هل يؤسس إغتيال سليماني لـ«حرب باردة» بين أميركا وإيران؟

الرد الايراني
تنفس العالم عموما ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا الصعداء بعد الرد الإيراني المحسوب على عملية إغتيال قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني في بغداد الأسبوع الفائت.

الردّ الإيراني

جاء هذا الرد بعد سلسلة إتصالات ولقاءات إقليمية ودولية وحتى أميركية عن طريق سويسرا مع إيران لمحاولة إقناعها بأن يقتصر الرد ولا يتجاوز حدود قضية الثأر لسليماني كي لا تنزلق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وهو الأمر الذي يبدو بأن الإتصالات قد نجحت في ترتيبه مستغلة الفترة الفاصلة بين عملية الإغتيال ويوم دفن سليماني، وجاء الرد الإيراني على قاعدة عين الأسد العسكرية في الأنبار والقاعدة الأخرى في أربيل وكأنه متفق عليه خاصة مع التسريبات عن أن أميركا قد أخطرت به سلفا عن طريق عدد من الجهات فضلا عن متابعة الإستخبارات والجهات الأمنية والعسكرية الأميركية الأخرى البديهية للوضع في هكذا ظروف حساسة ودقيقة وخطيرة، وكذلك مع مسارعة إيران بعد العملية إلى الإعلان عبر وزير خارجيتها بأن الرد قد إنتهى وأن إيران نفذت تهديدها وإنتقمت لسليماني وأنها لا تسعى للتصعيد ولا ترغب به وهو ما تلقفته الولايات المتحدة بإرتياح عبر عنه دونالد ترامب شخصيا داعياً إيران للتفاوض على إتفاق نووي جديد.

إغتيال سليماني هو إيذان ببدء مرحلة جديدة تهدف إلى إعادة إيران إلى داخل حدودها

الآن وقد إنقشع غبار “المعركة” يبقى السؤال عن حسابات الربح والخسارة لكلا الطرفين في هذه الجولة التي ولا شك قد يتبعها جولات وإن كانت غير ساخنة ربما بعد العودة لقواعد الإشتباك القديمة والحرب الباردة المعتادة بينهما.
قد يكون من المبكر الحديث عن الربح والخسارة في هذا الظرف حيث أن الجرح لم يزل حارا، ولكن مما لا شك فيه أن خسارة إيران بإغتيال سليماني هي خسارة فادحة قد يمضي وقت طويل قبل أن تستطيع تعويضها، فسليماني ليس مجرد قائد عسكري يمكن إستبداله بسهولة كغيره من القادة الميدانيين، بل هو يمثل ذراع إيران القوية في المنطقة التي قطعت بقتله، ومصدر قوته بإعتقادي لم يكن خبرته العسكرية على أهميتها، ولكن كاريزميته الطاغية ودهائه السياسي الذي جعله ينجح في تكوين ميليشيات عدة في المنطقة وبعضها في نفس البلد كما هو الحال في العراق مثلا ويجمع بينها ويكون “قاسمها” المشترك، من لبنان وفلسطين إلى سوريا والعراق وصولا إلى اليمن وحتى باكستان وأفغانستان، وجعلت منه “صانع الرؤساء” في بعض البلدان – إذا جاز التعبير – واللاعب الرئيسي في تشكيل الحكومات والسلطات، وهذه مهمات ما كان لينجح بإنجازها لو لم يكن رجلاً إستثنائياً بغض النظر عن الموقف السياسي منه ومن مشروعه السياسي الذي أطلق عليه البعض مصطلح “الهلال الشيعي”.

اقرأ أيضاً: الصواريخ الإيرانية أقل من ردّ وأكثر من صدّ.. ماذا عن لبنان؟

كما أن إغتياله عدا عن إلغائه جسدياً وسياسياً يمثل ضربة معنوية كبيرة لإيران التي بدت كغيرها من القوى في المنطقة على حجمها إلا أنها محكومة بالخطوط الحمراء الأميركية، بالقدر الذي كان نصراً معنوياً لأميركا وترامب إستعاد معه إستراتيجية الردع الأميركية التي كانت قد وهنت بعد التطورات التي حدثت في المنطقة من ضرب السفن والناقلات في الخليج إلى إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة إلى ضرب منشآت النفط التابعة لآرامكو في المملكة العربية السعودية والتي أعطت الإنطباع بأن إيران باتت شرطي المنطقة على الأقل في البلدان التي لطالما تباهت إيران عبر سليماني وغيره بأنها باتت تحت سيطرتها بالكامل.

