أنها حكومة «حزب الله»: ماذا لو لم ترفضها واشنطن؟

الحكومة اللبنانية برئاسة دياب

لم يعد هناك أي شكّ في أن ولادة حكومة الرئيس حسان دياب تمت بفضل “حزب الله” .ويقول أحد المحللين المقربين للحزب ، ان الساعات التي سبقت هذه الولادة ، تميزت ب”قرع لجرس الانذار” ، هدد به الحزب حلفاءه الذين إشتبكوا على حصصهم فخيّرهم بين ان تولد الحكومة الان وبين ان لا تولد أبدا.فكان ان فعل جرس الحزب فعله.

لا يرى المراقبون غضاضة في ان يجاهر الرئيس دياب بشكر الحزب عما حققه الاخير  كي تبصر الحكومة العشرينينة النور ، على غرار ما جاهر به وزير المال غازي وزني شاكرا رئيس مجلس النواب نبيه بري ، وكما جاهر وزير الاشغال ميشال نجّار شاكرا “سليمان بك فرنجية” وغيرهما من وزراء ينتمون الى تحالف “التيار الوطني الحر” وقوى 8 آذار بقيادة “حزب الله”.

إقرأ أيضاً: حزب الله «يغزو» في الربع الساعة الأخير ويُعطّل «ثلث باسيل»!

هذا في الشكل الذي يحدد واقع حكومة “اللون الواحد” كما صار معروفا.لكن ماذا عن المضمون الذي يجيب على السؤال:كيف يمكن لحكومة كهذه ان تعالج أزمات لبنان التي تكاد تجهز عليه؟

في تقدير اوساط سياسية ،ان كل المعطيات تشير الى ان سقوط الحكومة الجديدة لن يتأخر طويلا.فلمجرد ان تكون هذه الحكومة ،مرتبطة الى هذا الحد بنفوذ حزب صنّفته الولايات المتحدة الاميركية “إرهابيا” بجناحيّه السياسي والعسكري على حد سواء،وحذت حذوها دول عدة ، معنى هذا ان ابواب المساعدات مقفلة بوجه لبنان. ما بدأ يتردد في الساعات الماضية عن إحتمال وصول مساعادت مالية من دول خليجية معيّنة مثل قطر لدعم الحكومة الجديدة ، ترى فيه هذه الاوساط تمنيات وليس حقائق. فبلد مثل قطر، عندما سيقدم على خطوة دعم لحكومة موصوفة بأنها حكومة “حزب الله” لا بد ان ينال موافقة واشنطن المسبقة على ما يعتزم الاقدام عليه.

إذا كانت حكومة “اللون الواحد” تتجه الى هذا المصير البائس، فلماذا أقدم أصحابها على قيامها؟

في معلومات ل”النهار” من مصادر ديبلوماسية ان هناك مهمة تقع على عاتق الحكومة الجديدة إنجازها ، كي تحظى ب”جواز مرور ” أميركي الى عالم المساعدات من المنطقة والعالم.وقوام هذه المهمة خطوتان معروفتان وخطوة غير معروفة. الخطوتان المعروفتان هما:الحفاظ على المؤسستيّن الامنية (الجيش وقوى الامن الداخلي) والنقدية (حاكم مصرف لبنان).أما الخطوة غير المعروفة ،فهي إنجاز إتفاق مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية ما ينهي ذرائع “حزب الله” ليبقى  على سلاحه على الحدود الجنوبية.فهل هناك ما يحاك في الخفاء بموافقة “حزب الله” للوصول الى مثل هذا الاتفاق؟

الى جانب إهتمام الولايات المتحدة الدائم بأمن إسرائيل ، تعيد المصادر الى الاذهان السعي الاميركي المتواصل الى إنجاز تسوية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل .ولم تتأخر واشنطن منذ سنوات في تقديم مقترحات حول هذا الترسيم.لكن هذا الجهد لم يصل الى أية نتيجة.وفي الزيارة الوحيدة التي قام بها الديبلوماسي ديفيد شنكر للبنان قبل شهور بعد تعيينه مساعدا لوزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى ، قال ان بلاده ستكون حاضرة لتكون وسيطة في حال طلب منها لبنان وإسرائيل ذلك في شأن ملف ترسيم الحدود البحرية بينهما.

