حارث سليمان: لا حل إلا بإسقاط أحزاب السلطة.. وأميركا تُخضع إيران

حارث سليمان
أجرت الإعلامية إيلين زغيب عيسى حواراً مطوّلاً مع الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حارث سليمان، في حلقة من حلقات برنامج "مانشيت المساء"، على أثير إذاعة "صوت لبنان". و تناول هذا الحوار، وعبر محاور عدة، قضايا مختلفة: سياسية، واقتصادية ومالية متعلقة بالوضعين اللبناني والعراقي، وخصوصاً بعد عملية اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار.

ولادة الحكومة

  • الحكومة التي كُلِّف بتشكيلها الدكتور حسان دياب، هل ترى أن ولادتها ستكون سريعة، أم أنها ستتأخّر في ضوء التطوّرات الإقليمية؟

– بالنسبة للحكومة، الحقيقة أنه حصل تغيُّر أساسي ورئيسي؛ بين إطلاق النية لتشكيل الحكومة وبين الوصول إلى هذا اليوم. فالحقيقة، إن الحكومة التي تمّ تكليف الدكتور دياب بتشكيلها، هي حكومة أتت نتيجة حاجة استجدت نتيجة الانتفاضة: إما تلبية، وإما معالجة، وإما التفافا على الانتفاضة أو الثورة التي قامت في لبنان. بمعنى أنها كانت يمكن أن تشكّل نوعاً من المناورة أو الاستجابة بحسب ما أذا أردنا أن نكون سيِّئي النية أو حسنيّ النية، إما مناورة وإما استجابة لما أحدثته الانتفاضة من تداعيات. فاليوم استقال الرئيس الحريري، وجرت مناورات سياسية متبادلة وجرى قذف كرات سياسية متبادلة، فظهر أنه في القلب من هذا المشهد، مواجهة لبنانية – إقليمية كبرى. وأن جزءاً من عدم الوصول إلى تسوية مع الرئيس سعد الحريري، لإنتاج حكومة برئاسته، كان بسبب جَوّ المواجهة هذا. وجوّ المواجهة هذا، تمظهر في جَوّ مواجهة في لبنان، وفي العراق، وفي الإقليم كله، كما تسرب من الإتصالات الدولية ومع السفراء…

اقرأ أيضاً: عندما «يتلاعب» بري على حبال الإنتفاضة والحكومة والدستور!

عودة الحريري

•    س : د. سليمان، لكن حزب الله، بداية كان يريد بشدة عودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة؟

– نعم لكن حزب الله ليس الطرف الوحيد في هذا الشأن، فثمة وجود لقوى أخرى كانت مقررة المواجهة.
•    لكن حزب الله كان يريد أن يبقى سعد الحريري رئيساً للحكومة؟
– نعم هو كان يريد ذلك، لكن بشروط حزب الله، يعني ان حزب الله لم يكن واضعاً “فيتو” على الرئيس سعد الحريري، ولكن كان يريد إجراء تسوية مع سعد الحريري، لكن بشروط محددة، تُكَبِّل سعد الحريري.

الطبقة السياسية الموجودة في العراق، رموزها هم أولاد أو ثمرة الزواج الأميركي – الإيراني

أما الجوّ الآخر المعارض، في مقابل حزب الله وإيران، كان يعتبر أن “لا تسوية”، أي إما أن يقبل الحريري بحكومة ضمن المواصفات المعلنة، أو أنه لا ضرورة للتسوية، ومن ثم فإن هذا الخط الذي كان يقول أنه: “لا ضرورة للتسوية” تبين أنه خط تصاعدي، أي أنه هو خط تصاعدي موجود في لبنان، وموجود في العراق، ثم انفجر باغتيال قاسم سليماني والمهندس في العراق. وبالتالي، فنحن اليوم أمام مأزق في البلد والرئيس المكلّف الدكتور حسان دياب أمام هذا المأزق، الذي هو مأزق إقليمي وعربي ولبناني… إلخ، وأمام هذا المأزق ما هي الخيارات المتاحة لمعالجة هذا الموقف؟ هل حزب الله سيبقى على خيار حسان دياب؟ بمعنى هل من المصلحة أن يؤلِّف حسان دياب حكومة تكنوقراط بالشخصيات الموجودة التي يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام، وأن تكون هذه الحكومة هي من سيتصدى للملفات كافة: المالية والنقدية والاقتصادية، أضافة لمواجهة الحراك، ولمواجهة تداعيات المنطقة، كما لمواجهة المرحلة التي أعلن عنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، بأنه يريد كَنْسَ الوجود الأميركي من المنطقة؟

