«المستقبل» و«الوطني الحر».. سيرة حب وغرام وإنتقام !

الحريري باسيل

.. وأخيرا ” بق ” الرئيس سعد الحريري  بحصة التسوية الرئاسية التي بلعها ومعه  البلد منذ ثلاث سنوات كانت كافية لإيصال الوضع إلى الطريق المسدود بعد أن عجزت عن تأمين إدارة جيدة وحكم رشيد لبلد عانى الكثير في السنوات ال 15 الأخيرة من أزمات سياسية وعسكرية وأمنية نتيجة إنقلاب التحالفات في المنطقة ودخولها طور جديد في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق ، ما أدى في لبنان إلى إغتيال الرئيس رفيق الحريري الأمر الذي أطاح بكل ما كان قد تحقق بعد العام 1990 من إعادة بناء لهيكلية الدولة وإعادة إعمار ما تهدم جراء سنين من الحرب في لبنان إمتدت على مدار 15عاما و ” إنتهت ” بتوقيع وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بإسم إتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية.

إقرأ أيضاً: الحريري يتبرأ من حكومة باسيل: «يروح يدبر حالو»!

في الواقع إن ما قاله الرئيس الحريري لم يكن مفاجئا لكل متابع لتطورات الأوضاع في لبنان منذ التسوية الرئاسية وما قبلها حتى ، بحيث أن هذه التسوية هي التي كانت بمثابة المفاجأة التي لا تخطر على بال أحد نظرا لتاريخ العلاقة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر التي تخطت في كثير من الأحيان حدود الخلاف السياسي الطبيعي بين طرفين إلى حدود العداء والصراع المستميت الذي لم يترك الطرفان فيه ” سلاحا ” إلا وإستخدماه ضد بعضهما البعض في محاولة من كل منهما لكسر الآخر .

 كانت البداية مع عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الفرنسي بعد جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، وهي العودة التي أتت كما قيل عبر تفاهم بين العماد عون والنظام الأمني اللبناني – السوري وقتها مقابل إسقاط بعض التهم وإغلاق بعض الملفات المالية التي كان يُتهم بها الجنرال عون ، وهي عودة مفخخة بهذا المعنى ، الأمر الذي جعل قوى الرابع عشر من آذار والتي كان تيار عون يعتبر جزءا منها في ذلك الحين ، تنظر بعين الريبة وعدم الإرتياح لهذا التفاهم وهذه العودة  لدرجة أن وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وصف هذه العودة يومها بتسونامي وبدأ الخلاف بين الطرفين وتصاعد مع الإتفاق الرباعي عندما إرتأى يومها المستقبل والإشتراكي الدخول في تسوية مع الثنائي الشيعي الذي كان في المقلب الآخر من المشهد السياسي ممثلا ما بات يعرف بقوى الثامن من آذار والذي بدا وكأنه إتفاق ” إسلامي ” بمعزل عن الأطراف المسيحية ، الأمر الذي ولَّد حساسية غذاها وأحسن إستغلالها فريق عون السياسي ما أدى إلى حصوله على نسبة عالية من أصوات المسيحيين في الإنتخابات النيابية التي أجريت حسب ما كان يسمى بقانون غازي كنعان للعام 2000 ، ما أدى بعون إلى التشدد بأمر تشكيل الحكومة وحصته فيها فكان أن بقي خارجها وكانت حكومة إئتلافية من أطراف الإتفاق الرباعي وحلفائهم . 

