هل يبتلع «الثقب الأسود» حكومة دياب في لبنان؟

الحكومة التذكارية لحكومة حسان دياب 21-1-2020

يدأب منذ فترة المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش على التعبير بما قلّ ودلّ عن «المِزاج» الدولي حيال الواقع غير المسبوق الذي يمرّ به لبنان لجهة تَشابُك «الفواجع» المالية – الاقتصادية – المصرفية – النقدية – الاجتماعية وتَقاطُعها مع «انقلاب ناعم» على الصعيد السياسي انتقلتْ معه دفّة الحُكْمِ على كل المستويات الدستورية إلى «حزب الله» وحلفائه فيما «ثورة 17 أكتوبر» تَمْضي في محاولة تحقيق «حلم» تغيير المنظومة البوليتيكو – طائفية – مذهبية – حزبية التي أوصلت «بلاد الأرز» إلى الانهيار الكبير.

 فكوبيتش، الذي لم يتوانَ خصوصاً بين ديسمبر ويناير الماضييْن، عن «توبيخ» المسؤولين اللبنانيين وبلا أي «روتوش» على خلفية التأخير «المثير للدهشة» في تشكيل حكومة جديدة فيما الاقتصاد يتداعى، انبرى وعشية إقرار حكومة الرئيس حسان دياب اليوم بيانَها الوزاري تمهيداً لنيل ثقة البرلمان على أساسه في جلسات تنعقد ابتداءً من الثلاثاء أو الأربعاء المقبليْن، إلى التذكير بـ«دفتر الشروط» الدولي لمساعدة لبنان وهو من بند واحد عنوانه «الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح»، مع تأكيده أن ما يحتاج إليه لبنان على هذا الصعيد والقطاعات المعنية «ليست مسائل بحجم العلوم النووية، فالأمر واضح جداً».

 وحرص المسؤول الأممي على المضيّ في «خطاب الصدمة» بتشديده على أن «من المعيب مثلاً أن يبقى وضع الكهرباء على ما هو»، معلناً «بعد نيل الحكومة الثقة، نحن وأصدقاء لبنان الآخَرين لن نقوم فقط بالمراقبة بل سنشجّع على القيام بالإصلاحات، وعندها سنحاول المساعدة، ولكن يجب أن يبدأ الأمر بعمل الحكومة وبمجموعة من الإصلاحات الصحيحة، وإذا لم يحصل ذلك، فأنا آسف… إذا لم تساعِدوا أنفسكم لماذا تتوقعون المساعَدة من الخارج»؟
وجاء هذا الكلام على وقع إشاراتٍ أوحتْ بأن الحكومةَ، التي تهتزّ الأرض أصلاً تحت أقدامها بفعل استمرار الانتفاضة وتلويح الثوار باستعادة المبادرة في الشارع مواكبةً لجلسات الثقة في محاولةٍ لمنع وصول النواب أو خروجهم، لا تقف هي نفسها على «أرض صلبة» في ما خصّ قدرتها على مواجهة تحديات المرحلة المقبلة وقيادة ما يفترض أنه «مسيرة الإنقاذ» يداً واحدة، في ظلّ ملامح كباشٍ مبكّر يشي بأكثر من «تَعارُك» يقترب بين ركاب «السفينة التي تغرق» على ملفاتٍ – مفاتيح، مع ما يشكّله ذلك من رسائل بالغة السلبية إلى المجتمع الدولي الذي يراقب «الشاردة والواردة» في ما خص، ليس فقط الإصلاحات وآلياتها، بل أيضاً النهج والأداء اللذان يُعتبران المعيار الرئيسي لمدى «الفصل» عن المرحلة السابقة بكل «كوابيسها».
وفي هذا الإطار توقّفتْ أوساط مطلعة عند مسألتيْن:
* الأولى ملامح عودة ملف الكهرباء، الذي يشكّل «الثقب الأسود» في كل الموازنات ونقطة الاستنزاف الأقوى لمواردها بهدف تغطية العجز الهائل، إلى دائرة التجاذبات، في حين أن إصلاح هذا القطاع يُعتبر بالنسبة إلى الخارج (في الشق المتعلق بتعيين الهيئة الناظمة واعتماد خطة سريعة لحلول مستدامة) المؤشر الرئيسي لانطلاق قطار الإصلاحات الشَرْطية لرمي «طوق النجاة» المالي للبنان، سواء عبر صندوق وبنك النقد الدوليين أو أي قنوات أخرى ثنائية أو جَماعية.
وفي هذا السياق، وبعدما جرى التداول بأن الجلسة الأخيرة للجنة الوزارية لصوغ البيان الوزاري شهدتْ تجاذباً حول «‏الكهرباء» بعدما حاول فريق «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) استنساخَ الخطة عيْنها التي سبق أن طرَحها وزيراه في الحكومتين ‏السابقتين ولم يتم تنفيذهما، وأن التباين بين وزيريْ المال غازي وزني (من حصة رئيس البرلمان نبيه بري) والطاقة ريمون غجر (من حصة التيار) بهذا الخصوص أحيل على جلسة اليوم لبتّه، بَرَزَ دخول بري مباشرة على هذا الملف بإبدائه في «لقاء الأربعاء» النيابي الاستغراب «لما نُسب في البيان الوزاري لجهة مقاربة موضوع الكهرباء كما كان في السابق»، سائلاً «لماذا لا تتم معالجة هذا الملف في لبنان على غرار معالجته في مدينة زحلة»؟

