التصنيف المالي الدَوْلي وتأثيره على حركة المستثمرين في المناطق الشيعية في لبنان

فيتش راتينيغ
انشغلت الأوساط اللبنانية كافة الرسمية وغير الرسمية قبل الأعياد الأخيرة وبعد الأعياد المجيدة انشغلت بمصالحة بعبدا الشهيرة والتي : " شالت الزير من البير " بحسب المثل الشعبي ، كما انشغل الجميع بعد الأعياد بجلسة الحكومة والتي أسفرت عن اجتماعات ولقاءات - كما يقولون باللهجة الدارجة - : " كترت حكي وبعدنا مطرحنا " ! ومن وراء كل ذلك كان الشغل الشاغل للجميع بالتصنيف المالي الدولي المرتقب للبنان والذي ينظر إليه السياسيون كوسيلة لجلب الاستثمارات الأجنبية من عربية وغير عربية ولبنانية اغترابية وغير اغترابية.

فالعرب والأجانب وجدوا مناطق أخرى تمكنت من اجتذابهم للاستثمار ، واللبنانيون المغتربون ضعف إيمانهم بوطنهم الذي لم يقدِّم لهم شيئاً وقد بدا ذلك واضحاً في حجم مشاركتهم في الانتخابات النيابية الأخيرة. فمن أصل خمسة عشر مليون مغترب لبناني تقريباً أن يشارك قرابة مئة ألف فقط في التصويت في الانتخابات الأخيرة في الخارج لهو مؤشرٌ كافٍ لإثبات صحة ما نقول، ولكن ينبغي أن لا نقطع الأمل بالله أن يُغيِّر الأحوال إلى أحسن حال.
وحول التصنيف المالي الدولي الذي تقوم به شركات غربية خاصعة لنفوذ الصهيونية العالمية من جهة، وتعمل لصالح السياسات الاقتصادية الأمريكية في الغالب من جهة أخرى، والتي قامت في المرحلة الماضية بإعطاء تصنيف B سلبي للبنان ليتساوي بذلك تصنيفه مالياً مع تصنيف دولة أوكرانيا، مع العلم أن في لبنان مخزوناً من العملات الأجنبية وحركة مصرفية لا توجد في أوكرانيا، كما أن ثلاثة أرباع الأمة اللبنانية المنتشرة في القارات الخمس تُقدر ثرواتها من أموال منقولة وغير منقولة بقرابة عشرة ترليون من الدولارات الأمريكية بحسب متابعة الرابطة الإسلامية الشيعية العالمية! ومن هؤلاء المنتشرين فرد واحد من بلاد جزين وكان يومها يقيم في أمريكا وقد زار يومها رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود وقد قدرت ثروة هذا الجزيني الواحد يومها بستين مليار دولار أمريكي وهو فرد واحد ويلعب دوراً مهماً في الصناعات الأمريكية ! كما كشفت التحريات عن رأسمالي لبناني آخر في أمريكا يساهم في تفعيل الصناعات الحربية والتسليحية الأمريكية وتم الكشف عن وضعه المالي زمن حكومة الحريري الأب عندما حاول هذا المستثمر امتلاك بنك في لبنان بمفرده فتبين أنه يُموِّل مصنعاً للطائرات القتالية الحربية في أمريكا! وفي أبيدجان وحدها في إفريقيا هناك أربعمئة مصنع يملكه لبنانيون إضافة إلى عدد كبير من تجار البناء وأكبر سنتر تجاري هناك بناه لبناني!

اقرأ أيضاً: تصنيف لبنان يتراجع نحو الخطر على تسديد الدين وبيان هشّ لوزارة المالية

