بين سياسة عض الأصابع وصراخ البلد!

ثورة
كرسها الشارع من شمال الوطن إلى جنوبه مرورًا ببيروت ووصولًا إلى البقاع وحدوده: "لا عودة إلى الوراء".

وفيما بقيت المراوحة سيدة الموقف بين سيد العهد الذي يقف جامدًا عند مبدأ “التأليف قبل التكليف” و”جبران مقابل سعد”، ورئيس  الوزراء المستقيل عند مبدأ الحكومة التكنوسياسية وعدم التدخل في عملها، وتحت أنظار مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا كريستوف فارنو الذي وصل بيروت الثلثاء موفدًا من الحكومة الفرنسية لمحاولة حل الأزمة في وقت تلوذ الإدارة الأميركية بصمت هو أبلغ من الكلام ووضعت الحكومة الروسية نفسها بعيدًا عن إمكان دخولها طرفًا في الحل بتصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في منتدى السلام بباريس بأنّ “فكرة تشكيل حكومة تكنوقرط هي أمر غير واقعي”، فجّرت عبارة من رئيس الجمهورية ميشال عون الشارعَ بعنف من جديد أسقط قتيلًا على مرأى من زوجته وطفله الصغير، في وقت لم تعد تقنع اللبنانيين المُحبطين تطمينات حاكم مصرف لبنان وإغداقه الكثير من المثاليات والطوباويات والوعود بمعالجة أزمة شح الدولار وهم يعاينون كلامًا في الهواء من الجهة الرسمية وفعلاً مؤلماً على الأرض من الجهة الرديفة -وهي قطاع الصيرفة- كرّس الدولار فوق حد الـ1900 ليرة في التداول، ينظرون يمنة فيجدون البنزين المفقود، وينظرون يسرة فيُصعقون بارتفاع الأسعار الفاحش، ينظرون خلفهم فيجدون شركات تطرد موظفيها، وينظرون أمامهم فيجدون حيتان مال صماء خرساء عن صراخهم، فلا يجدون إلا الساحات وعدًا صادقًا لغد أفضل لأولادهم.

إقرأ أيضاً: الحراك «يضرب» والسلطة «تتخبط»

وبخلاف ما كان متوقعًا، لم يتطرق الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كلمته بمناسبة يوم الشهيد إلى تشكيل الحكومة “لأن التداولات مستمرة” كما قال، معتبرًا “مقاومة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة” أصعب من “مقاومة الاحتلال”، ومعلنًا: “نحن جاهزون للمثول أمام القضاء ورفع الحصانة عن أي شخص في حزب الله يظهر متورطاً”. ورد نصر الله على اتهام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إيران بجلب الفساد إلى لبنان بسؤال: “أين فساد إيران في لبنان؟ إذا كان ثمة فاسدون فهم أصدقاؤكم”، وأضاف: “الشركات الصينية جاهزة للاستثمار في لبنان بمليارات الدولارات لكن الأميركيين لا يسمحون بذلك”. ولفت نصر الله إلى أن العقوبات الأميركية على حزب الله “تركت أثراً على الاقتصاد اللبناني والمصارف وتهدف إلى التحريض الداخلي، وخصوصاً ضدّ المقاومة”، عارضًا وسيلتين لإنعاش الاقتصاد اللبناني، وهما “مشاركة شركات لبنانية بإعادة إعمار سوريا” و”إرسال الإنتاج الصناعي والزراعي اللبناني إلى السوق العراقية القادرة بسهولة على استيعابه”…

فهل ينعكس اتفاق القوى الرئيسية في العراق على إنهاء الاحتجاجات بالقوة وإبقاء سلطة عادل عبد المهدي، وفق مشاركَين في اجتماع القوى لـ”فرانس برس”، زيادةً في تصلب “حزب الله” تجاه حكومة التكنوقراط الخالية من الأحزاب، بعد أن بات الحزب منذ خسارته ضمانته الاستراتيجية بخروج الجيش السوري جزءاً دائمًا من المشهد السلطوي بشقيه التشريعي والتنفيذي، للدفاع عن نفسه وسلاحه في مواجهة أي استهداف؟ وهل سيرفض بالمطلق استبدال حكومة الأوجه الجديدة بحكومة له ولحلفائه فيها الأكثرية أم سيرفض الخروج منها ولو رضي الجميع؟ وهل سيتجه، وفق مبدأ علي وعلى أعدائي، في حال استُنفدت المحاولات لإعادة الحريري بحكومة تكنو سياسية، للذهاب إلى مرشحه لرئاسة حكومة اللون الواحد؟