إقرأ أيضاً: «دقيقة صمت» على الدولة ؟

وإذا كان كلام بري يعكس أن ثمة «جمْراً سيخرج من تحت الرماد»، وهو موروث مما شهدتْه الحكومات السابقة من تباينات حيال كيفية اجتراح حل لأزمة الكهرباء، فإن هذا الملف يُنتظر أن يشكّل أيضاً أحد «أبواب الاعتراض» التي سيلجها أطرافٌ سياسيون بقوا خارج الحكومة (تيار الرئيس سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وحزب الكتائب) ولكل منهم ملاحظات تتفاوت مستوياتها على هذا العنوان، وذلك خلال جلسات الثقة التي سيحجبها هؤلاء عن الحكومة التي يبذل رعاتُها جهوداً كي لا تخرج بثقة هزيلة من شأنها أن تزيد من متاعبها.
* والمسألة الثانية إشاراتُ تَبادُلِ كرة المسؤولية عن المسار الذي يُعمل عليه لـ «تنظيم» الإجراءات ذات الصلة بالقيود التي تطبّقها المصارف على السحوبات النقدية بالدولار خصوصاً والتحويلات إلى الخارج، وهي الإجراءات التي تَحَوّلت «عقاباً جَماعياً» لكل المودعين (عددهم نحو مليونين و900 ألف) لأنها تطول حتى الحسابات الجارية، علماً أن في لبنان نحو مليون و750 الف حساب تقلّ أرقامها عن 3500 دولار للحساب الواحد.
وبعدما جرى التداول بنسخة عن تعميمٍ من المصرف المركزي يُرتقب صدوره استناداً إلى صلاحيات استثنائية سيطلب الحصول عليها بموجب قانون من البرلمان ويقوم بموجبها بتوحيد القيود التي تعتمدها المصارف وضمان بشكل عادل وعلى قدم المساواة بين المودعين والعملاء، نُقل عن مصادر مصرفية استبعادها (عبر «وكالة الأنباء المركزية») أن يكون «المركزي» في صدد طلب صلاحيات استثنائية في هذا الإطار، معتبرة أن «ما هو متداول في الوقت الحاضر، دعوة الحكومة ومجلس النواب إلى تحمّل مسؤوليتهما الدستورية بإصدار قانون يعمد الحاكم في ضوئه، وفق صلاحياته، إلى وضع مضمون القانون في صيغة تعميم تنفيذي».

وعكَس هذا الأمر استشعار المصارف و«المركزي» بمحاولة من السلطة للتنصل من المسؤولية عن الإجراءات التقنينة وتفادي قوْننتها بل رميها في ملعب مصرف لبنان والقطاع المصرفي عبر قوْننة «الصلاحيات الاستثنائية»، فيما كان لافتاً كلام بري عن «ان أصحاب خمسة مصارف حوّلوا أموالهم الشخصية الى الخارج وتقدر بمليارين و300 مليون دولار».

السابق
في النجف.. انصار مقتدى الصدر يهاجمون المتظاهرين وسقوط 7 قتلى!
التالي
المحكمة الجعفرية.. خطوتان إلى الوراء: مقر العائلة الحاكمة ! (٤)