تأخير تشكيل الحكومة

•    برأيك لماذا تأخر حسان دياب في تشكيل حكومته؟
– أنا أرى أن هناك خلافاً بين الفريق الواحد الذي أراد هذه الحكومة. فالحكومة كانت سابقا تتألّف، مثلاً، بين ما كان يُسمى “14 آذار”، و”8 آذار”، وكان الفريقان يختلفان على الحصص – لكن الآن فإن هذه الحكومة التي يُراد تشكيلها هي حكومة الفريق الواحد الذي هو “8 آذار”، فهل يُعقل أن هذا الفريق الواحد، هو مختلف مع بعضه لدرجة أنه لم يستطع أن يشكل حكومة؟
… أنا لا أصدق ذلك. فهل هذا الخلاف متعلق بمبالغة مفترضة لشهية جبران باسيل للسلطة؟ أنا أعتقد أن هذه الشهية يستطيع حزب الله أن يضبطها لو أراد، يعني لو أراد حزب الله أن يضبط شهية جبران باسيل للسلطة وأن يقلّم أظافره، فهو قادر على ذلك دون أي اعتراض من باسيل أو دون أي ممانعة.

الأمر برأيي يتجه إلى ما هو أبعد مدى، أبعد من أن تكون شهية باسيل وحساسيته المارونية، تجاه هذه الشخصية أو تلك. أعتقد بأن الأمر يتعلق بإعادة دراسة المشهد ومحاولة لملمة تشكيل ما، أو البحث عن تسوية ما.
وأوضح سليمان: أن الحكومة التي كُلِّف بتشكيلها حسان دياب هي حكومة لونٍ واحد. فهي حكومة مؤلّفة من تجمُّع “8 آذار”، مشيراً إلى أن الإعلام يقع بالتباس كبير، عندما يقول إن تجمُّعا “14 آذار” و”8 آذار” لم يعودا موجودين، فالصحيح أن تجمّع “14 آذار” لم يعد موجوداً، بينما تجمّع “8 آذار” ما زال موجوداً، وبقيادة حزب الله، وقال: إن حكومة حسان دياب هي حكومة “8 آذار” التجمع الذي ما زال موجوداً وقدرة حزب الله على قيادة هذا التجمّع ما زالت قائمة، وأضاف: وبالتالي فإن حكومة حسان دياب هي حكومة “8 آذار”.

برأي سليمان – المطلوب من الدكتور حسان دياب أن يختار حوالى 18 وزيراً، “أن يجهّزوا العدة لكنس النفوذ الأميركي من لبنان”

ورأى سليمان أن وجهة النظر السائدة في لبنان الآن في حالة الاعتراض على حزب الله، والتي يتصرف على أساسها مجمل الأطراف اللبنانيين، هي اذا كان حزب الله لديه أكثرية نيابية، ولديه قوة السلاح، ولا يتنازل ولا يقدِّم أي ميل لتغيير سلوكه، فليحكم منفرداً، وليتحمّل مسؤولية هذا الخيار المُعضلة.
وقال سليمان: إن السيد حسن نصر الله قال في خطابه الأخير أنه يريد إزالة النفوذ الأميركي من المنطقة، فالمطلوب إذاً – برأي سليمان – من الدكتور حسان دياب أن يختار حوالى 18 وزيراً، “أن يجهّزوا العدة لكنس النفوذ الأميركي من لبنان”.

النفوذ الأميركي

وحول النفوذ الأميركي في لبنان قال سليمان رداً على سؤال: إن النفوذ الأميركي في لبنان، متمثّل في مسألتين، المسألة الأولى أن الجيش اللبناني يتلقى مساعدات أميركية بقيمة 105 ملايين دولار سنوياً، إضافة إلى وجود ضباط وخبراء أمريكيين في لبنان، يقدّمون سلاحاً للجيش اللبناني، ويقومون بتدريب الجيش اللبناني. وهنا تساءل سليمان، عن نتيجة “كنس هذا النفوذ”؟ أما المسألة الأخرى فهي متمثلة بأن النظام المصرفي اللبناني والذي هو جزء من النظام المصرفي العالمي التي تقوده أميركا.

