5 أولويات مالية – اقتصادية اختبارٌ مبكر.. لحكومة لبنان الجديدة

الحكومة اللبنانية

مع تَرَقُّب اكتمال المسار الدستوري لحكومة الرئيس حسان دياب، عبر حيازة ثقة البرلمان الاسبوع المقبل، حظي البيان الوزاري الذي يتم إقراره اليوم في جلسة مجلس الوزراء في بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، بأهمية استثنائية وغير مسبوقة، اكتسبها بفضل التطورات الدراماتيكية المتلاحقة، التي فرضت إيقاعها الخاص بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية العارمة في 17 أكتوبر من العام الماضي.
وإذ سيشكل البيان العتيد بمضمونه والتزاماته مادة دسمة للتباري، وإعادة تظهير مواقف الكتل النيابية والأطراف السياسية التي تصدّعت مواقعها وصدقية تمثيلها، بعد أقلّ من سنتين من الانتخابات التي أفضت الى انتقال الغالبية الى تحالف تيار رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، يتركز اهتمام الاقتصاديين على استطلاع كيفية مقاربة الحكومة لمجموعة من الملفات الشائكة التي تتسم بصفة «العاجلة»، كونها تحمل الأجوبة الحاسمة على إمكان الحد من سرعة التدهور الذي يضرب بحدة مجمل مكونات الناتج المحلي، ولا سيما هيكلية المالية العامة ومواردها وأنشطة القطاع الخاص، ويُرتِّب تداعيات اجتماعية ومعيشية مؤلمة تضع نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفق تحذيرات البنك الدولي.
ويضع مرجعٌ اقتصادي خطاً عريضاً تحت مجموعة من العناوين الملحّة، التي لم ترِد صريحةً في البيان الوزاري بسبب طابعها الاجرائي السريع، وهي تتوزع بين استحقاقات داهمة وبين مقدمات ضرورية تُظْهِر معالم الخطط والالتزامات التي أوردتها الحكومة في بيانها الوزاري، بوصفه برنامج عمل محكوم بمهل زمنية تراوح بين 100 يوم و3 سنوات.
علماً أن البيان عينه لا يخلو من التباسات وضبابية تعتري مفاصل مهمة وحيوية في بنوده الرئيسية والتفصيلية، ويرتقب أن تخضع للنقد والمساءلة خلال المناقشات النيابية الموعودة في جلسة الثقة.

هموم نقدية  

وتذهب أولى المحطات التي يركّز عليها المرجع الاقتصادي في قراءة خاصة عبر «الراي»، حتماً الى الهموم النقدية اليومية التي ترْبك بشدّة تعاملات المودعين في البنوك من مقيمين وغير مقيمين، وتَنْشر المزيد من عوامل الفوضى في أسعار الاستهلاك، واختلال القدرات الشرائية للمدّخرات والأجور، فيما ترتفع حدّة التدابير المصرفية التي تقنّن السيولة النقدية بالدولار، إلى حدود «مهينة» للعملاء تتيح الاستحصال على ما بين 600 و 2000 دولار شهرياً، وتحْصرها بسقف لا يتجاوز 25 مليون ليرة شهرياً، أي نحو 11.3 ألف دولار وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية، والذي فقدت معه العملة الوطنية فعلياً نصف قيمتها الشرائية حتى الآن.
ويأتي ذلك مع التنويه بارتفاع بعض أسعار السلع المستوردة عشوائياً بين 70 و100 في المئة، ربْطاً بقيود التحويلات إلى الخارج.

