حزب الله دخل على خط الانتفاضة اللبنانية… وهذه خياراته

حزب الله
انقسم الرأي العام حول مغزى ظهور العلم اللبناني وراء نصرالله في إطلالته.

ما قبل كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله التي بُثّت عصر اليوم الجمعة 25-10-2019، ليس كما بعده، وقد تثبت الأيام المقبلة صحة ذلك، إذ إن المؤشرات كثيرة على ذلك، وأهمها تواجد مناصريه في ساحة رياض الصلح ومحاولاتهم اختراق الحراك عبر افتعال المشاكل مع المتظاهرين.

المشكلة لم تبدأ اليوم، إذ توجهت مساء أمس (24 أكتوبر) مجموعة مؤيدة للحزب للتظاهر في ساحة رياض الصلح، هاتفة بشعاراتها الداعمة ومنها “كلن يعني كلن، نصرالله أشرف منن” و “لبيك يا نصر الله”، متصادمة مع كل من يتعرض له.

تكرار الاستفزاز

وبعد ظهر اليوم وقبل كلمة نصرالله توجهت مجموعة مشابهة إلى الساحة لكن بعدد أكبر، محاولة اختراق المتظاهرين السلميين مرددة الشعارات ذاتها، لكن المتظاهرين ردوا على ذلك بشعار “كلن يعني كلن، نصرالله واحد منن”، ما تسبب بعراك بالأيدي والعصي بين المجموعتين ما أوقع عدداً من الجرحى بين المتظاهرين.

حاولت قوة مكافحة الشغب التدخل، ونجحت في ذلك حين طوقت مؤيدي حزب الله.

ومع بدء كلمة الأمين العام هدأت الأوضاع، ورُصد تحرك من القوى الأمنية لسحب المؤيدين إلى خارج ساحة رياض الصلح، وحصل ذلك بالفعل حين انتهت الكلمة.

الغريب أن القوى الأمنية رافقت مجموعة المناصرين وأمنت مرورهم من أمام المتظاهرين للخروج، لكن الاستفزازات المتكررة بين الطرفين، أشعلت المعركة مجدداً، فرشق المناصرون المتظاهرين بالحجارة وقناني المياه وعصي الأعلام، فطاردتهم القوى الأمنية واعتقلت بعضهم، بيد أنها أطلقت سراحهم لاحقاً بعد نحو ساعة، ورافقتهم مجدداً للخروج من الساحة، ما تسبب مجدداً باستفزازهم وتصادمهم مع المتظاهرين.

علامات استفهام

ثمة علامات استفهام كثيرة، على أداء القوى الأمنية في ساحة رياض الصلح اليوم، فرجال الأمن في المعركة الأولى التي حدثت بين المتظاهرين والمناصرين، لم يكن عددهم قادراً على كبح العنف الحاصل، خصوصاً من قبل المؤيدين.

ومع وصول التعزيزات عُزلت المجموعتان عن بعضهما البعض، إلا أن القوى الأمنية عادت لارتكاب الأخطاء حين رافقت المؤيدين صوب المتظاهرين لإخراجهم من الساحة.

كما تكرر الخطأ ذاته، مع إطلاق سراح المعتقلين، وهنا لا بد من التساؤل بحسب كثيرين تواجدوا في الساحة، “هل ثمة نية لدى الدولة لحث المجموعات الموجودة في الساحة على التصادم، وربما إراقة الدماء، ما سيجعل القوى الأمنية تتدخل وبقوة لفض التحرك الشعبي، ومنع الجميع من التواجد في الساحة؟

ويبقى لافتاً عدم تحضر القوى الأمنية لأي معركة قد تحصل، والبطء في التحرك، ومن يعرف منطقة رياض الصلح وشارع المصارف، يدرك أنه يوجد أكثر من مخرج لمرافقة المؤيدين من دون التصادم مع المتظاهرين، ولمَ هذا الإصرار في المرة الأولى والثانية لخروجهم من منفذ قرب المتظاهرين؟

أسئلة ترددت كثيراً في الساحة، وملاحظات سجلت على أداء القوى الأمنية.

حراك

اقرأ أيضاً: عصبة نوح زعيتر ترهب بعلبك بأمر من «حزب الله»

مشادات كلامية

لم تتوقف المعركة بين المؤيدين للحزب والمتظاهرين عند الضرب والشتائم، وتخطت ذلك إلى معارك ومشادات كلامية. فالمؤيدون يعتبرون الحراك المطلبي والشعبي منذ تسعة أيام “مدعوم من أميركا وإسرائيل”، في حين يرد المعتصمون على تلك المقولة بأن “لا سوريا ولا إيران رح بتفك الاعتصام”.

الدعم الخارجي

وخلال كلمة نصر الله سأل عن داعمي الحراك، وقال “معلوماتنا ومعطياتنا تفيد بأن الوضع خطير، ولم يعد حراكاً شعبياً بل هناك تدخل من سفارات أجنبية. وعلى اللبنانيين التحقق مما طرأ مؤخراً على الحراك، عكس ما كان عليه في بداياته، وأن يتنبهوا مما يخطط للبنان كما حصل لبلدان أخرى”. ودعا الناس الى “ألا يصدقوا ما تقوله السفارات لأن المطلوب التحقق من أفعالهم وليس من أقوالهم”.

