دراسة اقتصادية مفصلة.. للخروج من الأزمة المالية في لبنان

لبنان وضع اقتصادي
يواجه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ظهرت الى العلن منذ قرابة الشهرين مع شحّ الدولار في الأسواق ما انعكس سلبا على مختلف القطاعات.

تشير الوقائع الى ازدياد الأوضاع الاقتصادية والمالية سوءا في لبنان يوما بعد يوم، لا سيما مع شح السيولة في المصارف وهو ما ينذر بأزمة طويلة الأمد مع تعمق معاناة اللبنانيين الذين انتفضوا بوجه السلطة الفاسدة منذ 17 تشرين الأول احتجاجا على سوء الاوضاع الاقتصادية.

وفي ظلّ غياب الدولة والجهات المعنية عن معالجة هذه الأزمة المالية والاقتصادية المستفحلة، كان للدكتور إبراهيم مارون دراسة مفصلة، تحت عنوان “الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية في لبنان وسبل الخروج منها”، تتضمن حلولاً عملية يمكن ان يعتمدها أي مسؤول للخروج من هذه الأزمة الخطيرة.

إقرأ أيضاً: دراسة تكشف مسؤولية وزراء الطاقة عن الكارثة الاقتصادية!

والقى مارون هذه الدراسة يوم أمس خلال محاضرة له في ندوة اقامتها الحركة الثقافية – انطلياس من سلسلة ندوات تقيمها  الحركة في إطار مواكبة انتفاضة شابات وشباب لبنان.

أولاً: بعض مزاريب الهدر في مشروع موازنة 2020:

  1. حوالي 1500 مليار ل.ل. نفقات على 79 مؤسسة عامة تقوم بنفس الاعمال التي تقوم بها الإدارات العامة او لا تقوم بأي عمل منها، مجلس الجنوب، مجلس الانماء والاعمار، صندوق المهجرين، مؤسسة اليسار، المجلس الأعلى للخصخصة إلخ…
  2. 930 مليار و 186 مليون ل.ل. مواد وخدمات استهلاكية أي قرطاسية وكهرباء، وايجارات وما شابه.
  3. 1402 مليار و 776 مليون اكتساب أصول ثابتة أي شراء أراضي وابنية واستملاكات.
  4. تعويضات عن اعمال إضافية ومكافآت 25 مليار و 667 مليون ل.ل.
  5. مساهمات لهيئات لا تتوخى الربح 304 مليار و 98 مليون ل.ل.
  6. عطاءات لجهات خاصة 40 مليار و 41 مليون
  7. احتياطي للعطاءات 135 مليار
  8. نفقات سرية 40 مليار و 834 مليون ل.ل.
  9. وفود ومؤتمرات 10 مليار و 362 مليون ل.ل. بعدما بلغ 21 مليار سنة 2018.
  10. التنظيم والامن العام 1517 مليار
  11. تلفزيون وإذاعة ونشر ووزارة اعلام 86 مليار و 44 مليون ل.ل.
  12. مصلحة سكك الحديد 15 مليار و 5 مليون
  13. مدفوعات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: صفر نفقات.

ثانياً: إجراءات على الحكومة الجديدة القيام بها فوراً للخروج من هذه الأزمة المالية:

هناك ما لا يقل عن 21 اجراء، وهي:

  1. استرداد موازنة الـ 2020 وتنظيفها من الـ 34 مزراب هدر التي ذكرنا بعضها.
  2. اقفال المؤسسات العامة الـ 79 التي ذكرت، والتي هي غير مجدية لانها رديفة لوزارات وادارات عامة، وإعادة توزيع العاملين المثبتين فيها على الإدارات العامة حسب اختصاصهم، وإعطاء تعويضات صرف للمتعاقدين من بينهم.
  3. الصرف من الخدمة لل 5013 شخص الذين وظفوا قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، واعطاؤهم تعويضات صرف من الخدمة، وملاحقة من وظفهم على أموالهم الخاصة.
  4. البيع بالمزاد العلني لمئات السيارات الموضوعة بتصرف افراد في الإدارات العامة والأجهزة العسكرية.
  5. اقفال مراكز الإدارات والمؤسسات العامة التي فتحت في مختلف المناطق، بدون أي قرار من مجلس الوزراء
  6. تطهير إدارة الجمارك من الفاسدين فيها، المسؤولين عن التهرب الجمركي يتراوح بين مليار ونصف ومليارين دولار سنوياً.
  7. الامتناع عن أي انفاق استثماري، باستثناء الانفاق على انشاء معامل لتوليد الكهرباء، والانفاق على صيانة المعدات والبنى التحتية.
  8. تخفيض الفوائد على سندات الخزينة، الشيء الذي يوفر على الخزينة مليار و 500 مليون دولار، في حال خفضت هذه الفوائد بمعدل 2% فقط.
  9. تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين 50%، وهذا ما اتفقت عليه الأحزاب المشاركة بالحكومة المستقيلة بما سمي “الورقة الإصلاحية”
  10. تخفيض رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب السابقين الى 30% مما هي عليه حالياً، وتخفيضها خلال السنوات الثلاث المقبلة بمعدل 10% سنوياً لتصبح في السنة الرابعة ملغاة نهائياً.
  11. تحديد 8 مليون ليرة كسقف شهري للرواتب والأجور في معاشات التقاعد في القطاع العام، وتخفيض كل ما يتجاوز هذا السقف
  12. اخضاع القيمة الزائدة (plus-value) أي أرباح العمليات العقارية وعمليات القطع، للضريبة على الدخل
  13. توسيع صحن الضريبة على القيمة المضافة، لتشمل تجارة الأحجار الكريمة، تجارة المنازل الفخمة واليخوت.
  14. استحداث ضريبة دخل مقطوعة على العاملين الأجانب كما هو الحال في جميع دول العالم.
  15. عدم صرف مستحقات البلديات من الصندوق البلدي، قبل التدقيق المالي لحساباتها، باشراف ديوان المحاسبة.
  16. رفع مستوى الجباية الضريبية وملاحقة المتهربين.
  17. استرداد المال العام المنهوب من خلال محاكمات سريعة للفاسدين، بعد اجراء تشكيلات قضائية جديدة لتطهير القضاء من الفاسدين فيه، واجراء مباراة سريعة لزيادة عدد القضاة الجدد، وبعد منح القضاء الاستقلالية التامة. (تطبيق القانون 99/154)
  18. التفاوض مع أصحاب الأبنية التي تشغلها الوزارات والإدارات العامة والجامعة اللبنانية، والتي تعود ملكيتها بمعظمها لنافذين سياسيين او الى مدعومين سياسياً، من اجل تخفيض ايجاراتها التي تبلغ حوالي 150 مليون دولار سنوياً. (نصف بالمئة على 65 مليار دولار)
  19. فرض ضريبة على الأملاك البحرية والنهرية، التي من شأنها ان توفر 325 مليون دولار سنوياً للخزينة، بأقل تعديل (نصف بالمئة على 65 مليار دولار).
  20. شراء النفط حصراً من قبل الدولة، الامر الذي يوفر على الخزينة 220 مليون دولار سنوياً.
  21. من هذا الوفر الذي تحققه هذه الإجراءات المالية يمكن تخصيص الف مليار لشبكة الأمان الاجتماعي يتوزع على ثلاثة اقسام:
  22. قسم يعطى على شكل مساعدات نقدية شهرية لل 50.000 اسرة الأشد فقراً في لبنان، على أساس 400 الف ل.ل. بالشهر لكل اسرة، أي ما مجموعه 240 مليار ل.ل. سنوياً.
  23. قسم ثاني 500 مليار يعطى للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتغطية جميع الاعمال الطبية من استشارة طبيب وادوية وفحوصات، للذين ليس لهم ضمان صحي في لبنان، ويستثنى من هذه التغطية الاستشفاء الذي هو على عاتق وزارة الصحة.
  24. والقسم الثالث 260 مليار ل.ل. يضاف الى موازنة وزارة الصحة، ليخصص من هذا المبلغ 200 مليار لزيادة القدرة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية، و 60 مليار للنفقات الجارية لهذه المستشفيات.