لم يعد هناك من «سيدر»

•    إذا ما تشكّلت الحكومة التي يجري الحديث عنها حالياً هل يمكنها عمل شيء ما لإنقاذ الوضع الاقتصادي؟
– يجب ألا  ننسى عملية إنقاذ الوضع الاقتصادي، لأنه اليوم هو أمر صعب جداً، فنحن بحاجة إلى ما بين الـ6 إلى 8 مليار دولار (Cash flow)، لنضعها ودائع في مصرف لبنان، إضافة إلى 11 مليار دولار في “CEDRE”، يعني الـ”سيدر” بمفرده لا يكفي، ولا الـ6 إلى 8 مليار دولار، أيضاً لوحدها لا تكفي، إذ إننا نحن بحاجة إلى كليهما معاً. أما بالنسبة إلى “CEDRE”، فلقد أبلغونا منذ 16 شهراً، بأن علينا القيام بإصلاحات عدة حتى نستطيع أن نحصل على تقديمات “سيدر” للبنان، لكننا لم نقم بالإصلاحات المطلوبة. بل أضعنا مدة الـ16 شهراً محاولين خداع الأوروبيين ودول الخليج، عبر “البلف” والكذب، وبالتالي، اليوم “لم يعد هناك من CEDRE”، وليس هذا فحسب، بل إن من التزم بتقديم مساعدات لنا في “سيدر”، لم يعد راغباً في ذلك، إذ إن هناك دولاً التزمت بتقديم مبالغ في السابق، واليوم لم تعد راغبة بتقديم هذه المبالغ. فعملياً “سيدر” ينهار اليوم كفكرة، وليس كمشروع، لأنه لم يصبح مشروعاً، بل إن “سيدر” كان فكرة ووعداً مشروطاً بسلسلة من الإصلاحات، بعد تنفيذها تتحول الفكرة الى المشروع، وهذه الإصلاحات التي بدلاً من إجرائها لها، قمنا بارتكاب حماقات.

هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية: كنا نأمل ونؤمّل أنفسنا بـ6 الى ـ 8 مليار دولار، نتلقاها وندخلها (كاش) إلى البلد، لتكون وديعة في المصرف المركزي، من أجل أن نُوجد توازناً مطلوباً في ميزان المدفوعات.
على أن مبالغ الـ6 إلى 8 مليار دولار، كانت تقتضي أن تأتي حكومة لبنانية، ليس فيها أحد من أحزاب السلطة السياسية، فلو تأمّن هذا الشرط، كان هناك إمكانية لإقناع دول عربية وغربية بأن تُرسل من يضع ودائع في مصرف لبنان، من أجل تيسير الأمور المالية والاقتصادية، لكن رئيس الجمهورية ذهب في الاتجاه المعاكس…
إلى أين ذهبنا؟ ذهبنا إلى مساومة وتسويف وتشاطر خلال شهرين. وخلال هذين الشهرين، أضعنا فرصة ثانية، في عدم إيجاد حكومة كفاءات، أي حكومة اختصاصيين، كل اختصاصي منهم، لا يتبع لأي حزب من أحزاب الطبقة السياسية، ليس فقط أنه ليس عضواً في حزب، بل يجب أن يكون مستقلاً تماماً وبعيداً كل البعد عن أي حزب من أحزاب السلطة.

طرد الأحزاب من السلطة

المطلوب، كان هذا النوع من الرجال، لكي يمنعوا الأحزاب من الاستيلاء على الدولة. لكي يطردوا الأحزاب من الدولة، أي من سلطة القرار. ولو كنا فعلنا ذلك لكان ممكناً أن نحصل على “كاش مصاري”، وديعة في مصرف لبنان، تؤمن لنا توازناً في ميزان المدفوعات. لكننا اتخذنا قراراً هو في ذروة  الخيارات الأشد سوءا في لائحة القرارات السيئة، فعمدنا إلى الإتيان برئيس وزارة ليس لديه أي ثقل سياسي أو اقتصادي، وهو من تجمّع “8 آذار” (أي هو ليس مستقلاً )، كما أننا اعتمدنا تسمية أشخاص حزبيين، وعليه فإني أرى أن هذه الحكومة هي حكومة “8 آذار”.
وقال سليمان: نحن اليوم في لبنان نواجه كارثة حقيقية: اقتصادية ومالية ومعيشية… إلخ، وأن الطبقة السياسية هي التي صنعت لنا هذه الكارثة.