عندما يجلس المفاوضان اللبناني والاسرائيلي يوما ما الى طاولة الامم المتحدة في الناقورة برعاية اميركية ، فستكون عندئذ بداية مرحلة جديدة ستترك آثارها ليس على حكومة مهددة بالانهيار لحظة ولادتها ، بل على “حزب الله” الذي يمرّ اليوم بأدق مرحلة منذ تأسيسه في بداية الثمانينات من القرن الماضي.بالنسبة للحكومة ، فهي ستحظى بشحنة دعم تشبه الانعاش الكهربائي لقلب توقف عن النبض.أما بالنسبة للحزب ،فهو سيمضي في مسار يضع وراءه كل الشعارات التي طبعت مرحلة كان فيها الجنرال الراحل قاسم سليماني حاضرا دوما في لبنان لكي يدير الفصيل اللبناني في “فيلق القدس” على إيقاع حسابات المرشد الايراني .

هل صار “حزب الله” جاهزا لمثل هذا التطور؟ في إنتظار حدوث هذا التطور ، كان لافتا الجهد الاستثنائي الذي بذله الحزب كي يزيل العقبات التي إعترضت ولادة الحكومة.ولا مكان هنا لتبريرات من نوع الاعمال الخيرية.وهنا ،لا تفصل نيابية بارزة هذا الجهد عن قرار إيراني على أعلى المستويات بضبط الاوضاع في مناطق سيطرة الجمهورية الاسلامية.فبعد إخماد نظام المرشد الاحتجاجات في إيران ، ها هو يشرع في لبنان ينزع ما يعتبره فتيل التوتر الناجم عن عدم وجود حكومة تملأ فراغ حكومة الرئيس سعد الحريري.على ان يكون نموذج الحكومة في لبنان صالحا ليحتذى في العراق الذي يمرّ بأحوال مماثلة في هذا البلد.لكن هذا القرار الايراني بالامساك بزمام الامور نافع لإجل محدود.ففي لبنان ، لم تتأخر ردود فعل ساحات 17 تشرين الاول على النتائج المخيبة للامال في الحكومة الجديدة.وقد بدأ لحظة تشكيل الحكومة سباق مع الوقت لكي تبرهن الحكومة انها حكومة لبنان، كما قال رئيسها ، وليس حكومة “حزب الله” كما هي فعلا.

في كلمته المكتوبة التي تلاها بعد إعلان مراسيم قيام الحكومة ، قال دياب :”…      لدينا الثروات الوطنية، براً وبحراً، والتي لن نسمح بالتفريط فيها أو الاعتداء عليها، وسنحميها وندافع عن حقنا فيها بكل الوسائل.”

كما قال ردا على سؤال هل سيكرس البيان الوزاري المعادلة الذهبية التي يتمسك بها لبنان: الجيش والشعب والمقاومة؟ فاجاب: “هذا سيكون قيد البحث في اللجنة التي ستعين لتعالج البيان الوزاري، في اول جلسة غدا(الاربعاء).”

في هاتيّن الفقرتيّن سيتبيّن ما إذا كانت واشنطن ستغض النظر عن تسجيل موقف ضد الحكومة الجديدة ما يعني الموافقة على ان تأخذ الاخيرة فترة سماح ربما تستمر أشهرا قبل ان تنطلق مرحلة يعلو فيها الصوت تنديدا بحكومة “حزب الله” أو ترحيبا ب”حكومة لبنان”؟

السابق
اليكم أسرار الصحف الصادرة اليوم 23 كانون الثاني 2020
التالي
«حراك بعلبك» ينفي زيارته وزير الصحة: «الثورة مستمر»