بدأت الحكومة عملها وقاد التيار الوطني الحر المعارضة في البرلمان تحت عنوان التغيير والإصلاح وكان أن صب جهوده على التصويب على رأس الحكومة فؤاد السنيورة وتياره السياسي ألا وهو تيار المستقبل بذريعة أن السنيورة وبالتالي المستقبل هو المسؤول عن السياسات التي أتبعت في البلد منذ العام 1992 ، في الوقت الذي كان لبنان فيه يعاني من ترددات جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيرها من الجرائم التي إستمرت بحصد أرواح نخبة من سياسيي لبنان وإعلامييه وفي الوقت الذي كان قد بدأت فيه لجنة التحقيق الدولية عملها وتصاعد الصراع إلى أن خرج التيار نهائيا من قوى 14 آذار مع إغتيال الشهيد جبران تويني بعد أن رفض إتهام النظام السوري بإلإغتيالات المتتالية وبدا أنه يتجه بإتجاه قوى الثامن من آذار الأمر الذي تأكد في 6 شباط 2006 حينما تم الإعلان عن تفاهم مار مخايل بينه وبين حزب الله بطريقة فاجأت الكثيرين ليتغير المشهد السياسي ويتكرس الإنقسام أفقيا ويتعمق الخلاف خاصة مع بدء أعمال طاولة الحوار لمناقشة ما سمي بالإستراتيجية الدفاعية لتأتي حرب تموز وتطيح بكل هذا ومن ضمنه الإتفاق الرباعي بحيث خرج حزب الله من الحرب ” منتصرا ” وعلى طريقة الجيوش العربية حاول توظيف هذا “النصر ” داخليا فكان الإنقلاب على حكومة السنيورة على خلفية سلوكها أثناء الحرب كما قيل بالرغم أن الرئيس نبيه بري كان قد أطلق عليها حكومة المقاومة السياسية  لتنقلب فجأة وتصبح حكومة فيلتمان ، ترافق كل هذا مع موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي كانت المحرك الحقيقي لكل هذه الاحداث التي تصاعدت لتصل بنا إلى أحداث السابع من أيار التي رأى فيها غالبية السنة إنقضاضا عليهم وكسرا لإرادتهم ، بينما رأى فيها الثنائي الشيعي يوما مجيدا ، والتيار الوطني الحر يوما لعودة القطار إلى السكة الصحيحة كما صرح يومها الجنرال ميشال عون مزهوا .

إقرأ أيضاً: اسباب خروج الحريري عن صمته.. باسيل يتدخل في كل تفاصيل عملية التأليف!

إنتهت الأزمة بإتفاق الدوحة الذي كان من المفروض أنه مرحلة إنتقالية تبدأ بإنتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة السنيورة ” رئيس حكومة فيلتمان ” وإجراء إنتخابات نيابية جديدة وفق قانون الستين ، وهكذا دخل التيار الوطني الحر جنة السلطة لأول مرة وإستحوذ مع حلفائه في الثنائي الشيعي على كتلة وزارية سميت وقتها بالثلث المعطل في بدعة سياسية ودستورية جديدة كان يمكن أن تكون مقبولة لو أنها كانت لفترة محددة وللمرحلة الإنتقالية فقط ، إلا أنها تكرست بعدها خاصة مع فوز فريق 14 آذار في الإنتخابات النيابية الجديدة عام 2009 والتي لم تجد قوى الثامن من آذار غضاضة في الإنقلاب عليها تحت ذريعة ” إمتلاكها ” الشرعية الشعبية وبدأت الرحلة ، رحلة التيار الوطني الحر في السلطة مدعوما من حلفائه في الثنائي الشيعي حيث كان يمثل واجهة هذه القوى في التصدي لقوى 14 آذار وتيار المستقبل خاصة ، بذريعة إستعادة حقوق المسيحيين تارة وأخرى بذريعة تمثيله الأكثرية المسيحية وعليه فإنه يطالب بأكثرية المقاعد المسيحية في الحكومة ، وتارة يصر ويؤكد على توزير صهره الراسب في الإنتخابات في حين أنه كان قد طالب قبلها بعدم توزير الراسبين وهكذا بدأت شيطنة تيار المستقبل على وقع التطورات السياسية الداخلية والإقليمية فكانت بداية التهجم على ميراث الرئيس الشهيد رفيق الحريري السياسي ثم الشخصي لدرجة أن إحتج يوما الجنرال عون على زيارة المسؤولين الأجانب لضريح الشهيد التي كانوا يقومون بها تقديرا له ولدوره ، ثم كان كتاب الإبراء المستحيل الذي يتطرق للسياسات الإقتصادية لحقبة الرئيس الشهيد وما تخللها من فساد وهدر أموال حسب رأيهم ، فكان الرد عبر كتاب آخر أصدره المستقبل بعنوان الإفتراء في كتاب الإبراء يفند فيه إدعاءات تيار التغيير والإصلاح ، وإستمرت المماحكات إلى أن كان الإنقلاب على حكومة الحريري تخت ذريعة شهود الزور في المحكمة الدولية في جريمة إغتيال الشهيد الحريري ورفاقه ، هنا أيضا وقف الجنرال عون مزهوا مرة أخرى ليعلن بأنهم قطعوا بطاقة ذهاب بلا عودة للرئيس سعد الحريري بما عرف يومها بالـ “one way ticket” الشهيرة .

