ما أصعب أن تكون شيعيا عروبيا حرا في هذا الشرق
أن تكون شيعيا عروبيا حرا في هذا الشرق يعني أنت متهم دينيا ومذهبيا وسياسيا.
دينيا متهم من بعض ” أهل السنة والجماعة ” بأنك رافضي وخارج عن الملة وإنك عميل إيراني حتى تثبت ” براءتك ” بشتم الآخر ، وأن تعلن يومياً أنك شيعي عروبي تجمعك بالغالبية رابطة القومية العربية والمصير المشترك .
مذهبيا متهم بأنك مارق وخارج عن المذهب ، وتصبح شبه منبوذ وغريب في بيئتك ، حتى التواصل معك عبر وسائل التواصل الإجتماعي يصبح محسوبا ، يخاف البعض من الإعجاب بمنشور من منشوراتك خشية ” الشبهة ” كي لا يتعرض للتنمر والإنتقاد والإحراج من محيطه .
سياسيا، من جهة أنت متهم بأنك عميل وشيعة سفارات ومعادٍ للمقاومة التي حررت الأرض ، ومن الجانب الآخر أنت شيعي تتقن ” التقية ” ومشكوك بأمرك مهما إتخذت من مواقف تعتبر قوية إتجاه بيئتك المذهبية والسياسية مع ما تجره عليك هذه المواقف من سلبيات .
يُقتل بن لادن والبغدادي فلا تهتم ولا تعلق إلا بالسياسة بعيدا عن العواطف الشخصية ، ومن منطلق أن لا شماتة في الموت وأن الشتم يؤذي الحي ولا يمس الميت كما نقل عن سيدنا رسول الله ، فيتهمك السني بأنك مغتبط لأنك لم تندد بأميركا ، ويتهمك الشيعي بأنك ممتعض لقتله لأنك لم تهلل لموته .
يُقتل سليماني ، هناك من يلطم ويريدك أن تلطم معه ، وهناك من يشمت ويريدك أن تشمت معه ، هناك من يقدس الأشخاص ويريدك أن تجاريه ، وهناك من يشيطنهم ويريدك أن تماشيه ، بينما أنت ترى أن الأمور السياسية ومصالح البلاد والعباد لا تقاس بالمسائل الشخصية والحقد الأعمى .
تنتقد إيران على سياستها في المنطقة العربية كعربي ، فيشيد بك السني على إعتبار أنك مواطن شيعي صالح وليس كمواطن عربي وطني .
إقرأ أيضاً: لماذا لم تصدر إدانة من الصين وروسيا لعملية اغتيال سليماني؟
تنتقد السعودية على بعض ممارساتها في اليمن وبعض التجاوزات في الداخل ، فيشيد بك الشيعي على انك شيعي ” تائب ” وليس كمواطن عربي يهمه مصلحة السعودية كما اليمن.
تقول أن المشروع الإيراني في المنطقة هو مشروع سياسي إمبراطوري صفوي فارسي كذلك المشروع التركي هو عثماني ، فينتفض الشيعي ويتهمك بخيانة المذهب وآل بيت الرسول عليهم السلام ، ويشكك بك السني ويتهمك بالنفاق وبأنك تحاول التغطية على مشروع مذهبك الشيعي ضد المكون السني .
إنها ضريبة أن تكون حراً ، حر الرأي والفكر والضمير ، ضريبة عدم الإنتماء إلا للوطن ومصالحه ، وللأمة ومستقبلها كما تراه على الأقل دون التقوقع في أيديولوجية جامدة سياسية كانت أم دينية ، فالحياة ومشاكلها وأسرارها أعقد وأشمل من أن تعزلها في قالب جامد غير متحرك بإسم السلف الصالح تارة والحفاظ على الموروث من التقاليد والعادات تارة أخرى .
الكل يريدك على شاكلته إلا من رحم ربي من الذين يمرون بنفس ظروفك ، لا يفهم البعض بأن لكل رأيه ورؤيته للأمور ، وأن الخلاف لا يجب أن أن يفسد للود قضية ، وأن تلاقح الأفكار وتبادلها برقي بعيدا عن الإتهامات والتخوين والتكفير والتنمر والشتائم ، يمكن أن يغني النقاش وأن لا أحد في الكون يملك الحقيقة كاملة ، وبأن رأيي قد يكون صوابا يحتمل الخطأ ، وقد يكون خطأ يحتمل الصواب ، وأن إحترام بعضنا يولد المحبة ويعمقها ، بينما التناحر يأخذنا إلى أماكن أخرى بعيدة عن المودة .
علينا أن نقتنع ونعرف أن نفرق بين النقد والحقد ، فالنقد يمكن أن يوصل للإصلاح والبناء ، بينما الحقد يوصل إلى الخراب والدمار ، فهل نحلم بيوم نصبح فيه مواطنين متساوين في أمة حرة تقدس الحرية كقيمة بدل تقديس الأشخاص ، لا رعايا في دول طائفية أو مذهبية أو إيديولوجية توتاليتارية تحرم الإنسان أغلى قيمة في حياته وهي الحرية ، وتحبسه في قالب جامد حيث لا تقدم ولا إبداع ولا حياة حقيقية ، هل ترانا فعلاً
” نحلم ” ؟