أيّ لبنان بعد سقوط القرار 1701!

الحدود اللبنانية الإسرائيلية
أما وقد وضعت جولة الرد والرد المضادّ أوزارها بين قاعدة «أفيفيم» في شمال فلسطين المحتلّة وقرية دير ميماس اللبنانية، وعاد المواطنون الى ما يشبه حياتهم الطبيعية، لا سيما الجنوبيون منهم الذين هاموا على وجههم مع انطلاق الجولة المذكورة، فلا بدّ من التنويه بالإنضباط الذي أحاط بمسار العمليّة العسكرية، بما يؤكد اليقين لدى كلّ من إسرائيل وحزب الله باستحالة الرد على الرد. الغرابة أنّ بيان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المقتضب والمنضبط والذي غابت عنه التهديدات المألوفة لدى قادة العدو، جاء ليعلن بكلّ تأكيد إنتهاء العملية، وليسدل الستار على مضاعفاتها، وحصرها بالرد المدفعي الإستعراضي على أطراف قرية مارون الراس.

يرجّح عدد كبير من المتابعين أنّ جهوداً دوليّة بذلتها روسيا وفرنسا ساهمت بإخراج الأزمة بالشكل الذي شهدناه، والسبب في ذلك امتعاض الولايات المتّحدة من النشاطات الميدانية الإسرائيلية، التي كان آخرها وصول المسيّرتين الإسرائيليتين الى الضاحية الجنوبية وانفجار إحداهما، والذي يُستدل منه أنّ اسرائيل تحاول إدارة الصراع بين الولايات المتّحدة وإيران ونقل المواجهة معها الى حدودها مع لبنان. هذا ما يبرّره تكثّيف الضربات الجويّة على أذرع إيران في سوريا ولبنان والعراق، في الوقت الذي تُدرك فيه اسرائيل إنّ إمكانية الرد ليست متاحة سوى من الساحة اللبنانية بسبب التشتت الحكومي في العراق وسيطرة الجيش الروسي على جنوب سوريا، في حين ترى الولايات المتّحدة أنّ العقوبات الإقتصادية وتطويق إيران وإرهاقها وتشكيل ائتلاف دولي يصادر هيمنتها على الخليج العربي، تحت مسمّى حرية الملاحة، هو السبيل الأنجع لتحقيق الأهداف الأميركية، والتي قد لا تحققها الحروب الطويلة الأمد.

 إنّ إسقاط الخيار العسكري حالياً من قِبل الولايات المتّحدة تؤكّده البرودة الأميركية في التعاطي مع الجهود الفرنسية التي ابتدأت قبل قمّة الدول السبع، ولا زالت مستمرة لإيجاد أرضيّة مشتركة تساهم في عودة الأمور الى ما قبل الإنسحاب الأميركي من الإتّفاق النووي. هذا ما يبرّره الهدوء الأميركي بعدم القيام بردّة فعل حيال إعتداء إيران على أكثر من ناقلة نفط، وحتى حيال إسقاط  طائرتها المسيّرة (Global Hawk) فوق مياه الخليج. إضافة الى ذلك فالولايات المتّحدة تقوم بتدمير قدرات إيران بتطوير صواريخها البالستية وآخرها إفشال وتفجير تجربتين لإطلاق صواريخ تحمل أقماراً إصطناعية، كما أنّها مستمرة بتجفيف المصادر الماليّة لحزب الله، بدليل وضعها جمّال ترست بنك وثلاثة شركات تابعة له على لائحة العقوبات. 

تدرك الحكومة اللبنانية، التي غابت كليّاً عن المشهد وتماهت مع الإنضباط الذي ساد العملية ولم تكلّف نفسها بدعوة المجلس الأعلى للدفاع لإجتماع وتنصّلت من تقديم أيّة إرشادات أو تعليمات للمواطنين حتى تلك المتعلّقة بتنظيم الإنتقال على الطرقات التي غصّت بالمواطنين الخائفين، إنّ كافة القرارات الدوليّة المتعلّقة بلبنان من القرار 1559 وحتى القرار 1701 إنما وضعت قواعد إشتباك هي عبارة عن إلزامات برسم الحكومة اللبنانية التي وافقت على تطبيقها، وفي مقدّمتها بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها. وإنّ إلتزام المسؤولين باستعمال عبارة تغيير قواعد الإشتباك التي سوّقها حزب الله، بعد سقوط المسيّرتين الإسرائيليتين في الضاحية الجنوبية، هو موافقة ضمنيّة على اعتبار الحزب هو المعني بقواعد الإشتباك المترتبة على القرار 1701 وليس الدولة اللبنانية. 

بالأمس أسقط الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله القرار 1701 في مجال تعليقه على العملية الأخيرة، حين أكّد أنّ الحدود الدوليّة سقطت وأنّ فلسطين المحتلّة أضحت ميداناً مفتوحاً لعمليات حزب الله المستقبليّة، هذا بالإضافة الى تأكيده على دور الحزب في حماية الأجواء اللبنانية من الطائرات المسيّرة الإسرائيلية، موجّهاً كامل الشكر للمسؤولين اللبنانيين الذين ثبتوا في مواقفهم وتبنّوا الدور الذي يقوم به الحزب. لقد حدّد الأمين العام لحزب الله الأدوار المقبولة للدولة اللبنانية وهي إنقاذ الإقتصاد وتأمين الخدمات للمواطنين، كما أقصاها عن كلّ ما له علاقة بالأمن والدفاع. فهل يمكن اعتبار إسقاط القرار الدولي بمثابة دعوة مفتوحة للحرب يوجّهها حزب الله بعد أن فشلت إيران في فرض المواجهة في الخليج؟ وفي هذه الحال، كيف يمكن أن تواجه الحكومة المجتمع الدولي والدول المانحة مع قواعد الإشتباك الجديدة؟ وأيّ اقتصاد متعثّر يمكن أن تنقذه حكومة فقدت دورها السيادي؟ ومن يحمي لبنان من العقوبات الإقتصادية؟ 

اقرأ أيضاً: الجنوب والإعلام اللبناني «الممانع»!

السابق
شاب سوري يقتل حماته بمشاركة إبنتها!
التالي
لبنان بين فكي الموازنة المتهالكة والسيادة المتداعية