به في الشرق الأوسط)، وخافت تاتشر من بناء الاتحاد السوفييتي وغيره قوة تأثير بسبب دعم أمريكا لإسرائيل وأفعالها”.

ويستدرك بيرمانت بأن “الكثير قد تغير منذ ذلك الوقت، فحقيقة وجود سفراء كل من الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين أثناء حفلة الإعلان عن الصفقة يعبر عن الواقع الجديد، وعبرت السلطة الوطنية الفلسطينية عن خيبة أملها من تردد السعودية وقطر والكويت من انتقاد خطة ترامب، مع أن الجامعة العربية أعلنت عن شجبها للخطة”.

ويرى الباحث أن “بريطانيا لم تعد تخشى من ردة الفعل العربية حول دعمها لإسرائيل والسياسة الأمريكية في المنطقة؛ لأن الدول العربية تتحرك باتجاه الموقف ذاته”.

ويبين بيرمانت أن “الموقف البريطاني من صفقة ترامب يذكر بموقفها من اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها إسرائيل مع مصر في ظل إدارة جيمي كارتر عام 1978، وعارض العالم العربي الاتفاقية باعتبارها خيانة للفلسطينيين، بل إن بعض المسؤولين في الخارجية البريطانية عبروا عن مخاوفهم من تضرر المصالح البريطانية في المنطقة، إلا أن رئيس الوزراء البريطاني في حينه جيمس كالاهان أدى دورا في الاتفاقية، من خلال إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، بتقديم تنازلات للرئيس المصري أنور السادات، ولم ينس كارتر هذه الجهود عندما شكر كالاهان على ما قام به من جهود”.

دعم بريطاني لقصف ليبيا

ويلفت الكاتب إلى أن “حكومة تاتشر دعمت القصف الأمريكي على ليبيا عام 1986، وحاولت تاتشر استخدام الدعم لتقوية موقف بريطانيا في الشرق الأوسط، ودعوة أمريكا لأداء دور أكبر فيه، ورغم أن الدعم لم يترك أثره على النزاع العربي الإسرائيلي، إلا أن الجائزة جاءت من خلال اتفاقية ترحيل المطلوبين وإجراءات أمريكا ضد إرهاب الجيش الجمهوري الإيرلندي”.

وتورد المجلة أن ريغان علق في العام ذاته، قائلا إن “رفض الخطة سيكون إهانة لرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، وهي الزعيمة الأوروبية التي وقفت معنا جنبا إلى جنب أثناء العملية ضد القذافي الإرهابي”.

وينوه بيرمانت إلى أنه “في الفترة الأخيرة قدم توني بلير الدعم للغزو الأمريكي على العراق، ومع أن التاريخ لم يكن لطيفا مع بلير، إلا أن هناك أدلة تشير إلى خارطة الطريق التي أعلن عنها جورج دبليو بوش، جاءت نتاجا لدعم بلير له في حرب العراق”.

ويقول الكاتب: “اليوم أصبحت بريطانيا بحاجة لأمريكا، حيث يناقش دعاة الخروج بأن انسحاب بريطانيا من أوروبا سيعطيها الحرية للحصول على عقود تجارية مع الولايات المتحدة، إلا أن هذا النقاش يتجاهل التنازلات التي يجب على الحكومة البريطانية تقديمها، بما في ذلك موقفها من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.

ويختم بيرمانت مقاله بالقول: “في حالة كالاهان وتاتشر وبلير كانت آراء بريطانيا في قضية الشرق الأوسط لها تأثير على الولايات المتحدة، لكنها اليوم أضعف في أعقاب البريكسيت وتراجع موقفها الدولي، فهي لا تزال مع حل الدولتين، إلا أن دعمها لخطة ترامب يضعف هذا الموقف، وبالتأكيد فإن وقوف بريطانيا عام 2020 إلى جانب ترامب هو تعبير عن ضعفها وليس تعبيرا عن قدرتها على أداء دور بناء على المسرح الدولي”.

السابق
منظومة عراقية من مليشيات إيران تضخ لها الأموال.. مطارات وحقول نفط و4 بنوك!
التالي
بعد الحرق والتكسير.. الطبيعة تفتك بخيم «ساحة العلم»!