شكلت حكومة القمصان السود يومها برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وكانت الأزمة السورية قد بدأت وإتخذ تيار المستقبل موقف الداعم للثورة السلمية يومها في سوريا بينما إتخذ الطرف الآخر موقف الإنكار في البداية على طريقة ما ” في شي بحمص ” وعبر تصريح ميشال عون يومها أيضا بأن الأزمة ستنتهي يوم ” الثلاثاء ” ، فكان أن تطورت الأمور في سوريا وزادت تعقيدا بعد أن تحولت حربا عسكرية وتداخلت فيها المصالح الإقليمية والدولية ومن ضمنها تدخل حزب الله العسكري والعلني فيها بداية بدافع الدفاع عن المواطنين اللبنانيين المتواجدين في المناطق المتداخلة بين لبنان وسوريا ، وبعدها بذريعة حماية المراقد والمقامات الشيعية هناك بعد ظهور الجماعات المتطرفة على الساحة ، وهنا كانت فرصة ميشال عون للإمعان في شيطنة تيار المستقبل خاصة والسنة عامة بذريعة دعم الإرهاب وبدأ العزف على هذا الوتر خاصة مع تطور الأحداث وإمتداد المواجهات إلى جرود عرسال وغيرها من المناطق المواجهة والمتداخلة مع الحدود السورية التي لطالما رفضت قوى الثامن من آذار دعوة الحكومات المتعاقبة لترسيمها، الامر الذي زاد من التوتر بين التيارين وجماهيرهما ، كل هذا وكانت معركة عون ضد المستقبل في الداخل مستمرة عبر التعرض لأنصاره في الإدارات العامة كعبد المنعم يوسف في مؤسسة أوجيرو ومن منا ينسى تهديده للواء الشهيد وسام الحسن قبل إغتياله عندما تحدث عن أن من يدق ب ” التوتر العالي ” مصيره الحرق والتفحيم ، وغيرها الكثير والكثير من الإتهامات ومحاولات الشيطنة ليس فقط لتيار سياسي بل لطائفة بأكملها هي أساس في قيام لبنان بما تمثله من إمتداد عربي ووطني كبير . 

