ما طرحتْه الثورة الحلّ الواقعي الوحيد

اديب نعمة

من الطبيعي بعد أكثر من شهرين في الشارع أن يخفّ حجم الحِراك وألا يبقى على الوتيرة نفسها، وهذا لا يعني أن الثورة تتراجع، بل على العكس، الثورة مستمرة في الساحات وما زالت موجودة في كل المناطق، وهناك مقاومة لمحاولات السلطة القضاء عليها.

إقرأ أيضاً: حكومة الثلاثة أشهر تُعيّد اللبنانيين «من كيسهم»!

ومن الطبيعي أيضاً أن يكون الناس في حال ترقب، وتشكيل الحكومة لن يخفّف من حركة الشارع، بل مع تأليفها أتصوّر أن يقوى الحِراك لأن رئيس الحكومة، بغض النظر عن موقفه السياسي ومَن أتى به، هو شخصية ضعيفة جداً، ومن المتوقّع أن يكون الوزراء أضعف منه. ولذلك ليس هناك وهم لدى الناس بأنها ستلبي الحاجات.
ما سنراه في السنة الجديدة ربما هو استمرار أزمة إعادة انتاج مؤسسات السلطة، لأن الحكومة لن تنال ثقة الناس، في حين أن أحزاب السلطة لن تستطيع استعادة التحالفات القديمة أو إحياء التسوية الرئاسية التي احتاجت إلى سنوات كي تتم، أو تجديد ما يشبهها.

والأهمّ أن الأزمة الاقتصادية بدأت ولا يمكن تلافيها، ولكن يمكن السعي لتقليل الخسائر وتَقاسُم الأعباء بشكل عادل كي لا تتحملها الطبقة الفقيرة لوحدها. لا يمكن امتصاص الأزمة، فسعر صرف الليرة سينهار، وضغط المصارف على الناس سيتواصل ويتخذ أشكالاً بشعة في عملياتِ سرقةٍ موصوفة لودائع الناس وتهريب الأموال إلى الخارج. كما أن قدرة مصرف لبنان على تأمين ما يجب مِن عملة صعبة لاستيراد المواد الأساسية لن تكون متاحة، وإمكان توفير رواتب للناس سينخفض، وهذا يعني أن مزيداً من الناس سينضمّون للثورة. وحتى الكلام عن مساعداتٍ لن يحلّ مشكلة لبنان، لأن هناك مشكلة هيكلية كبيرة وأزمة سيولة كبيرة، وهذا لا يُعالَج بمليارين أو 3 أو 4 مليارات من المساعدات. لذلك لا بد من السيطرة على الدين وارتفاع الفوائد، واستعادة الأموال المنهوبة، ووقف مشاريع الهدر الفظيعة والمستمرة. ويجب أن تكون هناك موازنة تحفز الاقتصاد من دون ضرائب، ويجب عدم بيع القطاع العام.

توقعاتي في 2020 أنه سيكون هناك نهوض شعبي كبير ومناطقي، ولا سيما داخل الطبقات الوسطى من بين الذين سيخسرون الكثير، ومن المتوقّع أن تشهد مناطق الثنائي الشيعي تحركات لن يكون بالإمكان ضبطها.

لا إمكانية للعودة لما قبل «17 اكتوبر»، فالسلطة تصدَّعت وقد تكون هناك مفاوضات اجتماعية وسياسية للتوصل إلى تسوية ما، أقرب إلى طروحات الثورة، وليس العودة إلى الوضع السابق، لأن ما طرحتْه الثورة من حكومة تكنوقراط وانتخابات نيابية مبكّرة وغيره، هو الحل الوحيد الواقعي. وحتى الدول المانحة التي تعلن دعمها للبنان، لن تقبل بأقلّ مما تطالب به الثورة. وسيكون هناك تغيير بالنظام الاقتصادي والمالي ونمط الحكم وأدائه، وإصلاحات لا تشبه ما قدّمتْه الورقة الإصلاحية للطبقة الحاكمة، لأن ما طرحتْه سيعني انفجاراً متسارعاً للأزمة.

السابق
موسم التشهير في لبنان!
التالي
السفارة الاميركية هادئة في بغداد.. إنسحاب جميع المتظاهرين