الحكومة الجديدة والثورة اللبنانية

حكومة حسان دياب

باستثناء “حزب الله”، عبر حمد علي حسن الذي سمّاه لوزارة الصحة و”حركة أمل”، عبر عباس مرتضى الذي سماه لوزارتي الثقافة والزراعة، فإن غالبية وزراء الحكومة اللبنانية التي تشكلت في اليوم المئة لاندلاع الثورة ليست في القائمة السياسية للقوى المشاركة فيها.

ومن الواضح، من قراءة السير الذاتية لغالبية الوزراء، أن جميع التيارات السياسية التي تعمل تحت راية “حزب الله” في لبنان، وهي القوى التي تآلفت لتشكيل الحكومة، في محاولة منها لامتصاص ثورة الشارع اللبناني، قدّمت أفضل الوجوه التي ترتاح إليها.

ويمكن أن تُدرج الثورة اللبنانية ما حصل على هذا المستوى، في قائمة “إنجازاتها التجريبية”، لأنه، من حيث المبدأ، دفعت القوى السياسية المتمسكة بدورها وبمواقعها وبحصصها، إلى “ضبضة” الرعيل الحزبي الذي كانت تتم مكافأته بالحقائب الوزارية، لتعطي، في المقابل، دورا لرعيل جديد من أصحاب السير الذاتية الغنية بالشهادات العلمية والخبرات العملية.

“سياسة حزب الله الخارجية” هي “بيت الداء” في علاقات لبنان مع الخارج

و”الإنجازات التجريبية” ليست تفصيلا في مسار ثورة طموح تواجه نظاما شرسا له امتدادات إقليمية دموية، لأن هكذا “إنجازات” يمكن اعتبارها دليلا على أن الحاكم خائف والشعب مخيف، وتاليا، فإن الثوار يستمدون قوة من ذلك ليواصلوا مسيرتهم حتى تحقق أهدافها كاملة.

ولا يأتي هذا “الإنجاز التجريبي” المتمثل بـ”القيمة الدفترية” الجيّدة لغالبية الوزراء، يتيما، بل يفترض أن يُضاف إلى “إنجازات تجريبية “أخرى، إذ أن خروج مكوّنات مهمة من الحكومة، مثل “المستقبل” و”القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، من شأنه، في المرحلة الجديدة، أن يضعف دفاعات السلطة في مقابل مضاعفة جاذبية الشارع.

ولكن “الإنجازات التجريبية” لها وجه خطر للغاية، لأن السلطة تهدف من ورائها أن تعطي الشارع، بعد تصعيد العنف ضده ـ وهذا ما ظهر في لبنان، عشية تشكيل الحكومة، باللجوء إلى استهداف الوجوه بالرصاص المطاطي ـ انطباعا بأنها ستتولى بنفسها تحقيق أهدافه، ممّا يعيد الجميع إلى المنازل، قبل أن تعود السلطة إلى ما كانت عليه في سعيها إلى تأمين مصالحها ومصالح المنتمين إليها، على حساب الصالح العام.

وسبق للسلطة أن فضحت وجهها هذا من خلال أولى “الإنجازات التجريبية”، مع بداية انطلاق الثورة، إذ دعا الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الثوار إلى إنهاء “الحراك”، عندما أقرت حكومة سعد الحريري، قبل أن تستقيل، ما سمي بالورقة الإصلاحية التي اعتبرت، في حينه، أنها تلبي طلبات جميع من افترش الشوارع.

وبالنسبة لكثيرين لا تختلف هذه الحكومة، في هدفها، عن تلك “الورقة الإصلاحية”، فهي تقدّم عناوين “إرضائية” إنقاذا للمنظومة الحاكمة من “بطش الناس”.

ومن يدقق بظروف ولادة هذه الحكومة يرى أن “حزب الله” الذي كان قد رفع لواء إحباط الثورة، قد لعب دورا حاسما فيها، فهو جمّع فريقه وأعطى أمر تسمية الدكتور حسّان دياب الذي أحاط نفسه بمقربين من الحزب، وهو أسقط، بعد خطاب مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الأخير الذي دعا إلى إخراج “عملاء أميركا” من حكومة لبنان، الحواجز التي كانت تمنع تشكيلها.

اقرأ أيضاً: بيان عن ثوّار طرابلس حول الحكومة.. هذا ما جاء فيه

الثقة المفترض أن تحصدها الحكومة الجديدة شعبيا قد سقطت بمجرد ولادتها

وهذا يعني أن محاولة استيعاب الثورة تمهيدا لإطفائها لا تزال مستمرة وأن الحكومة الجديدة خطوة جديدة في هذا المسار.

ويمكن اعتبار أن هذه المحاولة تواجه صعوبة بدورها، فالشارع كان قد تحرّك بفاعلية، بعيد تشكيل الحكومة، لرفضها، على اعتبار أنها من نتاج طبقة حاكمة لا تزال مصرّة على المحاصصة.