•    الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 17 تشرين الأول، يبدو أنها هدأت إلى حدّ ما؟
– بعد ثمانين يوماً، الشارع تعب، لكن الانتفاضة ستتجدد.
•    هل سنشهد ضغطاً من قبل الشارع على السلطة أكثر من قبل؟
– بالتأكيد، مجموع العاطلين عن العمل الذين سيسرّحون من أشغالهم، هم مجموعة ضغط أكبر من الانتفاضة التي اندلعت. والحلُّ في لبنان يكون بإخراج هذه الطبقة السياسية كلها من السلطة.

الوضع العراقي بعد اغتيال سليماني

قاسم سليماني
قاسم سليماني

وفي ختام هذا الحوار تحدث سليمان عن الوضع العراقي فتساءل: ماذا يعني اغتيال قاسم سليماني؟ ثم أوضح قائلاً: إن ظاهرة ودور قاسم سليماني وكل الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، هي نتيجة أو ثمرة للزواج الأميركي الإيراني؛ أما مقتل سليماني فهو يعني؛ نهاية المساكنة الأميركية الإيرانية في العراق، وأميركا وإيران كان لديهما مجالات كثيرة مختلفين عليها، لكن كان هناك تقاطع مصالح واتفاق وزواج فيما بينهما في العراق. وأضاف: واليوم حين يقول لنا السيد حسن نصر الله أن أميركا اغتالت قاسم سليماني، فنقول: “لا” بل إن الأب قتل زوجته. وهذه الطبقة السياسية الموجودة في العراق، رموزها هم أولاد أو ثمرة هذا الزواج الأميركي – الإيراني، وبالتالي على أي باحث مطلّع يأتي ليقارن بين ما يجري في لبنان وبين ما يجري في العراق، أن يُدرك الفارق. ففي لبنان، كانت (الحريرية السياسية) قد تشكّلت كزواج بين سوريا والسعودية، وفي قلب هذا الزواج، كان هناك زواج آخر هو زواج إيران مع سوريا، تشكلت من خلاله “الشيعية السياسية” وكما حدث في لبنان أن الرئيس رفيق الحريري تم اغتياله لحظة الطلاق السوري – السعودي، فقاسم سليماني تم اغتياله لحظة الطلاق الأميركي – الإيراني في العراق، إن الطبقة السياسية الموجودة في العراق هي بنتُ هذا الزواج الإيراني الأميركي، في حين أن الشيعية السياسية التي حزب الله هو جزء منها، هو ثمرة زواج سوري – إيراني برضا سعودي، ففي ذلك الوقت كان الأمر على خطين: حريرية سياسية في كنف سوريا – السعودية، وشيعية سياسية في كنف سوريا ذاتها مع إيران، وبالتالي هناك فارق كبير بين ما يفكّر فيه حزب الله والشيعية السياسية في لبنان، وما تفكّر فيه الطبقة السياسية الموجودة في العراق، وشيعة العراق تحديداً بهم مكوِّن أميركي، كما بهم مكوِّن إيراني، وبالتالي لا يتوهمن أحد، وأنا أنصحه للسيد حسن نصر الله، قائلاً: لن تذهب الطبقة السياسية الشيعية في العراق إلى مواجهة أميركا. “لأنو ما حدا بيقتل بيّو”. هذه الطبقة الشيعية السياسية في العراق، وُلدت من رحم الزواج الإيراني الأميركي، فلن تذهب الطبقة السياسية العراقية (بالشيعة وبالسُّنّة وبالأكراد) لن تذهب إلى عداء مع أميركا. فنصيحتي لحزب الله أن لا يذهب بهذا الاتجاه، لأنه سيذهب منفرداً.

إن الشيعية السياسية التي حزب الله هو جزء منها، هو ثمرة زواج سوري – إيراني برضا سعودي

الهدف الأميركي من اغتيال سليماني

•    ما الهدف الأميركي من وراء اغتيال قاسم سليماني؟
– أميركا لديها ملف إسمه “إخضاع إيران في الموضوع النووي وجرّها إلى مفاوضات تُوقّع فيها على مطالب محددة أعلنها “بومبيو” بـ12 مطلباً. منها: إنهاء الوجود الإيراني في سورية؛ إنهاء النفوذ الإيراني في العراق؛ حل مشكلة اليمن وانسحاب الإيرانيين من هناك؛ نزع السلاح الصاروخي لحزب الله (الأسلحة الدقيقة…) إضافة إلى البرنامج البالستي الإيراني. إضافة إلى قيود اضافية لها علاقة بالبرنامج النووي… رفضت إيران ذلك، فمن هو الطرف الذي رفض في إيران؟ وأضاف  سليمان موضحا؛ في داخل إيران كان هناك جهتان: جهة ناعمة (ظريف وجماعته)، أرسلت بعض الرسائل: نعم هي تريد التفاوض. لكن أعطونا شيئا بالمقابل!….، وجهة متشددة رمزها الخامنئي وقاسم سليماني، الذي يقول: نحن لا نريد التفاوض وسنواجه. سنواجه بماذا؟ بالإقليم، (لا نواجه في إيران، نواجه بغيرنا أي بحلفائنا – بأدواتنا).