إقرأ أيضاً: هل يبتلع «الثقب الأسود» حكومة دياب في لبنان؟
وتتجاوز هذه الأولوية في مندرجاتها وأبعادها الوقائع المتقلّبة السائدة يوماً بيوم، في أسواق الصرف والاستهلاك، فالسؤال الأكثر إلحاحاً الذي يحتاج الى جواب حاسم من الحكومة، هو التقييم الحقيقي للنقد الوطني الذي سيتم اعتماده، والسبيل الأفضل لمعالجة الفجوة المتّسعة بين السعر الرسمي المحدّد عند 1507 ليرات للدولار، والسعر لدى الصيارفة الذي بلغ عتبة 2500 ليرة مطلع السنة الحالية قبل أن ينكفئ الى حدود 2200 ليرة، ثم الفارق بين السعرين، وآلية تسعير المواد الغذائية والاستهلاكية التي تحاكي مستوى 3000 ليرة للدولار، في تسعير بعض المواد المستوردة، نتيجة هواجس التجار من تداعيات القيود المشدّدة على فتح الاعتمادات المستندية وحركة التحويلات الى الموردين.
وفي السياق، يبرز تأكيد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، أنه «منذ بدء القيود المصرفية، لم يعد لدينا تسهيلات ولم تعد لدينا تقريباً أي إمكانية لتحويل المال إلى الخارج، باستثناء الاموال «الطازجة» (Fresh Money)، ما يعني أنه لدى المورّدين في الخارج في ذمتنا 5 مليارات دولار، ولا بد أن نجد طريقة من أجل سداد جزء من الأموال، وكلنا ننتظر ما سيطبَّق من الخيارات النقدية المطروحة وإعادة الهيكلة، وتخفيض سعر الصرف، والاقتطاع من المدّخرات، التي يمكن أن تقلق اللبنانيين، إذ إن السياسة المالية هي مكمن الداء».

سندات دين

وتتعلق ثاني الاستحقاقات الداهمة، بالقرار الصعب الذي ستتخذه وزارة المال بشأن مستحقات سندات الدين العام الدولية لسنة 2020، وتبلغ قيمتها الاجمالية نحو 4.6 مليار دولار، موزَّعة بين استحقاق 3 إصدارات متتالية بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليار دولار، والباقي فوائد متوجّبة لكامل المحفظة وموزَّعة بحسب تواريخ القسائم.
وفي معلومات المرجع الاقتصادي، أن لبنان أمام خياريْن كلاهما مؤلم، وأنه سيتم خلال أيام الكشف عن القرار الصعب بالتعامل مع استحقاق اول شريحة بقيمة 1.2 مليار دولار في 9 مارس المقبل. ومن المرجح تغليب الإيجابية وتكييفها ضمن الإمكانات المتاحة، لأن الامتناع عن التسديد، وهو الخيار الثاني، يعني إعلان «الفشل» المالي للدولة وانهيار كامل منظومة الدين، وفقدان القطاع المصرفي لتوظيفات تربو على 15 مليار دولار في السندات الدولية فقط.
 ويضمن الخيار الايجابي، وفق المرجع نفسه، توجيه رسالة أولية إلى الأسواق الداخلية والخارجية، بأن القرارات المالية للحكومة تتوافق مع المعايير الدولية، وسط توجهات مرتقبة لبرامج تعاون أوسع مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتزام البرنامج الإصلاحي، الذي تقدّمت به الحكومة السابقة الى مؤتمر المانحين في باريس (سيدر) في ربيع 2018.
أما التكييف المتوقع فسيتضمّن، وفق الصيغة التي يجري إعدادها، عرض التسديد النقدي مشفوعاً بعرض اختياري للمبادلة بسندات أقلّ سعراً وأعلى مردوداً وأطول أجلاً.

الأموال الهاربة

ويحوز ملف الأموال «الهاربة» مرتبة متقدّمة بين الاولويات، التي ستحدد مقدار الثقة الشعبية التي ستنالها الحكومة في المرحلة المقبلة، فمقاربة هذه القضية التي تشغل الرأي العام الثائر بدت باهتةً وتفتقر الى عامليْ السرعة والحسم المطلوبيْن.
ومن الأجدى، بحسب المرجع الاقتصادي، وبانتظار إنضاج القوانين والآليات الملائمة والفاعلة، الطلب فوراً من النيابة العامة التمييزية وهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، التنسيق المباشر بهدف ملاحقة وتَتَبُّع التحويلات التي خرجت من لبنان طوال العام الماضي، وخلال هذه الفترة الحرجة، والنظر في معطيات العمليات التي جرت في الأشهر الأخيرة، واحتمال شمولها بأيٍّ من تهم الفساد والإضرار بالوضع المالي والنقدي، ريثما تكتمل المنظومة القانونية وتحديد مرجعية جديدة ذات اختصاص بالجرائم المالية، والتعامل بمرونة كافية مع جدار الحصانة الذي يحجب عملياً مساءلة كبار المسؤولين ومحاكمتهم.