والتدقيق بردود فعل الثوار ومؤيديهم يظهر بوضوح سقوط هذه المحاولة، فالسير الذاتية للوزراء لم تمنع التدقيق فيمن سمّوهم، والأدوار التي أدّوها لمصحلتهم في أوقات سابقة، وعلى هذا الأساس أطلق هؤلاء على الحكومة الجديدة وصف “حكومة الأقنعة”، أي أن القوى السياسية التي شكلت هذه الحكومة أخفت وجوهها بوجوه هؤلاء الوزراء.

وهذا يعني أن الثقة المفترض أن تحصدها الحكومة الجديدة شعبيا قد سقطت بمجرد ولادتها.

وبالعودة إلى الحكومة التي طالبت بها “مجموعة الدعم الدولية للبنان”، يتضح أن هناك ثلاثة شروط للمساعدة، أولها أن “تستجيب للتطلعات التي يعبّر عنها اللبنانيون” وثانيهما أن “تملك الفاعلية لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة” في إطار مؤتمر “سيدر” الباريسي، وثالثها أن “تكون قادرة على اتخاذ إجراءات عملية لإبعاد لبنان عن صراعات الإقليم”.

ويبدو واضحا من الرد الفعل الشعبي أن الحكومة سقطت في الامتحان الأول، مع رفض الثوار لها ووصفها بـ”حكومة الأقنعة”، وإذا كان الشرط الثاني متروكا لمعرفة “القيمة الفعلية” للوزراء الذين يتمتعون بـ”قيمة دفترية”، فإن الشرط الثالث المتصل بالنأي بالنفس، يبدو، بكل المعايير، أنه ساقط هو الآخر، على اعتبار أن “الثنائي الشيعي” لم يسم عبثا وزيرين لهما بعد سياسي، بل يهدف من ورائهما إلى الإمساك بالتوجه السياسي في الحكومة لمصلحة “حزب الله” الذي لن يتراجع عن لعب أدوار عسكرية وأمنية في كل من سوريا والعراق واليمن وحيث يشاء “فيلق القدس” الذي قتل الجيش الأميركي قائده “الأسطوري” قاسم سليماني في العراق.

وإذا كان الاستقبال العربي والدولي للحكومة الجديدة قد جاء صامتاـ أقلّه حتى كتابة المقال ـ فإن الاستقبال الإعلامي العربي والدولي، ولا سيما الأميركي منه، قد جاء سلبيا، إذ اعتبرت هذه الحكومة بأنها من نتاج “حزب الله”.

بطبيعة الحال، تتطلع الحكومة إلى أن تطبّع علاقات لبنان بالعالمين العربي والغربي، من خلال اعتماد لغة دبلوماسية جديدة، وهنا يمكن فهم أسباب اختيار السفير ناصيف حتّي وزيرا للخارجية، وهو يتمتع بعلاقات أوروبية معقولة، من خلال عمله سفيرا للجامعة العربية في باريس على مدى 13 عاما قبل أن ينتقل ممثلا لها لأكثر من 3 سنوات في روما، وبعلاقات مصرية ممتازة تعينه على تمتين علاقاته الخليجية.

وإذا كان حتّي، الذي لم يكن يوما في “التيار الوطني الحر” ولم يعرف عنه يوما قربه من رئيسه جبران باسيل، قادرا أن يوفّر مواعيد مهمة لرئيس الحكومة في الدول العربية وبعض دول الخليج، فإن مشكلته الكبرى ستكمن في سيطرة “حزب الله” الفعلية ليس على السياسة الاستراتيجية للحكومة فحسب بل على السياسة الميدانية الخارجية أيضاً.

لا تبقى أي وظيفة فعلية لهذه الحكومة سوى ذر الرماد في عيون… الثوار

و”سياسة حزب الله الخارجية” التي تتفوّق على القدرات الدبلوماسية اللفظية والكتابية لحتّي، هي “بيت الداء” في علاقات لبنان مع الخارج ولا سيما مع دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف ستترجم الحكومة الجديدة وعد “النأي بالنفس” في ظل قرار” صانعها الأول” المشاركة في حرب إخراج “الولايات المتحدة الأميركية” عسكريا من الشرق الأوسط، وفق التوجهات الإيرانية؟

وعليه، فإن الحكومة الجديدة التي تتفق مع جميع العارفين بأن لا إنقاذ اقتصاديا للبنان إلا من خلال توفير شرطين متلازمين، وهما توفير الدعم الداخلي والخارجي، يبدو أن قدراتها وفاعليتها تواجه خطر الموت في المهد.

أمام هذه المعطيات الواقعية، لا تبقى أي وظيفة فعلية لهذه الحكومة سوى ذر الرماد في عيون… الثوار.

السابق
وزيرة محسوبة على الإنتفاضة.. ومقرّبة من السيد!
التالي
«أمل» ترد على وهّاب.. ماذا عن المال الليبي؟