المندسّون في الساحة وفردان وادي الجماجم

اعتداء حراس بري

لا يحق لأي كان، من الذين يدعون المشاركة في الانتفاضة، أن ينصّب نفسه شرطياً يمنع الكلام هنا ويهدّد صاحب رأي هناك. بل عليه إذا كان فعلاً محتجاً أو ثائراً أن يحضر المناقشات ويشارك فيها فيرفض رأياً ويدلي بوجهة نظر مخالفة، فلقاءات الحوار ليست في النهاية مكاناً لاتخاذ القرار وليست مجلساً تشريعياً يحدّد مصير البلد وانتفاضته.

إقرأ أيضاً: بالفيديو.. ضرب وتكسير سيارات: هكذا اعتدى حرّاس برّي على محتجين سلميين ليلا!

ميزة الانتفاضة الأصلية منذ انطلاقتها انها جمعت ما كان يصعب تخيل جمعه من فئات الشعب اللبناني، وبرنامجها في عناوينه العامة هو القاسم المشترك: وقف الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي ومحاسبة الفاسدين عبر قيام حكومة من “الايدي النظيفة” والعقول الحرة الموثوقة… وأي عنوان آخر لم يطرح لأنه قد يتحول عامل تفرقة. لكن ذلك لا يمنع نقاشاً في التفاصيل المتفرعة وهي تفاصيل قد تدخل في صلب الأسباب التي أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه.

كانت الخيم مقراً للنقاشات بين تجمع وآخر وبين تظاهرة واخرى. في التظاهرات العامة تبرز الشعارات التوحيدية العامة، وفِي ندوات الخيم المتعددة والمتنوعة تطرح القضايا التفصيلية. وفِي السياق شهدت الساحات عشرات اللقاءات المتخصصة، تحدث فيها باحثون وخبراء تفاعل معهم حضور تزداد خبرته في التحرك اليومي وزاد معارفه في تفاصيل الارض التي يقف عليها.

لا يمكن في نقاشات كهذه عزل المشكلة التي تتصدى لها الانتفاضة عن السياق العام لأوضاع لبنان ودور قواه السياسية المسؤولة عن إيصاله الى ما وصل اليه، كما لا يمكن التنصل من الواقع الإقليمي وتأثيراته، بما فيها تلك التي تهدّد بتحويله ساحة حرب لمصلحة هذه الدولة الغريبة أو تلك.

لم تكن قوى السلطة المتمسكة بأسلوب إدارتها وامتيازاتها بعيدة يوماً عما يجري في الساحات. في البداية أرسلت أزلامها لضرب المحتجين وحرق خيمهم، وجعلت من شارع فردان ما يشبه وادي الجماجم في عصر الامير بشير الثاني الكبير، ولشدة غضبها وتمادي فشلها، انتقلت الى محاولة خرق الانتفاضة من الداخل، فنصبت خيمها الى جانبهم، وأي ناشط في وسط بيروت يمكنه ان يتحول دليلاً سياحياً يشرح للزوار كيف تتجاور خيم رموز السلطة، المخابرات وبقايا الأجهزة مع خيم مواطنين وهيئات اجتماعية حملت أوجاعها الى الساحات للمطالبة بحق سلب منها.

المندسون باتوا في الساحة، والتسمية لا تعني الذين يعتدون على حق التعبير فقط، بل تشمل كل هؤلاء الذين يشككون بشرعية الانتفاضة، وما زالوا يتلاعبون ويتذاكون لمنعها من تحقيق أهدافها.

السابق
سعود المولى يسرد وقائع تصدم «الممانعة».. أخرجوا العلامة الأمين من لعبة «التهويد»
التالي
هل تصلب «الثنائية الشيعية» باسيل.. مرتين؟!