الكهرباء والنفط

أما رابع الملفات الحيوية التي يعددها المرجع الاقتصادي، فتتناول قطاع الكهرباء، بوصفه الحفرة المالية التي ابتلعتْ أكثر من 30 مليار دولار في العقدين الماضيين، ولا تزال الشهية مفتوحة للمزيد، ما لم يتم تحييد الملف عن سطوة السياسيين ومصالحهم، وإدارته بمهنية وبشفافية تامتيْن بالتنسيق مع البنك الدولي، وتشريع الأبواب أمام استثمارات تَشارُكية وغير مُكْلِفة، مع مؤسساتٍ دولية عملاقة على غرار تجربة «سيمنز» في مصر، والتي جُبِهَتْ محلياً بالتمييع والصدّ.
واستتباعاً، يبرز موضوع الثروة الغازية والنفطية، المتوقع أن يتصدّر قريباً جدول الاهتمامات المحلية ويتمدّد حكماً إلى مصالح إقليمية ودولية في ظل استحقاقيْن متتاليين، الأول المباشرة قريباً بحفْر البئر الأولى في المياه اللبنانية، والثاني فتْح دورة التراخيص في رقع بحرية جديدة (بلوكات) خلال شهر أبريل المقبل.
وتتطلع الأنظار والأسئلة إلى إجابات موضوعية وحاسمة، حول الموعد الفعلي لاستكشاف البئر الأولى، ومَا هي الشركات التي ستدخل المنافسة الثانية.
وتكمن أهمية الأجوبة في خلفياتها، فالشروع في الاستكشاف لا يعني التحوّل التلقائي للبنان إلى بلد نفطي، لكنه يفتح كوةَ أملٍ بإمكان وجود احتياطات تجارية تعيد تصويب الجدارة الائتمانية والتصنيف السيادي للبلاد وتنقذه من درجة «التعثر».
أما جنسية الشركات الدولية المُشارِكة في الجولة الثانية، فهي مؤشر بالغ الأهمية إلى موقع لبنان وتموْضعه على خطوط السياسات الدولية.
هي ملفات خمسة من عشرات لا تقلّ أهمية عرتها ثورة 17 أكتوبر، وفرضتْها على أجندة أي حكومة تريد قيادة البلد في هذه الفترة الحرجة، وهي آمال تُسابِق رعب الآتي الأعظم الذي يتشاطر المسؤولون في وصْف آلامه والتبرؤ من حمْل مسؤوليته.
فهل ينجح دياب وفريقه الحكومي حيث فشل الآخرون؟ وهل تكون لديهم أجوبة شافية وتحاكي هموم المواطنين المقيمين والمغتربين ومحبي لبنان من الاشقاء والأصدقاء؟

ملاحقة التحويلات

يمكن الارتكاز إلى مطالعة نادي القضاة، التي ركّزت على ملاحقة أي تحويل أو نقْل أو استبدال أو توظيف أو إخفاء المصْدر الحقيقي للأموال الناتجة عن جرائم الفساد، بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة، والإثراء غير المشروع، والتهرّب الضريبي، كونها تشكل جميعها جرائم تبييض (غسل) الأموال وفق قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم 44 بتاريخ 24 نوفمبر 2015.

السابق
المحكمة الجعفرية.. خطوتان إلى الوراء: مقر العائلة الحاكمة ! (٤)
التالي
واصف الحركة «يُرنح» وائل أبو فاعور بالضربة .. «القضائية» !