«زواج المتعة» حلال.. ولكن مع الأخذ بآدابه وأحكامه الشرعية

زواج المتعة
إن الجدلية الفقهية بين المذاهب الفقهية الإسلامية ما زالت قائمة لجهة تحديد الموقف الشرعي من تعاطي الزواج المؤقت، أي زواج المتعة بحسب التعبير القرآني.

الفقه الإمامي الشيعي يرى مشروعية هذا الزواج مئة في المئة، وأن الولد الذي قد ينتج عن هذا الزواج هو شرعي مئة في المئة، وقد وافق بعض أتباع فقه غير الإمامية على القول بمشروعية هذا الزواج، وأذكُرُ أحد علماء دار الفتوى في لبنان وهو الشيخ قاسم شمَّاع الرفاعي، والذي كان يُلقي دروسه الفقهية والدينية في مسجد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، وهو من مشايخ دار الفتوى، كان في دروسه الفقهية وعبر الإذاعة الرسمية يقول بمشروعية هذا الزواج وإنه الحل للحد من مشكلة انتشار الزنى والعلاقة المشبوهة والخيانات العاطفية في الوسط الإسلامي، وكان الداعية توفيق الفكيكي من غير الشيعة الإمامية  في طرابلس يقول بهذا الرأي وكثيرون.

اقرأ أيضاً: زواج المتعة لممارسة الجنس بالحلال

كما أن البعض يحلو له التفريق بين الزواج المؤقت وزواج المتعة كالدكتور  الشرنبَّاصي – من علماء الأزهر الشريف في القاهرة – في كتابه: “أحكام الأسرة” الذي كان معتمداً كمادة لتدريس الشريعة في كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية، فكان الشرنباصي يرى مشروعية الزواج المؤقت وحرمة زواج المتعة، ولسنا في صدد تصحيح المباني الفقهية والحديث عن أدلة المشروعية من القرآن والسنة وسيرة الصحابة والقواعد النقلية والعقلية.

 والبعض تهَرَّب من الاعتراف بزواج المتعة، ولكنه اضطر لتشريع ما يُعادله في النتيجة من حيث الثمرات الاجتماعية، كتشريع زواج المِسْيار في دول الخليج، وتشريع الزواج العرفي في جمهورية مصر العربية ودول عربية أخرى، وهكذا اتفقت المساعي العملية على ضرورة الحد من الزنى والفواحش والمنكرات والروابط الجنسية غير المشروعة بتشريع رديف للزواج الدائم في معظم الدول الإسلامية، وذلك في ظل المعوقات الكثيرة من اقتصادية واجتماعية التي تواجه تعدد الزوجات، وإن كانت تونس قد فتحت الباب للتعدد بتقنينه ودعم المعددين من خزانة الدولة للحد من زيادة عدد النساء ولمواجهة انتشار الرذيلة في العلائق بين أبناء المجتمع التونسي..

 في حين ربطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية السماح بالتعدد بموافقة الزوجة الأولى في الدستور الإيراني، وهذا مخالف لرؤية مؤسس الدولة الذي صرَّح مراراً أن دستور البلاد هو دستور القرآن الكريم، في حين الواقع التقنيني يخالف ذلك في مسألة تعدد الزوجات.

وأما في لبنان فقد أساء البعض الاستفادة من هذا الحل الشرعي لمواجهة الفاحشة واستقرار الروابط الاجتماعية، وذلك بتجاوز أكثر المقبلين على هذا الزواج للضوابط الشرعية والآداب والالتزامات الأخلاقية، وخصوصاً في دائرة حزب الله، مما اضطر الحزب منذ مدة قريبة لأخذ قرار بفصل كل من يتعاطى زواج المتعة من عناصره المتفرغين والمتعاقدين، وهذا أيضاً خطأ مشابه لما وقع فيه الدستور الإيراني في مسألة ربط التعدد برضى الزوجة الأولى، ولو أن قرار حزب الله بقي عمليا حبرا على ورق بسبب صعوبة اثبات الزواج المؤقت غير المكتوب…

