من «يزرع» الكوارث السياسية «يحصد» الإقتصاد المر!

لبنان
لا يختلف إثنان على أن الوضع الذي وصلنا إليه في لبنان، وما نعانيه في الفترة الأخيرة خاصة بعد تشديد العقوبات الأميركية على حزب الله وتأثيرها على لبنان ككل، وما يجري على صعيد سعر صرف الدولار وتداعياته على الأوضاع الإقتصادية والحياتية اليومية.

هذا الوضع هو من أسوأ ما يكون وقد نكون بذلك دخلنا مرحلة الإنهيار المؤدي ربما إلى إفلاس الدولة وهو وضع لطالما حذر منه الخبراء والمتابعون لطريقة إدارة أمور الدولة بما فيهم – يا للمفارقة – المسؤولون في الدولة أو بعضهم على الأقل رغم بعض التطمينات التي تبرز من وقت لآخر في محاولة يائسة لضخ بعض الدم في شرايين هذا الوطن المسجى في غرفة العناية الفائقة بينما أهله يختلفون على جنس الملائكة والشياطين الذين أوصلوه لهذا المصير المأساوي.

اقرأ أيضاً: من المسؤول عن وجع المال؟

الواقع أن هذا الوضع لم يكن مفاجئاً، ولا هو سقط علينا بالصدفة أو نتيجة كوارث طبيعية، بل هو إن صح القول جاء نتيجة طبيعية وحصادا مر للكوارث السياسية التي مر بها البلد ولا يزال منذ زلزال إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي لم نزل حتى اليوم نعاني من إرتداداته الخطيرة التي أطاحت بالدولة ككيان سياسي مستقل وبالدستور كعقد إجتماعي متفق عليه بين اللبنانيين.
كانت البداية مع يوم 8 آذار 2005 يوم نزل حلفاء النظام السوري بقيادة حزب الله بعد أقل من شهر على إغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أُتهم النظام السوري بقتله من قبل أنصار الحريري ومؤيديه وطيف واسع من اللبنانيين، نزل حلفاء النظام ليقولوا شكرا سوريا بعد قرار خروج القوات السورية من لبنان تحت ضغط الشارع اللبناني والضغوط الدولية بعد عملية الإغتيال، بعدها بأسبوع نزل أنصار الحريري وحلفائهم في ما أطلق عليه ثورة الأرز يوم 14 آذار تحت شعار الولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري والذي جاء كرد على تحرك حلفاء سوريا وكانت بداية الإنقسام اللبناني المدعوم والممسوك خارجيا الأمر الذي أدى لهدنة بين الطرفين كان من ثمراتها المرة ما سمي يومها الإتفاق الرباعي الذي كان أول مسمار دق في نعش الدولة والدستور، والذي سمح بإجراء إنتخابات نيابية إنبثق عنها حكومة إئتلافية كالعادة بين كل مكونات الطيف السياسي اللبناني، و”حكومة” موازية لها تحت مسمى جلسات الحوار الوطني تبحث في ما أتفق على تسميته إستراتيجية دفاعية بهدف إيجاد حل لمعضلة سلاح حزب الله وحصرية قرار الحرب والسلم بيد الحكومة اللبنانية مجتمعة، وهو ما أثبتت الأيام أنه كان ولا يزال مجرد حلم من جهة ومحاولة كسب وقت من جهة أخرى وكانت حرب 2006 التي نسفت كل ما كان من تفاهمات وأسقطت الأقنعة وبات اللعب عالمكشوف بين محورين محور إيران ودمشق الذي يسعى لإعادة الإمساك بالورقة اللبنانية لإستعمالها في مواجهاته الإقليمية ، ومحور السعودية التي تسعى للتمسك بإتفاق الطائف وإعادة العمل به بدون الإعتماد على الوصي السوري.  وعلى الرغم من إعلان حزب الله إنتصاره عسكريا في حرب 2006 إلا أن هذا النصر لم يكن كافيا على ما يبدو، فكان أن عاد من الجبهة لينقض على الحكومة في حركة تذكرنا بحركات الجيوش العربية المنهزمة أمام إسرائيل التي كانت تنقض على السلطة في بلدها كي تبرر هزيمتها بضعف السلطة السياسية وعمالتها.
وكان إعتصام وسط بيروت الذي إستمر إكثر من عام ونصف وما رافقه من إغلاق لمجلس النواب كي لا يصوت على قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وما خلفه من أضرار على الوضع الإقتصادي وكان بذلك بداية طريق الجلجلة رغم الجهود الجبارة التي بذلتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يومها بحسن إدارتها للأمور التي جعلت النمو يصل يومها رغم كل الظروف إلى حوالي 6% أو أكثر قليلا، إلى أن كان يوم 7 أيار يوم إجتياح بيروت وما تلاه من إتفاق الدوحة الذي أبرم ليكون مؤقتا فبات دائما كعادة كل مؤقت في لبنان، وكانت الإنتخابات والإنقلاب عليها مجددا سياسيا أولا ومن ثم عبر القمصان السود لفرض حكومة ميقاتي وإستمر الوضع بالتراجع ومعه الإقتصاد ، دون أن ننسى الإغتيالات التي طالت سياسيين ونواب وإعلاميين من فريق 14 آذار، ثم جاء الفراغ الرئاسي الذي دام سنتين بسبب من أن حزب الله وحلفائه قاطعوا جلسات إنتخاب الرئيس وذلك رفضا لإنتخاب غير العماد ميشال عون وهكذا كان، وطبعا عبر تسويات سياسية هي مفروضة بنهاية الأمر بفعل غلبة السلاح ولا داعي للتلطي وراء أصابعنا للتغطية على هذا الفساد السياسي الذي يؤدي تلقائيا إلى الفساد الإقتصادي، جرى كل هذا في ظل تقدم قوى الثامن من آذار مقابل تراجع وتراخي بعض قوى الرابع عشر وتواطؤ البعض الآخر حتى وصلنا لنحصد اليوم ما زرعناه بالأمس . لا نقول هذا لنحمل المسؤولية لطرف دون الآخر، فالكل مسؤول بمكان وبدرجة ما، وكما أن تبرئة طرف من المسؤولية وإلقائها على آخر بالكامل أمر غير صحيح ولا موضوعي، كذلك فإن شعار كلن يعني كلن الذي يطلقه بعض الناشطين، والذي يضع الجميع في سلة واحدة هو أمر غير سليم ومجحف.