الفوضى الخلاّقة

اليوم وبعد التطورات الأخيرة تغير الأمر وبدا وكأن إغتيال سليماني هو إيذان ببدء مرحلة جديدة تهدف إلى إعادة إيران إلى داخل حدودها وكأن أميركا تريد أن تقول بأن اللعبة التي بدأت مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر عبر الفوضى الخلاقة قد إنتهت وعلى كل طرف إلتزام حدوده وهذا ربما ما دفع إيران إلى الإعلان بأن الثأر الحقيقي لسليماني يكون بإخراج أميركا وقواتها من المنطقة ليبدو الأمر وكأنه صراع على البقاء بالنسبة لإيران وقضية حياة أو موت بالنسبة لمشروعها في المنطقة المهدد من قبل أميركا بعد كل ما أنفقته وكابدته في سبيل “زرعه” على مدى أكثر من ثلاثين عاما إبتداءً من لبنان عبر حزب الله ، وهو ما يوحي بأن المنطقة لم تزل بعيدة عن الإستقرار والسلام أقله في المدى المنظور.

إغتيال سليماني عدا عن إلغائه جسدياً وسياسياً يمثل ضربة معنوية كبيرة لإيران

بالمقابل وفي حسابات الربح قد تكون إيران “ربحت” مرحليا على الصعيد الداخلي سواء في إيران نفسها حيث بدا وكأن النظام كسب مجددا الإلتفاف الشعبي حوله بعد الإضطرابات الأخيرة التي إندلعت بسبب أزمة البنزين، وهو ما بدا جلياً في جنازة سليماني المليونية، أو في الداخل العراقي حيث طغت الأحداث الأخيرة على إنتفاضة الشعب العراقي التي كان عمادها الشيعة وكانت موجهة في جزء كبير منها ضد إيران وعملائها فيه وهو ما تجلى بإحراق القنصليات الإيرانية في عدة مدن عراقية، ليعود أنصار إيران للظهور بقوة مع إغتيال نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الذي كان في إستقبال سليماني وقضى معه، والأمر نفسه ينطبق على الداخل اللبناني ولو بدرجة أقل نظرا لتأثره وإرتباطه بكل ما يجري في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص نظرا للدور المركزي الذي يلعبه حزب الله ضمن محور إيران، ولكن السؤال هنا إلى أي مدى وكم من الوقت سيدوم هذا “الربح” وكيف سيصرف سياسياً وميدانياً؟

اقرأ أيضاً: إغتيال سليماني «يكسر ضلع» نصرالله!

«العرب» الخاسر الأكبر

الأمر نفسه – يا للمفارقة – ينطبق على الجانب الأميركي أيضاً، إذ أن الأمر قد خدم ترامب مرحليا أيضاً وهو المهدد بالمحاكمة من قبل الكونغرس في سنته الإنتخابية، فقد طغت الأحداث مع إيران على قضية المحاكمة لينشغل الكونغرس بمحاولة تقييده في موضوع الحرب في حال تطورت الأمور نحو الأسوأ، لتأتي تطورات الرد الإيراني المحدود والمحسوب لتسجل نقطة لصالحه وإظهاره بمظهر الرئيس القوي خاصة مع تبنيه شخصيا لعملية الإغتيال، وكما في إيران كذلك في أميركا يبقى السؤال عن مدى صلاحية وإستمرار وحسن إستغلال هذا الربح المعنوي في معركته الداخلية مع الكونغرس أولاً ومعركته الإنتخابية ثانياً.

ويبقى أن الخاسر الأكبر في كل هذه التطورات والمنازلات هم العرب حيث أرض المعركة هي أرضهم وأجواءها أجواءهم وضحاياها بأكثريتهم منهم عدا أن المنطقة كلها على فوهة بركان يرهن  أمنها وإستقرارها وإزدهارها حاضراً ومستقبلاً، ويلقي بها في أتون المجهول.

السابق
قضية حبيش- عون تابع.. تأجيل دعوى النائب ضد القاضية!
التالي
ألسنة اللهب تودي بحياة والد الفنان إيهاب توفيق