«حزب الله» يُقحم الإنتفاضة في «عنق الزجاجة»؟!

حزب الله
لم يمر خبر تكليف حسان دياب -مرشح الممانعة- مرور الكرام على الشارعين الداخلي والخارجي، فما هو دور حزب الله؟ وهل ستنجح حكومة دياب بإخراج لبنان من مأزقه المالي؟

بعد 74 يومًا من عمر الثورة و13 يوماً على تكليف حسان دياب تأليف حكومةٍ لا يبدو مسار تشكيلها خارجَ حسابات القوى القابضة على خناق اللعبةِ السياسية (وفق التسريبات التي بعضها صحيح وأكثرها قنابل اختبار وشد حبال بين أطراف 8 آذار)، إذ لا بشائر –حتى الآن على الأقل- بفرض الثورة واقعًا تغييريًّا يفرض على السلطة التخلي عن السعي إلى اجترار نفسها بمنطق المحاصصات البغيض الذي حكم تشكيل الحكومات منذ الطائف ولا يزال.

ومن بديهيات السياسة أن حزب لن يقبل بأي تنازل تجاه الحراك الشعبي ومطالبه، وخصوصًا تلك المتعلقة بأي تغيير في السلطة القائمة، بعد وصف السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين أزمة العملة الأجنبية في لبنان بـ”الخطّة الأميركية لإحداث فوضى تهدف إلى ضرب حزب الله، فالأميركيون باتوا يهملون مبدأ الحفاظ على الاستقرار الداخلي والأمني ويخططون لإيصال البلد إلى انهيار اقتصادي وغليان شعبي وشفير الانهيار لتطويع خصومهم”، مع اعترافه بأن حزب الله هو الجهة الوحيدة –برأيه- التي ستحافظ على تماسكها في حال الانهيار.

إقرأ أيضاً: «هجمة مرتدة» للسلطة.. والإنتفاضة «تشيح» عن «حزب الله»!

حزب الله الرافض لحكومة مستقلين

يرفض حزب الله حكومة المستقلين بالمطلق، إذ يعتبر أن “لا رُكَبَ” لديها في مواجهة خصومه الداخليين والخارجيين، وهو إذ يرمي البصر إلى المستقبل القريب يجد ارتدادات تمسكه بمواصفات السلطة القائمة أو بالتي يحاول استنساخها منها “سياسيًّا” (وهو استبدال ليس سببه فساد شخوص حكومة تصريف الأعمال أو سرقتهم المال العام، فهذان تفصيل صغير عندما “يحلبون بالصافي” مع مشروعه الإقليمي) هيّنة أمام الضرر الذي كان سيلحق بوضعه لو قبل بحكومة تكنوقراط إثر استقالة الحريري النهائية التي وضعت كرة النار في يده.

فبات مستعدًّا لأجل الحفاظ على مواصفاته الحديدية للحكومة لتحمل الصعوبات المقبلة عليه وعلى بيئته في حال لم يستطع الرئيس المكلف حسان دياب استدرار الرضى الدولي الذي يستدر بدوره الأموال إلى خزينة باتت مقفرة ومصارف قام القيمون عليها بتهريب معظم أرصدتها إلى خارجٍ بعضُه معلوم ومعظمُه مجهول، ومصرف مركزي يقف على حد الشعرة ويتعامل مع أزمات البلاد المالية يومًا بيوم، إلى درجة اضطراره إلى طباعة 9 أطنان من الليرة فئة 50 و100 ألف ليرة تلبية لارتفاع الطلب على السيولة، والتي على الأغلب لن تتسرب إلى أيدي الناس بكميات مفتوحة وغير محددة، خشية إيداعهم أرباحها في بيوتاتهم بدل البنوك التي فقدوا الثقة بها، عبر وضع قيود على سحوبات الليرة أيضًا، لكي لا يهتز التوازن بين الليرة وسعر صرف الدولار المستقر على الـ2000 ليرة منذ ثلاثة اسابيع فيرتفع ربما إلى 3000 ليرة أو أكثر.

فوبيا المؤامرة

وينظر الحزب بخلفية “فوبيا المؤامرة” إلى الحراك بصفته قسمين: أناس فقراء نزلوا للمطالبة بتحسين المعيشة، ومجتمع مدني مدعوم من الأميركيين يشكل خطرًا عليه إذ يسعى إلى إخراجه من الحكم بحكومة تكنوقراط، والأخطر إصدار هذه الحكومة بيانًا وزاريًّا يحوى بنودًا ذات فحوى اجتماعية واقتصادية ولا تتطرق إلى السياسة، ولا تُذكر فيه المقاومة ولا تُعطى شرعية ولا تغطى.

وقام الحزب بجهد كبير كي لا تصل الصدامات بين أنصاره وأنصار الحراك، وخصوصًا عند قطع الطرقات الذي أوكل معالجته إلى الجيش اللبناني، إلى مواجهات تهدد السلم الداخلي، فهو يعلم علم اليقين أن انهيار هذا السلم سوف يرافقه انتشار للفوضى وسقوط للمؤسسات ما يشكل تهديدًا كبيرًا للحزب، يتمثل في مسارعة مكونات الشعب الأخرى إلى استغلال الفوضى والتسلح بسرعة قياسية، ما يُفقده ميزة “الطرف الأقوى”.

