العلامة الأمين: القراءة المعرفية لآيات القرآن تُسقط «وهم التناقض»

أعاد العلامة السيد محمد حسن الأمين قطع الشك باليقين حول ما يثار جهلاً عن وجود التناقض في آيات القرآن الكريم الذي وصفه ب "وهم التناقض". وإذ لفت إلى ان "القرآن يفسر بعضه بعضاً"، لفت إلى أن أن القراءة الجدية والحصيفة والمعرفية لآياته تُسقط "وهم التناقض".

تهمة الوقوع في التناقض

رأى السيد الأمين أنه “ليس في التراث العربي الإسلامي الديني والفكري والأدبي الرفيع ما يعزو للقرآن الكريم تهمة الوقوع في التناقض بين موقف وموقف أو آية وآية، ذلك أن هؤلاء القرّاء الكبار للنص القرآني كانوا يملكون من العلم والمعرفة والعراقة في فهم اللغة العربية ما يجعلهم قادرين على عدم الوقوع في هذا الوهم، الذي هو في الغالب سمة من سمات القُرّاء الضعفاء، وسمة من سمات هجوم بعض المستشرقين على القرآن الكريم، وهم ليسوا كل المستشرقين بل بعضهم الذين كانت مهمتهم في دراسة القرآن الكريم أن يشككوا أو أن يجحدوا كونه وحياً إلهياً، فحين يقرأون آيات تبدو في ظاهرها اللغوي السطحي أن بعضها يناقض بعضها الآخر فيحكمون أن القرآن ليس وحياً وأنه صناعة بشرية، ولذلك وجدت فيه هذه التناقضات المزعومة، وإذا أردنا أن نستعرض هذه المسألة في مثل هذه الدراسات التي أشرنا إليها، لوجدنا أمثلة كثيرة على ما سميته (بوهم التناقض)”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الإسلام لا يمنع طموحات قومية ضمن دائرته الكبرى

المستضعفين

وأوضح أنه في هذه القراءة المختصرة لهذه الظاهرة، أوردُ مثالاً عليها يتعلّق بموضوع «المستضعفين».

 ولفت إلى أن “القارئ السطحي للنص القرآني سيحسب أنه اكتشف مثالاً على التناقض، فتارة يعد القرآن المستضعفين بأنهم سيكونون الأئمة والوارثين في هذه الأرض، وطوراً يهدد هؤلاء المستضعفين ويجعل مصيرهم في الآخرة وجهنم وبئس المصير!”. 

وأضاف “؛ وأودّ أن ألفت النظر إلى القاعدة أو الحقيقة المعروفة لدى المفسرين الكبار، والتي تشير إلى أن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، وهي من أهم الحقائق الأدبية التي يتميّز بها هذا النص العظيم، وفي الآيتين اللتين ذكرناهما لا نجد ضرورة للبحث عن آية ثالثة تضمن تفسيراً لهذا التناقض الظاهري، ويمكننا بالحصافة والتأمّل أن ندرك وهم التناقض، لا التناقض، لأنّ القرآن الذي يعدُ المستضعفين بوراثة الأرض إنما يعدُهم بذلك لا بوصفهم مستضعفين فحسب، وبصورة مجانية يستحقون الخلافة على الأرض، بل لا بد أن يكون هذا الاستحقاق ثمرة لجهاد المستضعفين وسعيهم إلى تغيير معادلة الاستضعاف التي وقعوا فيها، وإذ ذاك يستحقون أن يكونوا أئمة وقادة مُستخلَفين على الأرض”.

وتابع”: أمّا في الآية التي تصور مصير المستضعفين البائس في الآخرة فهي واضحة في أن المستضعفين الذين استحقوا هذا المصير البائس قد استحقوه بوصفهم مستضعفين سلبيين إذا صحّ التعبير، أي راضخين لمعادلة الاستضعاف، ويشير إلى هذا المعنى، أي أن الله سبحانه وتعالى يريد من المستضعفين أن يقوموا بواجبهم في مواجهة معادلة الاستضعاف، لا أن يستسلموا له استسلاماً كاملاً، لأن الاستسلام في هذه الحالة هو تثبيت لمعادلة الاستضعاف وتأبيد لها على الأرض، وهذا لا يستدعي المكافأة بل يستدعي العقوبة في الآخرة”.

الرؤية القرآنية

وأكد العلامة الأمين “هذا الأمر واضح لدى المتلقي الحصيف للرؤية القرآنية، ومع ذلك فإن القرآن لم يكتفِ بذلك بل ورد في آية أخرى. وهذه الآية كافية في إلقاء الضوء على المعنى الحقيقي لكل من الآيتين، وكاشفة عن عدم وجود التناقض بينهما، ومؤكّدة على ما هو أبعد من ذلك، أي على أن الاستضعاف ليس قدراً محتوماً في دائرة العلاقات البشرية، وأكثر من ذلك على أن الاستضعاف هو ثمرة معادلة ذات طرفين أحدهما المستضعِف، والثاني: المستضعَف، فإذا هاجر المستضعَف ضيّع على المستضعِف فرصة ممارسة الاستضعاف فإن معادلة الاستضعاف عند ذلك سوف تسقط”.

مواجهة الطغاة

وأعطى “المثال التاريخي الأبرز على هذه الرؤية هو هجرة الرسول من مكّة، حيث كان في دائرة المستضعفين هو وأصحابه القلة، أمام مستكبري مكّة وطغاتها”.

القارئ السطحي للنص القرآني سيحسب أنه اكتشف مثالاً على التناقض، فتارة يعد القرآن المستضعفين بأنهم سيكونون الأئمة والوارثين في هذه الأرض، وطوراً يهدد هؤلاء المستضعفين ويجعل مصيرهم في الآخرة وجهنم وبئس المصير

وأضاف “لم تكن هذه الهجرة هروباً من قدر المواجهة، ولكنها كانت الخطوة الصحيحة والأكثر فاعلية في تحقيق موقع يمكّن المسلمين القلة من مواجهة الطغاة، ومن ثم الانتصار عليهم، أمثال هؤلاء المستضعفين الذين هاجروا ليعودوا أقوياء ويفتحوا مكّة، هم الموعودون بجائزة الاستخلاف على الأرض، واستحقاق منصب الأئمة ومصير الوارثين”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لتحرير الإجتماع الإسلامي من السلطة

و خلص انه ” أخيراً فإننا أردنا من خلال هذا المثال الذي حاولنا شرح ما سميته بوهم التناقض في آيات القرآن الكريم أن نلفت النظر إلى أن كل قراءة سطحية ضعيفة سوف تقع في وهم هذا التناقض، وكل قراءة جدية وحصيفة ومعرفية لن تسقط على الإطلاق في هذا الوهم. والرد على بعض المستشرقين في هذا المجال سهل شرط أن نملك الأدوات المعرفية بالمستوى الذي تستحقه قراءة هذا النص العظيم والخالد الذي هو القرآن الكريم”.

(من كتاب “أمالي الأمين” للشيخ محمد علي الحاج العاملي)

السابق
الثوار يقطعون اوصال المناطق.. إليكم الطرقات المقطوعة!
التالي
احتدام المواجهات وسط بيروت.. واستقدام تعزيزات أمنية اضافية!