 والخروج من هذه المعضلة يكون بالتزام فتوى المرجع الأعلى للطائفة الشيعية السيد علي السيستاني الذي يُحَرِّم زواج المتعة على البنت العذراء بدون رضى ولي أمرها، والمسألة في رسالة المرجع السيستاني هي فتوىً وليست احتياطاً ليجاز الرجوع إلى غيره فيها، أما المطلقة المدخول بها من حلال والأرملة المدخول بها من حلال، فبإجماع فقهاء الشيعة يجاز لها أن تتزوج بالزواج المؤقت بدون إذن الولي كونها تصبح وليَّة أمر نفسها بعد طلاقها أو موت زوجها.

فبهذا وغيره من أحكام يمكننا أن نحدَّ من الدعاية المضادة التي يحاول البعض رمي المجتمع الشيعي بها، والمرأة في الزواج المؤقت لها مهرها الذي لا بد من ذكره في العقد عند إبرامه، ولا بد في العقد من تعيين مدة العقد، كما لا بد أن يكون العقد بالصيغة الشرعية لذلك يُستحسن أن يكون إبرامه عند العالم الديني ليكون شاهداً عليه أمام المحاكم المدنية حتى لا يتنكر المجرمون للولد فيما لو حمَلت الزوجة المؤقتة بالولد، فقد واجهنا العديد من حالات تنكر الزوج تارة والزوجة أخرى للولد مما ذاعت وشاعت فضائحه في المجتمع، وساهم في هدم التوجه نحو هذه السنة النبوية بشكل ملحوظ!

 وأذكر أن المرجع الراحل السيد محمد رضى الموسوي الگلبايگاني كان قد أنجب أحد أولاده من زواج المتعة، كما ورد أن محمد بن الحنفية هو من أولاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من زواج المتعة، وقد ذكر صاحب كتاب: “ليالي بشاور” اعتراف أئمة جميع المذاهب الفقهية الإسلامية ممارسة زواج المتعة عشرات المرات في التاريخ الإسلامي..

اقرأ أيضاً: بين «جهاد النكاح» و«جهاد المتعة».. ماذا يقول الشرع؟

 فزواج المتعة هو من الحلول الشرعية لمواجهة تزايد عدد المطلقات والأرامل في ظل الضائقة المعيشية وتزايد وسائل إفساد الشباب من وسائل تواصل وقنوات فضائية، ولكن سوء استفادة البعض من هذه السنة وعدم التزامهم بأحكامها، سيما مسألة العِدَّة الشرعية المتوجبة على الزوجة المؤقتة لكي تنتقل من زوج لآخر وهي شهر ونصف بحساب الأيام، وسيما عدم تحمل البعض مسؤولية الحَمْل لو حصل، وسيما عدم التزام الكثير بحرمة متعة العذراء الباكر من غير إذن الولي، أبوها كان أو جدها أو الحاكم الشرعي أو من يولِّيه الحاكم الشرعي حال وفاة الأب والجد، كل ذلك أدى لتشويه حقيقة هذه السنة التي هي في واقع شريعة الإسلام من الحلول الاجتماعية لمشكلة الزنى وتزايد عدد المطلقات بشكل فاحش بسبب الضغوطات الاقتصادية وتكاثر الأرامل بسبب الحروب المتزايدة في البلاد الإسلامية، فمتى يعود المسلمون لرشدهم ويفقهوا أبعاد هذه السنة التي نُحيل الغوص في أدلة مشروعيتها لكتب الشريعة وفقهائها؟

وهل سيبقى المسلمون يتخبطون في جرائم الزنى وغيره من جرائم الروابط الجنسية المحرمة لا لشيء سوى ليتنكروا لهذه السنة النبوية؟

السابق
سوريا تدعو الشركات الإيرانية للمساهمة في إعادة إعمارها
التالي
رئاسة المحاكم الجعفرية اللبنانية بين ورع الفقهاء وحماس المعممين