وعندما اصطدم مخطط الحزب استعمال الحريري واجهة لاستدرار الأموال من المجتمع الدولي بصخرة الاتفاق الحازم، عربيًّا وأميركيًّا وأوروبيًّا، على منع إدخال أي أموال، استوعب الضربة بالذهاب إلى حكومة دياب، معوِّلًا على إنتاجها تشكيلة ذات وجهين: واحد للمجتمع الدولي وآخر للمجتمع الداخلي، وفي حال فشلها فإنه سينتقل إلى الخطة ب بالنفَس الطويل، القاضية باستغلال توقف المتظاهرين عن قطع الطرقات وانتقالهم إلى التظاهر أمام المؤسسات، لدفع الأوساط القضائية والعسكرية التي تدور في فلكه إلى ملاحقة خصومه في السياسة، كالرئيس فؤاد السنيورة والوزير محمد شقير وأمثالهما، والتغاضي عن الفاسدين السائرين في فلكه -وما أكثرهم- ولو كانوا فاسدين، كما أنه سيحرص حرص الأم على وليدها على مصادره المُدِرَّة للمال عصب الحرب، وأهمها اثنان:

المعابر غير الشرعية والعدد الضخم من الوظائف غير القانونية التي تدر أموالاً طائلة على محازبيه ومؤيديه، إضافة إلى محاولته الضغط على وزيري الخارجية والاقتصاد أو من سيليانهما في حكومة اللون الواحد الجديدة، للتوسط لدى النظام السوري لفتح معبرَي القاع والعبودية لرفع التصدير إلى البلاد العربية وإدخال العملة الصعبة وإنعاش الاقتصاد.

إستغلال حزب الله للنازحين

أما النازحون السوريون في لبنان، فقد حوَّلهم حزب الله ورقة يخدم بها محوره، فهو يتهم الأميركيين بعرقلة اتخاذ أي إجراءات جدية لإعادتهم قبل موعد الانتخابات النيابية عام 2020 والرئاسية عام 2021، لأنهم–كما يظن- يريدون إعادة هؤلاء في هذين التاريخين تمامًا لاتخاذهم وسيلة إلى إفشال بشار الأسد في انتخابات لن يتم الاعتراف بنتائجها من الاتحاد الأوروبي والشروع في إعادة إعمار سوريا إلا إذا اتَّبعت أعلى معايير الشفافية وبإشراف كامل وشامل من الأمم المتحدة، وفي أجواء آمنة، وإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين، وتأمين عودة النازحين وضمان وصولهم إلى مراكز الاقتراع بكل أمان، على أن تُجري السلطات إحصاء لبيانات قيد المقترعين وتنشره.

ويسعى النظام السوري بالاتفاق مع حزب الله إلى عدم إعادة النازحين، والطلب من الأمم المتحدة أن يصوتوا في أماكن تواجدهم، فإذا كانت الأمم المتحدة تستطيع مراقبة نزاهة الانتخابات في تركيا والأردن ومصر، إلا أنها ستلاقي عراقيل في لبنان (الذي يستضيف 1.3 مليون نازح مسجل وهم من سيُسمح لهم بالاقتراع، أما العدد الإجمالي فيصل إلى مليونين) يزرعها حزب الله لأجل تزوير الانتخابات وقلبها لمصلحة الأسد.

كما اشتمَّ حزب الله خطورة الأزمة المقبلة عليه وعلى بيئته من محاولة الأميركيين تكرار سيناريو العقوبات على حلفائه المسيحيين وعلى النظام السوري إثر قانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات جديدة، ماليًّا أو عينيًّا أو تكنولوجيًّا، على كل من يدعم النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب، فبدأ يخطط لاستعمال الأوراق التي يمتلكها أكثر من غيره في المواجهة، والمتمثلة بامتلاحه منظومة اقتصادية حاضرة للتفعيل والاستفادة في أي وقت.

إن حزب الله يعتمد لإدامة زخم المواجهة على صواريخه الموجّهة إلى إسرائيل وكونه الطرف الأقوى في الداخل وامتلاكه الأغلبية النيابية، ويأمل بأن يسمع الرئيس عون نصيحة أمينه العام حسن نصرالله بإجراء اتصالات مع الروس والصينيين والسوريين للعمل على وحدة اقتصادية مع سوريا وانفتاح على إيران وإدخال روسيا والصين إلى الساحة، من خلال امتيازات اقتصادية معينة تتعلق بالنفط والغاز، فلربما يتحول التهديد الموجه إلى حزب الله فرصة مهمة جدًا لا إمكان لتحقيقها في أي ظروف أخرى. 

السابق
بالفيديو: إشكال في ساحة النور.. والجيش يتدخّل
التالي
كارلوس غصن في بيروت.. هل تذكرونه؟