واشنطن تراهن على القوي.. ولو كان حزب الله

منير الربيع

مظلّة الثقة بين اللبنانيين والأميركيين مثقوبة. تجربة حلفاء واشنطن التاريخية في لبنان تؤكد ذلك. واليوم ثمة لوعة لبنانية من الأميركيين، وهي تتجدد عند كلّ محطة أو مفصل.

بارجة الخسارات
أما حين يواجه المتحالفون مع واشنطن بسؤال: هل تؤدي التحركات الأميركية إلى تغيير في موازين القوى، أو تحسين شروطهم؟ يسارعون إلى الإجابة فوراً وبكل بداهة: “هل من أحد يراهن على الأميركيين؟”. السؤال وجوابه من أبرز الدلائل على فشل كل الرهانات، وخصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية تلعب بيلياردو، مصوّبة على هدف لتصيب آخر. وهذا ما يضع المراهنين عليها في حال خسارات متتالية، وانتظار دعم أو ظفر لا يصلان.

اقرأ أيضاً: استهداف السعودية بندٌ إيرانيٌّ ثابت

لا بد من الإشارة إلى هذه الخسارات، تزامناً مع رسو بارجة حربية أميركية في مرفأ بيروت، وتوجيه دعوات لوزراء ونواب وشخصيات سياسية إليها، هي رسالة تأكيد أميركية إلى الاهتمام بلبنان ودعم حلفائها فيه، وللقول إن هذا البلد غير متروك. فوصول البارجة يتزامن مع عقوبات تُفرض على حزب الله، وقد تُفرض في الأيام المقبلة على حلفائه.

يذكّر مشهد البارجة في بحر بيروت، بأخرى لطالما لوح الأميركيون بإرسالها إلى الشواطئ اللبنانية بين العامين 2007 و2008، في عزّ الانقسام العمودي اللبناني. آنذاك وصلت بارجة حربية أميركية إلى قبالة الشواطئ اللبنانية، فاستشعر المتحالفون مع واشنطن قوةً، وظنّوا أن القوات الأميركية ستقلب الميمنة على الميسرة… فاجتاح حزب الله بيروت في 7 أيار 2008، تحت أنظار البارجة وأبراج مراقبتها ومناظيرها.

قبل ذلك لم تكن تجربة القرار 1559 مشجعة. فالضغط لإخراج الجيش السوري من لبنان في العام 2005، كان خطوة في سبيل تسليم لبنان بكامله للإيرانيين. فحزب الله هو من أمسك بمفاصل السياسة اللبنانية ما بعد حرب تموز والقرار 1701، الذي رعاه الأميركيون أيضاً، وتمكن حزب الله بقوته واستناداً إلى الأمر الواقع، من التشبث بقرار الحرب والسلم والتفاوض، وبرعاية دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب. حتى عندما جاءت البوارج الأميركية إلى الشواطئ اللبنانية في العام 1983، تعرّضت لعمليات أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من قوات المارينز، وخسر حلفاء واشنطن حروبهم، لا سيما حرب الجبل.

… وأسطولها العتيق 
بدأ الدخول الأميركي المباشر إلى لبنان في الخمسينيات، بعد انضواء لبنان في حلف بغداد. وهو الحلف الذي تفكك في ما بعد، وكان هدفه مواجهة الرئيس جمال عبد الناصر، فيما ناصر يدخل في مفاوضات مع ريتشارد مورفي، أي مفاوضات مع الأميركيين. وهذا دليل على أن الأميركيين يعملون على تطويق طرف معين بحلفاء آخرين ليلجؤا إلى التخلّي عنهم، لحظة وصولهم إلى إتفاق مع الطرف الذي يفرضون عليه الحصار أو يواجهونه. وتجلّت انعكاسات النكسة الأميركية على لبنان آنذاك بانسحاب الأسطول الأميركي السادس، وفشل الرئيس كميل شمعون في التجديد لنفسه، فذهب مع هبوب رياح ثورة 1958.

ضربة أرامكو
تأتي البارجة الأميركية إلى الشاطئ اللبنانية أمس، معلنة الدعم للبنان وعدم تركه، مرفقة بحملة ضغوط على حزب الله وحلفائه، وسط ادعاءات بأن واشنطن لن تتخلى عن حلفائها.

لكن البوارج الأميركية موجودة في الخليج العربي، والتحالف استراتيجي بين الأميركيين والسعوديين، وهو بالتأكيد أوثق وأعمق وأهم من التحالف بين واشنطن وجزء من اللبنانيين. هذا فيما تتعرض السعودية لأعنف الضربات، وخصوصاً شركتها النفطية الكبرى أرامكو. أليست هذه إشارة قاطعة إلى أن ما تريده واشنطن يتخطى الرهانات اللبنانية، بل العربية كلها؟

الرهان على الأقوياء
الغاية الأميركية واضحة: الذهاب إلى اتفاق مع إيران. كأنما واشنطن تبرر الوسائل كلها للوصول إلى ذلك الاتفاق. بعض الإشارات والرسائل الأميركية في المنطقة أو في لبنان، أصبحت واضحة للبنانيين: العقوبات من جهة، والسعي إلى إطلاق المفاوضات لترسيم الحدود البرية والبحرية، من جهة ثانية. مع وما تعنيه المفاوضات من ضرورة إرساء استقرار معين في لبنان، وعدم إغفال موافقة حزب الله عليها.

هنا يضغط الأميركيون بكل وسائلهم على لبنان الدولة، وعلى حزب الله أيضاً. لكن الحزب لا يبدو متأثراً بهذه الضغوط. فهو يمتلك أوراق قوة، بخلاف الدولة اللبنانية. لذلك بيدو الوضع حالياً سباقاً دولياً مع الزمن: تلويح أميركي بفرض عقوبات جديدة على حلفاء حزب الله، وعلى المحسوبين على رئيس الجمهورية، الذي يستعد للمشاركة في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ما يريده الأميركيون من ضغوطهم، هو الضغط على رئيس الجمهورية، وعلى كلمته المرتقبة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. فواشنطن غير راضية على الموقف الرسمي اللبناني، أو وكأنها تريد القول إن على لبنان أن يلتزم بما تريده إسرائيل، والدخول في مفاوضات معها. هذا النوع من المفاوضات لا يمكن أن يحصل، بدون موافقة حزب الله، وبدون تخفيف التصعيد الإيراني – الأميركي. هذا يعني أن واشنطن تريد الاستعراض الإعلامي في لبنان، مع حرصها على دورها فيه وشراكتها معه. لكنها بالتأكيد لا تهتم بمن يكون القوي فيه، حتى ولو كان حزب الله. 

السابق
المالكون القدامى يهددون بـ «الإعتكاف الضرائبي» حال المس بقانون الايجارات
التالي
الطائرات المسيرة وسيلة تركيا وإيران لتعويض الخسائر إقليمياً