كما أن التجار اللبنانيين يسيطرون على مساحات واسعة من أسواق التجارة في البرازيل! وفي أوستراليا عدد كبير من تجار البناء والعقارات والمقاولين اللبنانيين، أما في دول الخليج فقرابة نصف مليون لبناني هناك أسس بعضهم شركات كبرى وحصل على امتيازات مالية نادرة، فمهدي التاجر مثلاً في دبي هو خامس أكبر رأسمالي وثري في العالم وله بنت وحيدة تزوجها لبناني من آل حسون هو الذي يُشرف على إدارة أموال وشركات عمه في دبي والعالم. وهناك في البنوك التجارية اللبنانية وفي المصرف المركزي رؤوس أموال غير معلن عنها بحكم قانون السرية المصرفية المعتمد في النظام المصرفي والمالي اللبناني، ومنها في البنوك التجارية أكثر من مئة وعشرين مليار دولار أمريكي دخلت أصولها إلى لبنان قبل وبعد سقوط نظام البعث في العراق بحسب تسريبات بعض المقربين من قيادات عراقية سابقة، وقد خرج الحديث غير المباشر عن هذه الأموال للإعلام منذ سنوات على أثر خلاف حول ودائع سعودية في البنك المركزي فصرَّح حاكم مصرف لبنان يومها أن أكثر الودائع الأجنبية لدينا هي عراقية مما اعتبر استدراجاً له يومها ومن فلتات اللسان، ويدور خلاف حول الودائع العراقية البعثية هذه بين مودعيها وحاكم مصرف لبنان لا نريد الحديث عن تفاصيله. وكان من الممكن أمام هذه المعطيات وغيرها أن يكون تصنيف لبنان المالي الدولي الأخير أفضل بكثير مما هو عليه الآن إن لم نقل في مراتب الA فليكن B إيجابي ، وفي التصنيف الدولي المالي أفضل التصانيف تكون AAA، وهذا التصنيف لا تعطيه الشركات المصنِّفة إلا لمن ترضى عنه أمريكا ومن يدور في فلك سياستها!
والخلاصة التصنيف المالي الدولي الذي تعطيه شركات التصنيف المالية الدولية للدول يخضع للمزاج السياسي بالدرجة الأولى ولرغبات الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى.
ونحن بالرغم من كل ذلك لا ننكر تأثير هذا التصنيف على حركة رؤوس الأموال والاستثمارات في الدول التي تخضع له. وعليه فلبنان لا بد أن يتجه تصنيفه نحو الأحسن للمعطيات التي ذكرناها، ولكن سمعته بفساد سياسييه وفضائح مديونيته العامة وتخبطه في المشاكل الأمنية بين فترة وأخرى كل ذلك حال وقد يحول دون تحسين التصنيف ، وبدأت مخاوف المراقبين والمحللين والخبراء الاقتصاديين من وضع لبنان في تصنيف C الذي يعتبر نذيراً لإشعال الضوء الأحمر وإطلاق صفارة الإنذار الاقتصادية والمالية في كل الاتجاهات. ومما يهون الخطب في المرحلة الراهنة أن شركات التصنيف المالية الدولية منحت لبنان مهلة ستة أشهر إضافية لترقيع وضعه المالي قبل أن تعاود تصنيفه مالياً ، فهل ستتمكن الدولة اللبنانية من إحداث تغيير يُذكر في مهلة الستة أشهر المذكورة؟ أم ستبقى المعالجات الاقتصادية أسيرة الخلافات السياسية والأزمات المفتعلة بهدف التعطيل والتأجيل؟
ومع كل هذا فالأمل هو في أن يساعد التصنيف المالي الدولي الجديد في جذب الاستثمارات للبنان عموماً، ولحينه يخلق الله ما لا تعلمون، ولكن تبقى إمارات الطوائف هي الحكم والحاكم ، ففي الدائرة الشيعية لن يُحدث التصنيف الجديد تغيُّراً يُذكر، كون المشاريع كلها في المناطق الشيعية مرهونة برضى وإشراف الثنائي الشيعي، فمن أراد الاستثمار في المناطق الشيعية فعليه أن يكسب رضى الثنائي الشيعي أولاً وأخيراً ليتمكن من إنجاح مشروعه، فالبلاغات المضادة والإشاعات المغرضة بعد ترخيص أي مشروع استثماري لا يرضى عنه الثنائي الشيعي كافية وكفيلة في تعطيل أي مشروع استثماري اقتصادي في المناطق الشيعية مهما كبر أو صغر هذا المشروع الاستثماري، كما أن عدم رضى الثنائي الشيعي عن أي مشروع استثماري اقتصادي في المناطق الشيعية كافٍ وكفيل أصلاً في عدم منح هذا المشروع ترخيصاً من الجهات الرسمية! ويعمد الثنائي الشيعي في منحه الثقة لأي مشروع استثماري اقتصادي في المناطق الشيعية في لبنان يعمد لإخضاع أي مشروع من هذا القبيل للحسابات السياسية والتقييم السياسي ، فهو قد يوقف هكذا مشروع بحجة عدم السماح بالنفوذ السياسي والاجتماعي لمن لا ينتهج نهجه وسياسته ولا يؤمن بمنطلقاته الفكرية والأيديولوجية تارة، وتارة يُفسد الثنائي الشيعي الأمر على أي مستثمر في مناطق الشيعة باشتراطه عليه نسباً من الأرباح لدعم أنشطة الثنائي الشيعي المختلفة في لبنان على طريقة الخُوَّات التي كانت معتمدة في العلن أثناء الحرب الأهلية وما زالت معتمدة في السر وبمسميات متعددة بعد الحرب الأهلية، أو قد يفرض الثنائي الشيعي للمساعدة بترخيص أي مشروع من هذا القبيل قد يفرض على صاحبه أن يمتلك بعض رموز الثنائي الشيعي نسبة من أسهم المشروع تصل إلى واحد وخمسين في المئة في بعض الحالات، وإلا فسيكون حظ الترخيص الضياع في أروقة الدوائر الرسمية والعمولات الخيالية والرشاوى الباهظة!