اقرأ أيضاً: إستعيدوا سيادة الدولة.. تستعيدوا وفرة الدولار

الواضح أن قوى الثامن من آذار ومن وراءها من قوى إقليمية كان لها الدور الأكبر واليد الطولى في ما وصلنا إليه اليوم وهذا ليس تبرئة للفريق الآخر ولكن كما قال الإمام علي عليه السلام، من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأصابه، فقوى الثامن من آذار  بفعل سياساتها المرتبطة بالمحور الإيراني الذي أدى إلى أن تتدخل في سوريا ويمتد تدخلها إلى العراق واليمن مع ما جره هذا على لبنان من مصاعب ومشاكل جراء التطاول على السعودية ودول الخليج الداعم التقليدي الأكبر للبنان وإقتصاده. وهو ما يجره اليوم أيضا من عقوبات وصعوبات يتأثر بها لبنان وشعبه بالكامل جراء وضع حزب الله نفسه كرأس حربة في الدفاع عن إيران ومصالحها في المنطقة في حال إندلاع مواجهة مع أميركا هي المسؤولة بنسبة كبيرة عن الوضع الحالي، يترافق هذا مع ضعف في مواقع الدولة الأساسية وهو ضعف طبيعي نتيجة العجز عن فرض هيبة الدولة وفرض تطبيق قراراتها التي هي أصلا تتخذ بموافقة ممثلي حزب الله في الحكومة لنستمر في جني الحصاد المر جراء زرع سياسات خاطئة وغريبة عنا وعن مصالحنا وأحلامنا في بلد طبيعي نعيش فيه ما تبقى لنا من أيام بهدوء ونتركه من بعدنا لأولادنا بدل البحث لهم عن بلاد أخرى تأويهم.

السابق
جنبلاط: حلول «سيدر» وهمية.. ولا بدّ من العودة للتجنيد الإجباري!
التالي
إنقاذ قطة علقت داخل هيكل سيارة!