إقرأ ايضاً: الدولار بين لبنان وسوريا.. حرب العبور على أجساد الفقراء

ثالثاً: إجراءات اقتصادية على الحكومة الجديدة اتخاذها للخروج من الأزمة

هناك 6 إجراءات:

  1. السعي فوراً لدى الدول الممولة لبرنامج “سيدر”، للحصول على الأموال التي رصدتها لهذا البرنامج في نيسان 2018، والبالغة 11 مليار و 6 مليون دولار منها 10 مليار و 200 مليون دولار على شكل قروض بفائدة واحد ونص بالمية، و 860 مليون على شكل مساعدات وهذه الأموال مخصصة لمشاريع في قطاع النقل والمياه ومعالجة المياه المبتذلة، والكهرباء والمواصلات ومعالجة النفايات والثقافة والسياحة وخلق منطقة صناعية.
  2. بما ان هذه المشاريع التي يلحظها برنامج “سيدر” هي شبيهة جداً بمشاريع إعادة الاعمال في التسعينات، التي كان دورها في الدفع للنمو الاقتصادي يكاد لا يذكر، على الحكومة الجديدة التفاوض مع الدول الممولة لهذا البرنامج، حول تغيير وجهة استعمال الأموال المخصصة لهذا البرنامج، بما يعزز الاستثمار والنمو الاقتصادي، من خلال اقراض 5 مليارات دولار من هذه الأموال، بفائدة ثلاثة ونصف بالمية للقطاع الخاص، على الشكل التالي:
  3. 2 مليار دولار للقطاع الصناعي
  4. مليار دولار للقطاع الزراعي
  5. مليار دولار لقطاع البناء
  6. مليار دولار للقطاعات الاقتصادية الأخرى باستثناء قطاعات المصارف والتأمين والتجارة.

اما الست مليارات المتبقية، فتوزع على القطاع العام على الشكل التالي:

  • 3 مليار دولار لزيادة انتاج الطاقة الكهربائية
  • مليار دولار للموارد المائية
  • مليار دولار لحل المشاكل البيئية من معالجة النفايات والمياه المبتذلة وما شابه.
  • 500 مليون دولار لانشاء مجمعات للجامعة اللبنانية (تطبيق المرسوم الصادر في 5/5/2008)
  • 506 مليون دولار لصيانة البنية التحتية.

اما أهمية هذا التوزيع الجديد لاموال “سيدر” فتكمن في:

  1. ضخ ما لا يقل عن 8 مليار دولار في الاقتصاد اللبناني، الامر الذي يدفع للاستثمار والنمو الاقتصادي.
  2. ضخ 8 مليار دولار في الاقتصاد الوطني، تولّد ما لا يقل عن 160000 فرصة عمل خلال السنتين القادمتين، على أساس كل 50.000 دولار تستثمر في لبنان تخلق فرصة عمل واحدة.
  3. تحويل 49% من الدين المترتب على الدولة من جراء هذه القروض، الى دين على القطاع الخاص.
  4. الفائدة المترتبة على هذه القروض، أي على العشرة مليار و 200 مليون دولار، يدفعها القطاع الخاص بكاملها.

هذا بما يتعلق بـ”سيدر”

