محمد شحرور يترجل من على فوّهة العقل العربي

محمد شحرور

رحل المفكر السوري المهندس الدكتور محمد شحرور، مساء امس الأول (السبت) عن عمر ناهز الواحد والثمانين عاما في دولة الامارات العربية المتحدة، هو الذي كان طموحه، منذ انهماكه في اعادة قراءة القرآن مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي “ان يرمي حجرا في مياه راكدة” تلك التي سماها التراث الذي اثقل كاهل العقل لدى العرب والمسلمين.

إقرأ أيضاً: محمد شحرور: العرب مهددون بالخروج من التاريخ

الراحل محمد شحرور الذي ولد في دمشق، ودرس في مدارسها، توجه الى الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٥٨ لدراسة الهندسة، وعاد في العام ١٩٦٤ الى جامعة دمشق معيدا في كلية الهندسة ومن ثم غادر بعد سنوات الى دبلن لينال شهادة الدكتورا في الهندسة المدنية عام ١٩٧٢. 

‏لم يكن انهماكه في دراسة الهندسة، وافتتاحه لمكتب استشاري في دمشق، ليفصله عن انهماكه في البحث الفكري، بل ربما حفّز لديه التفكر العلمي في مقاربة الدين والنص القرآني على وجه التحديد بمنهج جديد، فشحرور يقول في احدى مقابلاته، انه لم يقتنع بالشيوعية حين كان طالبا في الاتحاد السوفياتي، لكنه يقر انه كان عاجزا في ذلك الحين كمؤمن بالاسلام عن مجاراة ما قدمته الماركسية. 

‏ربما اختصر الراحل شحرور المنهج الفكري الذي سلكه في قراءة النص الديني، بما سمي نكسة عام ١٩٦٧، اذ قال، “هي المحطة الأولى التي دفعتني للاستقصاء اي نكسة 1967، فبين متديّن حمّل النساء الكاسيات العاريات وزر النكسة، ويساريّ حمّل الصلاة والصيام هذا الوزر، كان لا بد من البحث عن الخلل في العقل العربي، لكن حتى عام 1980 كنت أدور في فلك المسلّمات التي نشأت عليها لذلك لم تؤتي هذه المرحلة أيّ ثمار، وتبين لي أني أسير في طريق مسدود، إلى أن أعدت البحث بتجرد، واستطعت أن أرمي بعبء التراث عن كاهلي، فوصلت إلى إصدار كتابي الأول “الكتاب والقرآن” عام 1990”.

‏هذا الكتاب هو الذي احدث جدلا واسعا، واثار في وجه المفكر شحرور، سلسلة اتهامات، وردود وصلت الى حد اتهامه بالزندقة والتآمر على الاسلام.

 لكن الراحل شحرور الذي كان يصوب على العقل العربي، رأى “ان التغيير لا بد أن يطال العقل العربي بتركيبته، فهو في وضعه الحالي عاجز عن إنتاج المعرفة إذ يحتاج إلى الدقة، بينما هو عقل ترادفي يعتمد على الخيال بدليل أن القرن الماضي أنتج ثلاثة آلاف شاعر عربي ولم ينتج عالماً واحداً، لأن الشعر لا يعيبه الترادف ولا الكذب ولا الخيال، بينما لا ينطبق هذا على العلم”. 
 ‏
 وصف شحرور العقل العربي، بأنه “قياسي يحتاج لنسخة أصلية يقيس عليها، فهو غير قادر على الابتكار” واضاف الى ذلك “عقل يعيش تحت سقف فكرة الحلال والحرام والمسموح والممنوع، وسبب واحد من هذه الأسباب يجعل أيّ عقل عاجز عن إنتاج المعرفة، فما بالك بها مجتمعة، وطالما نحن مستهلكون لا منتجون سنبقى في ظلمتنا”.
الحرية بمفهومها العميق شغلت المفكر شحرور، الذي تصدى بادوات المعرفة لجذور الاستبداد، وهو منذ بدايات الثورة السورية في عام ٢٠١١، كان له موقف واضح من ان “الاستبداد السياسي في سوريا، هو ما اوقف التطور السياسي للمجتمع طيلة ٣٥ عاما”.

ما شغل بال شحرور  هو وعي الشعوب العربية، اذ اعتبر  أن الحرية هي كلمة الله العليا، وأن الله لم يطلب من الإنسان العبودية، بل طلب منه العبادية وشتان بين الاثنتين، فالأولى أن تطيع ولا تملك من أمرك شيئاً، والثانية أن تكون حراً في الطاعة والمعصية وتتحمل مسؤولية خياراتك، وتلك هي الأمانة التي حملها الإنسان، وأبت الجبال حملها، وكل هذا الذي نشهده هو مخاض ولا بد أن نمر به كي نستفيق”.

للراحل شحرور اكثر من عشرة مؤلفات تتصل بقراءة الاسلام والنص الديني وفي نقد التراث ابرزها كتابه المرجع (الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة) الذي صدر عام 1990. .

و (الدولة والمجتمع) عام 1994. 

(الإسلام والإيمان – منظومة القيم) عام 1996. 

 في قراءته النقدية لبنية العقل العربي، المتحكمة بنظم المعرفة، والعقل الجمعي،  انها  تنظر إلى سيرورة التاريخ باتجاه معاكس، ولذلك هي عصيّة على التغيير، إذ تعتبر أن السلف أكفأ من الخلف بكل نواحي الحياة، وحلمها العودة إلى الماضي دون النظر إلى المستقبل، وهذه الآبائية أعاقت التطور، والقمع لن يولّد إلا مزيداً من التمرد”. 

شحرور الذي انقسم حوله المؤيدون والمعترضون كان مؤمنا ان  “عجلة التطور لا بد آتية، ومن يقف في وجهها سينقرض، وما نشهده الآن هو بداية يقظة، فالأجيال الجديدة لم تعد مرنة أمام الاستعباد، بل بدأت تعي حريتها وكرامتها، وهي كغيرها تستحق الحياة الكريمة دونما قيود تستبد بها”.

الى دمشق مثواه الاخير يعود المفكر محمد شحرور، بعد ان حفر في العقل العربي معالم طريق للخروج من سجن الاستبداد بوجهيه الديني والعلماني، معالم التحرر تبدأ لديه من فوّهة العقل، لا من فوّهة البندقية.

السابق
إستهداف إسرائيلي لسوريا.. من سماء صيدا!
التالي
إسرائيل تستهدف قائد «الحرس» في سوريا.. عبر لبنان