مع تصاعد الحرب السورية وتداعياتها على لبنان خاصة في منطقة عرسال ، ومع تنامي دور حزب الله في دعم النظام السوري ، بدأ لبنان يشهد عمليات إرهابية تركز معظمها في مناطق نفوذ حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة بعلبك ، ما زاد في تأزم الأوضاع الأمر الذي دفع بالأطراف اللبنانية إلى الإجتماع في قصر بعبدا بدعوة من الرئيس ميشال سليمان والإتفاق على عدة مبادئ عامة سميت بإعلان بعبدا تتضمن العمل على النأي بالنفس عن النزاعات والصراعات في المنطقة والذي بقي طبعا حبرا على ورق ولكنه سمح لهذه الأطراف بالإنطلاق منه نحو ما أسمته ربط نزاع خاصة بين تيار المستقبل وحزب الله والتيار الوطني الحر فكانت حكومة تمام سلام التي لم تتشكل إلا بعد 11 شهر من المناكفات والمماحكات السياسية كالعادة خاصة وأن ولاية الرئيس ميشال سليمان كانت قد شارفت على نهايتها وكان واضحا صعوبة الإتفاق على بديل وأن السلطة ستؤول لهذه الحكومة وهذا ماحصل وبات لدينا مع إنتهاء ولاية سليمان حكومة ب 24 رأس كان الصدام غالبا فيها بين وزراء التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل والرئيس تمام سلام بما يمثله كونه عضو في كتلة المستقبل النيابية وممثلا عن السنة في السلطة خاصة مع التجاذبات على إنتخابات رئاسة الجمهورية التي فشلت في إتمامها عشرات الجلسات التي دعا إليها الرئيس نبيه بري بسبب من تعنت قوى الثامن من آذار بعدم حضور الجلسات ما لم تؤمن إنتخاب مرشحها ميشال عون ، ومرت الأيام بتطوراتها في المنطقة فكانت عاصفة الحزم في اليمن والتي تحولت إلى حرب ضروس لا زالت مستمرة حتى اليوم، وكان التدخل الروسي في سوريا الذي قلب كل المقاييس رأسا على عقب، والأهم كان الإتفاق النووي بين إيران ودول 5 + 1 والذي أعطى إيران وحلفائها دفعة قوية في المنطقة ترافقت مع ما سمي الحرب على الإرهاب في سوريا بعد تمدد داعش بحيث أعلنت دولتها في كل من العراق وسوريا الأمر الذي أضعف دور محور الإعتدال أو لنقل محور العجز العربي، كل هذه الأحداث كان لا بد من أن يتأثر بها الوضع في لبنان فكان أن عاد سعد الحريري إلى لبنان بمبادرة طرح من خلالها إسم سليمان فرنجية كمرشح وسط لرئاسة الجمهورية اللبنانية الأمر الذي أحدث ما يشبه الزلزال السياسي سواء في معسكر سعد الحريري أو في المعسكر المقابل ، حيث رفضت القوات اللبنانية الأمر خاصة وأنها كانت لم تزل على خلاف إن لم نقل عداء مع سليمان فرنحية أولا ، وثانيا لأنها إعتبرت أنها طعنت من جانب الرئيس سعد الحريري بعدم التشاور معها أو إطلاعها على ما يدور في الخفاء، كذلك في المحور الآخر كان من الطبيعي جدا أن يرفض التيار الوطني الحر هذا الطرح الذي يحرمه المنصب الذي كان محور كل حركته السياسية وتحالفاته منذ عودة العماد عون من منفاه الفرنسي إن لم نقل منذ ترؤسه الحكومة العسكرية أواخر ثمانينات القرن الماضي وقبل إتفاق الطائف ، هذا الرفض لاقاه حزب الله ودعمه بذريعة الوفاء للعماد عون الذي طالما بقي مرشحا فإن حزب الله يلتزم بدعمه . هذه التطورات أعادت خلط الأوراق بحيث يمكن القول بأن ” المصيبة ” جمعت ” إذا صح التعبير ” بين طرفي المعادلة المارونية القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر اللذين سارعا لعقد إتفاق بينهما على قاعدة ” أوعا خيك ” والمصالحة المسيحية فكان إتفاق معراب بين الطرفين الذي زكَّى العماد عون لرئاسة الجمهورية وقضى على آمال سليمان فرنجية ومبادرة الحريري ، وحشر كل الأطراف خاصة تيار المستقبل في الزاوية فكان أن رد المستقبل بـ ” تجرع ” كأس التسوية الرئاسية مع التيار الوطني الحر بعد كل هذا التاريخ من الخلاف لا بل العداء السياسي بين الطرفين في موقف لم يكن يحسد عليه سعد الحريري ولو أنه كان أحد المتسببين به من خلال ممارسته السياسية وتفرده في إبرام الإتفاقات والتسويات التي لم يجن منها إلا الخسران ، وهذا أيضا ما حصل للتسوية الأخيرة مع التيار الوطني الحر التي وللأسف الشديد لم تكن مبنية على برنامج سياسي للحكم كما هو متعارف عليه في كل الدول والمجتمعات، بل كانت تسوية قائمة على المحاصصة وتقاسم السلطة ما أوصل الدولة إلى مقولة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير حيث باتت كعربة يجرها حصانان كل منهما في إتجاه، فكان من الطبيعي أن تصل إلى طريق مسدود خاصة وأن الرئيس الحريري دخلها متخطيا بذلك بيئته وأنصاره ومؤيديه ما جعله يبدو وكأنه الطرف الأضعف في المعادلة خاصة بعد الإنتخابات النيابية التي أفقدته الأغلبية التي كان يتمتع بها فكان أن بدا وكأنه سلم البلد لجبران باسيل الذي لم يترك مناسبة إلا وحاول فيها تكريس هذا الواقع عبر تنمره على الرئيس الحريري بإستفزازه لقاعدته الشعبية والحديث عن الحقوق المسيحية وإستعادتها من براثن السنية السياسية، وهكذا فإن ما نشهده اليوم ما هو إلا نتيجة السياسات الإرتجالية الغير مبنية على قواعد ثابتة ومتينة، إذ كيف يمكن لتسوية قامت بين ليلة وضحاها أن تنجح بين تيارين خاضا حروبا سياسية طاحنة بينهما دون تمهيد وتذويب الخلافات ولو تدريجيا ، ودون الإتفاق على خطة عمل للمرحلة المقبلة وهما بعلاقتهما الطويلة الصدامية التي يصح فيها قول الشاعر تسألين عن سقمي .. صحتي هي العجب . ولهذا لم يكن ما توصل إليه الرئيس الحريري مؤخرا  من نتائج مفاجئا لكل من تابع ويتابع تاريخ العلاقات بين التيارين إن كان على المستوى القيادي او الجماهيري ، ربما كان مفاجئا للحريري نفسه فقط الذي قام بالتسوية ربما عن حسن نية ولكن كما يقول المثل الفرنسي أن “الطريق إلى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة”.

السابق
إسرائيل تُصدِّر الغاز اللبناني للأردن ومصر.. وعلى «عينك يا مقاومة» !
التالي
هذا ما حققته الإنتفاضة في مطلع 2020!