فقام الأميركي بفرض عقوبات على إيران، فخفّض صادراتها النفطية إلى نسبة عشرين بالمائة، فكانت تصدّر مليونين برميل، أصبحت تصدّر اقل من 500 ألف برميل، فسبَّب لها أزمة اقتصادية، أخرجها من نظام السّويفت العالمي – إلخ… سبّب لها مشكلة بالنقد، بالمال، خنقها اقتصادياً، فماذا فعلت إيران؟ التفت على العقوبات، كيف؟ بواسطة العراق، حاولت أن تلْتف على العقوبات بواسطة تهريب النفط الإيراني إلى بغداد، بواسطة البرّ، واستطاعت أن تلتف على العقوبات بواسطة أخذ حصة من عائدات النفط العراقي لأنها هي ممسكة الأرض في العراق، ومن الفساد الموجود في العراق أخذت قسماً منه لتمويل عملياتها في الخارج. هنا أصبح الأميركاني أمام حلّين: فالإيراني لن يأتي إلى المفاوضات طالما أن العراق في يده، ولطالما أن العراق بيد إيران فهي ستستعمله من أجل مسألتين: من اجل جني مكاسب مالية تُغطّي أعمالها في الإقليم؛ والمسألة الثانية: استعمال السوق العراقية كمصدر للاستيراد والتصدير. لذلك كان القرار الاميركي باستهداف الدور الإيراني في العراق، فمن هو الذي يمثّل الدور الإيراني في العراق؟ هو قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وبالتالي، صارت المواجهة على العراق. بمعنى آخر الأميركي قال للإيراني أن سأُخرجك من العراق، فردّ الإيراني عليه قائلاً له، أنت الذي ستخرج من العراق، وتم إعداد خطة ايرانية_عراقية لاحتلال السفارة الأميركية في العراق.

أدرك ترامب، طبقا لمعلومات أجهزته، أنه في هذا الوقت القاتل، أي قبل الانتخابات الأميركية، ممكن أن يحصل أمر من أمرين: إما احتجاز رهائن، كما حصل في السفارة الأميركية في طهران في العام 1979، وإما تكرار ما حصل في السفارة في بنغازي حيث قُتل السفير الأميركي هناك. وبالتالي، قرَّر بأن هذا شيء لن يحصل، وقام بمبادرته العسكرية، وأرسل رسالة إلى إيران بأن من يفكر في ذلك، ومن يخطط لذلك فمصيره القتل، وبالتالي المواجهة أصبحت هنا…

اقرأ أيضاً: المشروعان الأميركي والإيراني يْطيحان.. بثالثهما!

هناك أناس يفكرون أن الانسحاب الأميركي من العراق سهل أو هيِّنٌ، فنقول: لا، إنه ليس هيّناً. المواجهة قائمة، وانتقلت المواجهة من قتال بواسطة الأدوات إلى قتال مباشر، وبالتالي الإيرانيون هل يستطيعون شن حرب على أميركا؟ أنا لا أعتقد ذلك. وأنا أعتقد أن الإيرانيين هم من الفطنة والذكاء بأنهم لا يذهبون بأرجلهم ركضاً إلى حرب مع أميركا. فلا يوجد توازن قوى.

  • كيف تقرأ كلمة السيد نصرالله الأخيرة بعد مقتل سليماني؟

– هو يذهب في خطابه هذا أبعد مما يحتمل، هو نفسه وإلى أبعد مما يحتمل شيعة لبنان، وإلى أبعد مما يحتمل لبنان وشعب لبنان. وهو يذهب إلى أبعد مما يريده العراقيون. 

السابق
بلدية بيروت «قِبلة الثورة».. محاسبة المحافظ ورئيس البلدية!
التالي
غضب في طهران على إسقاط الطائرة الأوكرانية.. إستقالة روحاني!