هذا الخطاب ليس بجديد على اللبنانيين، إذ منذ عام 2005 بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق، كل حركة سياسية أو شبابية أو بيئية أو مطلبية لا تعجب الحزب وتتنافى مع مخططه، من الطبيعي أن تكون تابعة للخارج. ومن الأمثلة على ذلك، التسمية التي تطلق على المعارضين الشيعة لسياسة الحزب “شيعة السفارات”. ولوحظ ان نصرالله في إطلالته ظهر وراءه العلم اللبناني دون علم حزب الله. وانقسم الرأي حول هذه الملاحظة إذ اعتبر بعض المتظاهرين انها محاولة منه ليعطي “طابعاً لبنانياً” لمواقفه، وهو المتهم دائما بالتماهي مع إيران. بينما بعض الآخر عدّه دليلاً على انه “الحاكم في لبنان”، وهو بكلامه وضع خريطة الطريق لرئيسي الجمهورية والحكومة، والحدود التي عليهما ان لا يتجاوزاها.

حل بديل

اللهجة التصعيدية التي ظهرت في خطاب نصر الله، تظهر أن الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما: التخويف أو الترهيب، والنزول إلى الشارع للتظاهر.

الخيار الأول أسقطته مدينة النبطية، حين نزل الناس بالآلاف بعد الاعتداء على المتظاهرين، واستمرار الحراك الشعبي في المدينة بزخم لليوم التاسع على التوالي. يدرك الحزب جيداً أن لغة الترهيب والمنع لم تعد تجدي نفعاً مع فئة لا بأس بها من “سكان الجنوب”.

أما الخيار الثاني وبدأ تنفيذه فعلياً ليل أمس، التظاهر في الساحات، لكن بشعارات الحزب وأفكاره، وقد ينتج من الخيار الثاني المواجهة مع المتظاهرين التي قد تؤدي إلى الدم لا سمح الله.

والترجمة الفعلية للخيار الثاني بدأت في رياض الصلح، حين هتف المؤيدون ضد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وللأخير حصة كبيرة من الشعارات المنددة، خصوصاً بعد الحصار المالي على الحزب والعقوبات الأميركية التي طالت مموليه.

في المقابل، لا تشكيك في صحة كلام نصر الله أن الموجودين في الساحات والمؤيدين له ليسوا حزبيين، ومن المعروف مدى التزام عناصر الحزب بتعليمات قيادييه.

ولاء المناصرين

لكن في الوقت ذاته، ثمة ثقة عمياء لدى هذه القيادة، بمدى ولاء مناصريها ومؤيديها، إذ يعتبرون الأمين العام من “المقدسات” التي يجب ألا تمس، والأمثلة كثيرة على ذلك في لبنان ومنها ما حصل مع الكاتب الساخر شربل خليل منذ سنوات، حين قلد شخصية حسن نصر الله في برنامجه التلفزيوني “بس مات وطن”، ما تسبب بغضب مناصريه الذين عمدوا إلى قطع الطرقات وإحراق الإطارات في عدد من المناطق.

من هذا المنطلق يعوّل الحزب على إنهاء الحراك الذي أشاد به نصرالله وانتقده في الوقت ذاته، عبر مناصريه الذين لن يسكتوا عن تعرضه للشتم أو الانتقاد.

تحذير وإشادة

في سياق متصل حذر نصر الله، من أن الاحتجاجات التي تجتاح أنحاء لبنان، “قد تدفع البلاد نحو الفوضى والانهيار، رافضاً الدعوات إلى استقالة الحكومة ورئيس الجمهورية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة”. وأشاد نصر الله بالاحتجاجات التي أدت إلى إعلان الحكومة إصلاحات اقتصادية “غير مسبوقة” في الأسبوع الحالي، لكنه قال إنه يجب البحث عن حلول للمضي قدماً، وفي الوقت نفسه تجنُّب فراغ خطير في السلطة. وفي ختام الخطاب، دعا مؤيدي “حزب الله” إلى الانسحاب من ساحات التظاهر. 

استمرارية الحراك 

استمرت الاحتجاجات في لبنان لليوم التاسع على التوالي في كل المناطق، وقطع المحتجون الطرق منذ الصباح في العاصمة بيروت وفي الجنوب والبقاع شرق لبنان وفي الشمال، للضغط على السلطة لتستمع إلى مطالبهم، ولمنع المواطنين من مزاولة أعمالهم وفرض إضراب عام. واستخدم المحتجون الحواجز الحديدية لقطع الطرق، كما استخدموا الخيم التي بات فيها عدد منهم ليلتهم في الشوارع والساحات، خوفاً من أن تقوم القوى الأمنية بفتحها ليلاً.

واستخدم بعض المحتجين أجسادهم لقطع الطرق وافترشوا الأرض لمنع السيارات من المرور.

السابق
الداخلية تتخذ «إجراءات تأديبية» بحق محافظ الشمال!
التالي
البدء بالتوقيت الشتوي في هذا التاريخ