ومع اضطرار رئيس مجلس النواب إلى إرجاء ثان للجلسة التشريعية التي كان دعا إليها الثلثاء 12 تشرين الثاني إلى 19 منه، بعد إرجاء أول لجلسة 5 تشرين الثاني، إثر اعتراض فعاليات الحراك المدني ومنظماته على انعقادها، وتوجيه نداءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإضراب عام وحشد عارم أمام مجلس النواب لمنع وصول النواب، لاعتبارها جدول أعمال الجلسة ملغوماً، وخصوصًا بالبند الثامن بخصوص قانون العفو العام (عن 30 ألفًا من تجار المخدرات ومهربيها ومروجيها ومعظمهم محكومون غيابيًّا وهو مطلب حركة “أمل” و”حزب الله”، و1200 من الموقوفين الإسلاميين باستثناء المتورطين بدم الجيش والقوى الأمنية وهو مطلب “تيار المستقبل”، و5000 من الذين تعاملوا أو تعامل آباؤهم مع إسرائيل خلال احتلالها لبنان وفروا إليها بعد انسحاب جيشها ومعظمهم لا يزال خارج الأراضي اللبنانية وهو مطلب “التيار الوطني الحر”) الذي أثار إقحامُه في الجدول على عجل وبنصه الحرفي قبل استقالة الحكومة قبل الجلسة بستة أيام فقط (في 6/11/2019 وخلال احتدام الثورة) وتحديدًا من نائبي كتلة “التنمية والتحرير” ميشال موسى وياسين جابر، شكوكاً كبيرة في محاولات لإلباس الذئب ثوب الحمَل وشطب المطلب الأهم من مطالب الثورة عبر تبييض سجلّ بعض متولي السلطة المشتبه بتعديهم على المال العام بطريقة دستورية تكون سلاحًا في أيديهم للتهرب من المحاسبة، بعد أن صوروا البند “وسيلة لتعزيز السلم الاهلي ويساهم في اعادة اللحمة بين ابناء الوطن الواحد”، ما يكرر سيناريو سلاح “حزب الله” الذي لطالما فَجَرَ في خصومة اللبنانيين ببند “جيش وشعب ومقاومة” في الحكومات المتكررة والكل يعرف أنه لم يستحصل عليه إلا بالترهيب والتعطيل والقمصان السود والإعلام الكاذب.

اقرأ أيضاً: من «محاسن» الثورة..

ومع اعتراف عون بـ”فقدان الثقة بين الشعب والحكومة”، وبوجود متطرفين بين المحتجّين يحاولون الانقلاب على العهد، اعتبر نهوض المتظاهرين مرتكزًا داعمًا له للقيام بالإصلاحات، لأنه “مكبل بالتناقضات في الحكم والمجتمع”. وعمّا يروَّج من أن موعد الاستشارات النيابية هو الخميس أو الجمعة أجاب عون: “صحيح، لقد ذلّلنا صعابًا كثيرة، وننتظر إجابات على نقاط وإلا سنتأخر بضعة أيام، لأننا نريدها حكومة منسجمة”، كاشفًا أن “الحريري متردّد بشأن العودة رئيسًا حتى الآن”، ومؤكداً أن توزير جبران باسيل هو من يقرِّره، “فلا أحد يمنع رئيس أكبر كتلة نيابيّة من أن يكون وزيرًا”، معلنًا تأييده “حكومة نصف سياسية ونصف تكنوقراط”. واعتبر عون أنّ “حزب الله من ٢٠٠٦ ملتزم القرار ١٧٠١، وفُرض عليه حصار مالي طاول كل اللبنانيين بهدف ان يصطدم بعضنا ببعض، لكني لن أسمح في عهدي بحرب أهلية. لا يمكن لأحد أن يفرض علي ان أتخلص من حزب يشكل ثلث اللبنانيين ويدافع عن نفسه”.

أما العبارة التي أشعلت الشارع بعد إنهاء المقابلة التلفزيونية مباشرة وأعادته إلى 17 تشرين الأول وأظهرت أن القضية ليست قضية رمانة بل قضية قلوب ملآنة، فهي إعلان رئيس الجمهورية رفضه “شعار كلن يعني كلن، فلا يزال هناك أوادم سينهضون بالبلد، ومن يظن أن لا أوادم فليهاجر من البلد”، فهل ينتهي عض الأصابع بحكومة اللون الواحد، أم بحكومة يرأسها غير الحريري برضاه، أم حتى بـ7 أيار جديد، أم يعود الحريري خانعًا لشروط عون وحزب الله ويتم استخدام العنف لإنهاء تظاهرات الشارع؟ 

السابق
باسيل يحذر من جدران العزل.. المؤامرة بدأت تنكشف!
التالي
خلدون جابر الى الحريّة: «تعرّضت للضرب»!