ترامب – خامنئي: رهانُ سنةٍ قاتِلة!

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحمّس لتسوية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني. كُثُرٌ سواه يشتهون أن يؤدوا دورَ الوسيط ويقطفوا الثمار. وفي عقود الزواج، أهل العروس وأهل العريس ربما يوافقون بناءً على مصالح مشتركة، ولكن لا قيمة لذلك ما لم يوافق العروسان. وحتى اليوم، تبدو صفقةُ واشنطن- طهران على النار. فهل نضجت وحان تقديمُها؟

كلام ترامب على إيران في قمة الـ «G7»، في بياريتزـ فرنسا، كان متفائلاً جداً: الاجتماع مع الرئيس حسن روحاني في غضون أسابيع أمر واقعي، وسيتم التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف. لديَّ حدس إيجابي. أفترضُ أنّ الإيرانيين لاعبون جيدون. ولا يسعهم تنفيذ ما قالوا إنهم ينوون القيام به، لأنهم سيواجهون قوة قاسية جداً… وأعتقد أنهم سيرغبون في عقد اللقاء».

اقرأ أيضاً: الإستراتيجية الدفاعيّة في مهبّ الطائرات المسيَّرة

ولزيادة الإغراء، قال: «إيران دولة لها قدرات عظيمة، ولا نسعى لتغيير النظام فيها. ما نريده هو ألّا تكون فيها أسلحة نووية وصواريخ بالستية. ونرغب في أن يحدث ذلك خلال فترة زمنية قصيرة».

إذاً، الواضح أنّ ما يريده ترامب هو إقرار الصفقة سريعاً. فالسرعة عامل أساسي لأنّ الطرفين يراهنان على الوقت:

يريد ترامب إبرام اتفاق مع إيران في مدى أشهر قليلة، أي قبل الدخول في عام 2020، عام الانتخابات الرئاسية الأميركية. وهو يحتاج إلى هذا الاتفاق ليكون ورقته الرابحة في التحضير لولاية جديدة. فمن مصلحته أن يختتم ولايته باستثمار الاتفاق مع إيران، بعدما افتتحها باستثمار الاتفاق مع منظومة الخليج العربي بـ450 مليار دولار.

وفي المقابل، يلعب الإيرانيون على عامل الوقت. فهم يدركون حاجة ترامب إلى السرعة في حسم المعركة معهم. ولكن، هناك إتّجاهان داخل القيادة الإيرانية:

– الأول متشدّد يقوده مرشد الثورة علي خامنئي ويفضل إمرار المرحلة بالحدّ الأدنى من الخسائر، والمراهنة على أنّ ترامب لن ينجح في تجديد الولاية. وفي هذه الحال، يمكن أن يأتي الخلف أقرب إلى نهج الرئيس باراك أوباما، أي متهاوِناً معهم، ومتعاوِناً في سلوكهم المتعلق بالاتفاق النووي.

– الثاني أكثر تساهلاً ويعبّر عنه الرئيس روحاني. وهو يقول بأفضلية الإسراع وعقد الصفقة مع ترامب، بعد تحسين ظروفها إلى الحدّ الأقصى. وفي رأي هذا الفريق أن من العبث المراهنة على تغيير ترامب في 2020. فالرجل قد يحظى بفرصة جديدة، ويكون أمامه متّسع من الوقت لاستكمال الضغط على إيران حتى إخضاعها، خصوصاً في المجال الاقتصادي.

وينظر هذا الفريق بأهمية إلى الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تستهدف إيران، لأنها ربما تؤدي إلى انهيارات أكبر للدولة. واليوم يعيش الإيرانيون مرحلة شديدة الصعوبة نتيجة الحصار الأميركي المتصاعد.

لكنّ الفريق المتشدّد يعتقد أن لا لزوم للمبالغة في الخوف من ترامب وحصاره المالي، ما دامت إيران قادرة على الضغط بورقة النووي. فمنذ أعلن الأميركيون الانسحاب من اتفاق فيينا، من جانب واحد، رفع الإيرانيون مستوى استعداداتهم النووية وزادوا مستوى التخصيب إلى حدود 20%.

وهذا الأمر قد يمهّد لهم للحصول على سلاح نووي في فترة قصيرة نسبياً. وبالتالي، في رأي الفريق المتشدِّد، يمكن إجراء مقايضة جديدة مع الولايات المتحدة، ركيزتها الأساسية اتفاق فيينا. وربما يجد ترامب نفسه مرغماً على الاعتراف بهذا الاتفاق، خصوصاً أنّ مصالح الأوروبيين والعديد من القوى الدولية الكبرى تلتقي مع هذا الخيار.

يقول خبراء في العلاقات الأميركية- الإيرانية إنّ الطرفين يلعبان اليوم على حافة الهاوية، لكنهما حريصان جداً على عدم الوقوع فيها. وأساساً، لا أحد منهما يحمل «عداءً عقائدياً» بالمطلق للآخر. وهذا ما يرشَح عن الطرفين.

ولكن، يجدر التنويه بأنّ الحوار بين ترامب والإيرانيين سيكون في الواجهة مع روحاني، لكنه في العمق مع خامنيئي. فالقيادة المتشدّدة هي الأقوى في طهران. وفي سجلّ ترامب صدمات إيجابية كثيرة، منذ وصوله إلى الحكم.

من هذه الصدمات هجوم ترامب «الإيجابي» السريع على الخليجيين العرب، بعد الهجمات الحادّة التي شنّها على بعضهم خلال حملاته الانتخابية. ومنها أيضاً لقاؤه التاريخي المثير للجدل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، العام الفائت، بعدما كانت المواجهة بينهما تنذر بدخول المرحلة النووية. فما المانع من صدمة إيجابية جديدة مع الإيرانيين؟

في الانتظار، يمكن السؤال: ماذا سيفعل المستفيدون من المصالحة الإيرانية- الأميركية، وكيف سيتصرف الخائفون منها؟

يشجّع الأوروبيون اتجاه التسوية، وهم مستفيدون إقتصادياً من فكّ الحصار على إيران. ويهمّ روسيا والصين عدم إضعاف الحليف الإيراني. كما أنّ العرب يرتاحون إلى التسوية، لأنهم يأملون أن تضمن وقف التمدّد الإيراني في الشرق الأوسط.

وأما الأكثر قلقاً فهي إسرائيل المستفيدة من حال العداء بين واشنطن وطهران. فهي تخشى أن تؤدي الصفقة إلى منح طهران وحلفائها بعض الامتيازات في الدول العربية، ما يكرّس نفوذها على الحدود الإسرائيلية. كما تفضل إسرائيل استمرار صورتها ككيان محاصر بالأعداء، كي تحظى بعطف الولايات المتحدة ودعمها العسكري والاقتصادي والسياسي الدائم.

ومن هنا، يمكن فَهْمُ بعض التفسيرات لعملية الأحد في الضاحية. فهل هي فعلاً تشويش إسرائيلي على احتمالات التقارب الأميركي- الإيراني؟

إذا كانت هذه المقولة في مكانها الصحيح، فإنّ متغيرات مهمّة يمكن أن تطرأ على اللعبة، خصوصاً في العلاقة بين واشنطن و«حزب الله»، وفي مجمل «الستاتيكو» السياسي القائم حالياً في لبنان. 

السابق
كشف تفاصيل تقرير إسرائيلي مصنف «سرِّياً»
التالي
حزب الله ضعيف وخائف