وعلى سبيل المثال بلغنا عن مجموعة من المشاريع الاستثمارية الاقتصادية لبناء مصانع في جنوب لبنان من قبل مغتربين شيعة ولكن هذه المشاريع تم إلغاؤها بسبب الشروط المذكورة التي فُرضت من قبل الثنائي الشيعي على الراغبين بها ، فكانت النتيجة خسران مئات بل آلآف فرص العمل الجديدة التي كانت ستؤمنها هذه المصانع، ومن هذه المصانع مصنع ضخم للانتاج الزراعي كان سيُنشأ من قبل أحد المغتربين الشيعة على إحدى التلال في محيط بلدة السكسكية الجنوبية! وهكذا فإن لدينا ما يقرب من عشر ملفات من هذا القبيل في مختلف مناطق الجنوب اللبناني الشيعية وتوقفت بسبب تدخلات الثنائي الشيعي، علماً أن الثنائي الشيعي كان قد منح عبر بلدياته في العقود الأربعة الماضية عشرات التراخيص لمرامل وكسارات في الجنوب والبقاع اللبنانيين لأنه كانت له حصد الأسد من عائدات هذه المرامل والكسارات التي شوَّهت البيئة وشكلت أكبر جريمة بحق جمالية الطبيعة في المناطق الشيعية اللبنانية، وإن كانت قد توقفت مؤخراً بالقانون الأخير، ولو عادت فهي لا تقل خطراً عن عدوانية الأعداء الخارجيين على أرض ومياه لبنان.
وبكل هذه الإجراءات التعطيلية المذكورة لا يُخفي الثنائي الشيعي السياسي خشيته من تضخم القوة الثالثة الشيعية ويخشى من نفوذ فريق شيعي جديد في الساحة الاجتماعية الشيعية، لذلك يمارس شتى أنواع التعطيل للمشاريع الاستثمارية الاقتصادية غير الموالية أو المؤيدة أو المشاركة له في جنوب لبنان وبقاعه والأطراف حيث الثقل الشيعي السكاني! وحجة حزب الله وحركة أمل في تعطيل المشاريع الاستثمارية غير الموالية لهما في المناطق الشيعية هي الخوف من أن يؤدي التمدد الاقتصادي لأصحاب هذه المشاريع إلى التمدد السياسي، وهذا الوصف ينطبق على البعض وليس الكل، ويأتي هذا في الوقت الذي توقفت فيه عجلة اقتصاد الثنائي الاستثمارية بشكل كبير بسبب الضائقة المالية وهي التي كانت خجولة قبل الضائقة ، وبهذا يكون الثنائي الشيعي باللغة العامية: “لا بدو يرحم او لا بدو رحمة الله تنزل”، وبهذا ونظائره تكون سياسة الثنائي الشيعي وطريقة عمله الاجتماعي والاقتصادي في المناطق الشيعية في لبنان متَّجهة إلى تحويل هذه المناطق إلى مزرعة للنفوذ والتسلط على أكثر من صعيد! ويأتي هذا في الوقت الذي ينتقد الثنائي سائر الفرقاء السياسيين اللبنانيين على تحويلهم البلد إلى سياسة المزرعة لتحقيق غاياتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية!

اقرأ أيضاً: فضيحة شركة السفريات: فساد أنصار الثنائيّة الشيعيّة بالجملة والمفرق!

وبناءً عليه، فإن أي تصنيف مالي اقتصادي دولي للبنان من المرجعيات الاقتصادية الدولية فإنها لن تستفيد المناطق الشيعية اللبنانية منه ولا من عائداته شيئاً يحسن السكوت عليه وذلك لجهة الاستثمار بسبب هذا الواقع المأساوي الذي تُعاني منه مناطق الشيعة في لبنان كافة بسبب تسلط الأحزاب الشيعية بهذه الطريقة الجائرة، ثم يكذبون على الناس بوعود بحلول اقتصادية وكثير من الناس لفقرهم وجهلهم قد يرون فيما يتحدث عنه هؤلاء خشبة خلاص، ولا خلاص إلا بظهور المُخَلِّص… فيا مُخلِّص خلِّص كما يقول المسيحيون، أو قد يفرض الثنائي الشيعي للمساعدة في ترخيص أي مشروع استثماري أن يكون لبعض رموزه شراكة بأسهم المشروع تصل إلى واحد وخمسين في المئة! فأي تصنيف للبنان ستبقى به الاستثمارات في المناطق الشيعية محكومة لهذه المعادلة ، لذلك لن تستفيد مناطق الشيعة فائدة تذكر من الاستثمارات المرتقبة الموعودة فيما لو تم تحسين تصنيف لبنان المالي من المرجعيات الدولية، وهذا يستدعي تحرير الإرادة الشيعية من القيود التنظيمية قليلاً لإنقاذ بيئة المقاومة من الانهيار الاجتماعي..

السابق
تصريحات إيرانية «نارية».. جميع المطارات السعودية في مرمى الصواريخ!
التالي
سجال رجال دين «حزب الله» يظهر إلى العلن والسبب تأخير «التعميم»