17 تشرين.. «الثورة المضادة»!

الاحتجاجات في لبنان
الثورة المضادة ليست فقط سياسية، هي أعمق من ذلك لأنّ الثورة أعمق من مجرّد محاربة للفساد أو استعادة للأموال المنهوبة أو تشكيل لحكومة. أخلت الثورة بالأسس المعنوية لهذا النظام، وهذا ما فهمه حراسه، ربّما قبل بعض الثوار.

فالثورة المضادة هي استرجاع لهرمية اجتماعية أخلّت بها الثورة عندما بدأت الناس تطالب بحقها، كما فعل بعض المتظاهرين في طرابلس عندما طالبوا مستشفى بإخلاء مريض دون التوسل لزعيم.
والثورة المضادة هي استرجاع لحدود مناطقية وطبقية خلعتها الثورة عندما احتلت الساحات والأملاك البحرية، بعدما أن منع لسنوات للناس بالمرور بها.
والثورة المضادة هي استرجاع لقدسية السياسيين، بعدما بهدلتهم الثورة وشعار «الهلا هلا هو»، شعار يحاول مناصري الأحزاب استملاكه بأي ثمن.

اقرأ أيضاً: ..وفي اليوم 41 السلطة تواجه الإنتفاضة بالطائفية!

والثورة المضادة هي استرجاع للتنظيم الطائفي للمناطق بعد أن انفتحت تلك المناطق على بعضها، فلم تجد الثورة المضادة إلا محور عين الرمانة – الشياح لتضعه بوجه تلك التضامن.
والثورة المضادة هي استرجاع لهرمية جيلية أخلت بها الثورة عندما حملتها أجيال جديدة، كانت ممنوعة من التعبير عن نفسها، فتحاول الثورة المضادة فرض «بي الكل» كاستعادة لجميع الأباء الذين فقدوا سيطرتهم في الشهر الفائت.
والثورة المضادة هي استرجاع لهرمية طبقية أخلت بها الثورة عندما كسرت الحواجز الطبقية وسمحت لبوادر خطاب طبقي بالظهور، قبل أن يعود شعار «شيعة، شيعة، شيعة» ليعيد كل واحد إلى مكانه الطائفي.
والثورة المضادة هي استعادة لدور الرجل وأزمة رجولته القاتلة بعدما أن هددت الثورة هذا الدور المتهافت، أكان في خطابها أو مجموعاتها أو رموزها، فأطلقت الثورة المضادة رجالها الغاضبين الباحثين عن تعويض لأزمتهم المزمنة.
والثورة المضادة هي استعادة لخطاب معارض عفن وفنه الخرائي بعدما قضت عليها الثورة، عندما فضحت خواءهم وخروجهم عن الزمن.

والثورة المضادة هي استعادة لتراتبية عرقية وخطاب للكراهية أخلت بهما الثورة عندما هتفت للاجئين في ظل حملة شيطنة لأي غريب.
والثورة المضادة هي استعادة لتطبيع حالة عدم المساواة التي أخلت بها الثورة، عندما صرخت كفى بوجه تنمرّ السياسيين وسرقتهم المتعجرفة.
والثورة المضادة هي استعادة لنظام جنسي قامع بعدما أن أخلت به الثورة، فأطلقت الثورة المضادة رجالها على الخيم مدفوعين بشعار واحد «لوطي، لوطي» ولاقهم شربل خليل بتغريداته المعادية لكل شيء.
والثورة المضادة هي استعادة لأولية المواكب بعدما أن أخلت بهم الثورة، عندما منعت مواكب النواب من التوجه إلى المجلس مجبرة إياهم بأن يحتموا بدبابات الجيش.

اقرأ أيضاً: ثورة لا تعرف اليأس.. و«دقوا راسكم بالحيط»!

والثورة المضادة هي استعادة لحالة الاستغلال في أماكن العمل، بعدما أن نقلت الثورة الصراع إليها، كما جرى مع الموظفة التي عارضت قرار صاحب القهوة بخفض معاشها.
والثورة المضادة هي استعادة لحالة الاغتراب التي كانت سائدة والتي أخلت بها الثورة عندما أعادت لكل واحد منا إحساسا بالانتماء لهذه البقعة من الأرض.
والثورة المضادة هي استعادة لخطاب كاره للنفس بعدما أن الثورة أعادت لكل واحد منا بعض من الحب للآخر ولبلده …ولنفسه.

الثورة المضادة اليوم هي عودة إلى ما كنّا عليه قبل 17 تشرين. ربّما إذا فهمنا ذلك، سنفهم شراسة الثورة المضادة. وشراستنا بمقاومتنا. 

السابق
بالصورة.. هذه المرة «قافلة الثورة» تنطلق من الجنوب الى كل الوطن!
التالي
الحريري يرد على بري: الحكومة تقوم بواجباتها