  • اما الاجراء الاقتصادي الثالث الذي يجب ان تأخذه الحكومة الجديدة، فهو إعادة رفع الرسوم الجمركية الى ما كانت عليه قبل تخفيضها في العام 2000، ولكن فقط على السلع المستوردة المماثلة للسلع التي ينتجها لبنان، الامر الذي يوفر حداً ادنى من الحماية للإنتاج الوطني، مما يشجع على الاستثمار في لبنان.
  • الاقفال التام للمعابر غير الشرعية على الحدود مع سوريا، اقلّه من خلال هدم الطرقات الآتية من هذه المعابر، او حتى زرعها بالألغام، من اجل حماية الإنتاج الوطني من جهة، وزيادة الواردات الجمركية من جهة أخرى.
  • التفاوض مع سوريا لتخفيض الرسوم على الشاحنات اللبنانية المتجهة الى الخليج عبر العراق والأردن وفي حال رفضت سوريا هذا التخفيض، يجب معاملتها بالمثل برفع الرسوم الجمركية على الصادرات السورية الى لبنان واستعمال الزيادة في هذه الرسوم لدعم الصادرات اللبنانية عبر النقل البحري.
  • الطلب من حاكم مصرف لبنان التفاوض مع جمعية المصارف حول تخفيض معدلات الفوائد المصرفية الى النصف، لأنه في ظل تراجع الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، بسبب القيود المفروضة على السحب والتحويل والقطع، لم تعد المعدلات العالية للفائدة قادرة في الوضع الراهن على استقطاب الودائع لا من الداخل ولا من الخارج، فهذا التخفيض للفائدة من شأنه إعطاء دفع للاستثمار في لبنان. (هذا الامر حصل جزئياً)

رابعاً: الإجراءات النقدية

من المفترض اتخاذ هذه الاجراءات من قبل الحكومة الجديدة بالتنسيق مع حاكمية مصرف لبنان، للخروج من هذه الأزمة النقدية:

  1. الإبقاء على القيود التي وضعها مصرف لبنان على السحوبات والقطع والتحويلات الى الخارج حتى تشكيل حكومة يرضى عنها الشعب اللبناني المتظاهر. وعن هذا الامر أقول رغم كل الانتقادات التي لا أزال اوجهها منذ العام 1993 حتى الآن الى السياسة النقدية لمصرف لبنان، والتي هي منشورة بمجلات جامعية واعمال مؤتمرات. فلولا هذه القيود، التي ينتقدها عدد من اللبنانيين عن معرفة او غير معرفة، يمكن ان يتعرض الوضع النقدي للتدهور: احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، الذي تراجع من 42 مليار دولار نهاية ال 2017 الى 34 مليار و 500 مليون دولار في 19 تشرين الثاني 2019، كان سيتراجع الى 26 مليار و 600 مليون دولار في كانون الثاني 2020، والى 12 مليار و 500 مليون دولار في نيسان 2020 والى 3 مليار و 400 مليون دولار في حزيران 2020 حسب ميريل لينش والتي هي وحدة الأبحاث في bank of America. وهذا يعني ان مصرف لبنان سيفقد اهم سلاح عنده لمواجهة المضاربات ضد الليرة اللبنانية والله اعلم ما كان سيصبح عليه سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية بالاشهر القادمة.

اما الآن، فبفضل هذه القيود، مصرف لبنان يقدر ان يصمد بين سنة وسنة ونصف، في حال لم تشكل حكومة تحظى بثقة الشعب اللبناني المتظاهر، وبثقة الخارج.

  • هذا النوع من الحكومة سيسمح للبنان الحصول على أموال “سيدر” البالغة 11 مليار و 200 مليون دولار، الامر الذي سيؤدي الى إعادة تكوين وتعزيز الاحتياط اللبناني بالعملات الأجنبية ويبدأ لبنان بالخروج من ازمته النقدية. ايضاً مع هذا النوع من الحكومة، سيحصل لبنان على وديعة خليجية تقدّر حالياً ب 4 مليار دولار شرط ان يكون في هذه الحكومة وزير خارجية مقنع للحكومات الخليجية. وفي هذه المرحلة يجب على مصرف لبنان ان يبدأ تدريجياً بتخفيف القيود على السحوبات والقطع والتحويل الى الخارج لتعود الحركة الاقتصادية الى طبيعتها.
  • حظر التداول بأي عملة غير الليرة اللبنانية على الأراضي اللبنانية، عملاً بالمواد 11 و 192 و 225 من قانون النقد والتسليف الصادر في اول آب من عام 1963، ومعاقبة المخالف لهذا الحظر وفقاً للمادة 319 من قانون العقوبات مع الإشارة الى ان هذه المواد لا تمنع شراء عملات اجنبية او ايداعها بالمصارف.
السابق
حقوق النائب في الإستشارات المُلزِمة
التالي
السيول تغرق الساحل اللبناني.. المياه دخلت المنازل وجرفت السيارات