غدير… ضحية بيئة ومنظومة أوهن من بيت العنكبوت؟

...لن نقارب موضوع السيدة غدير الموسوي وما نتج عنه من تبعات من منطلق سياسي كونها إبنة النائب عن حزب الله السيد نواف الموسوي، ونستغل الحادثة - المأساة لنصوب على طريقة تعامل رجال حزب الله كبيرهم وصغيرهم مع مؤسسات الدولة اللبنانية فهو أمر معروف ولا يحتاج دلائل إضافية.

ما سنتناوله هنا هو ما أثبتته هذه الحادثة اي ما أحاط بقضية كريمة النائب نواف الموسوي وغيرها الكثير قبلها وبالتأكيد الكثير بعدها، من فشل لمؤسساتنا الدينية وهو الموضوع الجديد – القديم، والحاجة إلى إعادة طرحه مع كل قضية من هذا النوع، وعلى رأس هذه المؤسسات المحاكم الجعفرية التي قيل ويقال الكثير عن الفساد الذي يتفشى في أروقتها وهو فساد ليس مقتصرا عليها ولا محصورا بها، بل هو نتيجة فساد أكبر يبدأ من رأس الهرم وهو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي بات مجرد إسم ومؤسسة مشلولة، بلا فعل جدي وحقيقي نتيجة سيطرة “الثنائي الشيعي” وسياسة التحاصص حينا والتنافس العلني والسري بينهما حينا آخر.

فلا إصلاح هيكلي حقيقي، ولا إصلاح ومراجعة شاملة للقوانين الشرعية المعمول بها، وغياب حقيقي وغربة تامة عن معاناة الناس ومشاكلها الحقيقية من إجتماعية ومعيشية وعقائدية إيمانية، بل إقتصر الهم والعمل من “الثنائي الشيعي” على تأمين الجانب السياسي والإستمرار في تعبئة الناس سياسياً ومذهبياً، حتى يسهل عليهم دائما التحكم بالمصائر والخيارات التي تتلاءم مع مصالحهم السياسية وما تدره عليهم هذه المصالح من أرباح ومكتسبات، في بلد قائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية، دون أدنى إعتبار لمشاكل الناس الأخرى وخاصة الإجتماعية منها والتي هي المدماك الحقيقي لبناء مجتمع سليم وصحي ومتقدم.

القضية التي نحن بصددها هي قضية غدير الموسوي وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكن خطورتها أنها ضربت هذه المرة في عقر دار البيئة الدينية المرتكزة على فكر ديني يُروج له على أنه خشبة الخلاص للمجتمع وطريقه لدخول “الجنة” على الأرض وفي السماء.

اقرأ أيضاً: نواف الموسوي«يتيم» حزب الله!

هذه البيئة التي هي اليوم في عز “قوتها” السياسية والعسكرية والأمنية في لبنان والمنطقة، والتي يتنطح أحد طرفيها لحل مشاكل المنطقة العربية، هذه البيئة تبدو اليوم عاجزة عن حل مشكلة “عائلية” بين فردين من أفرادها رغم كمّ القوانين الشرعية، ونسبة إدعاء الإيمان القوي بين المنتسبين إليها، وكم المواعظ الدينية والأخلاقية التي يجري ضخّها في فكر وعقول المريدين، مع ذلك تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، من عدم الرحمة والتسامح مع أناس المفروض أنهم مسؤولون وأنهم قدوة في التصرف والتفهم والتفاهم إنطلاقا من فهمهم لصحيح عقيدتهم ودينهم الذي يبشرون به وبشريعته.

إن “الثنائي الشيعي” يرتكب اليوم خطيئة كبرى بإهماله الإصلاح في مؤسسات الطائفة الشيعية، خطيئة يدفع ثمنها المواطن العادي الذي لا يجد حلاًّ لمشكلاته خصوصا في قانون الأحوال الشخصية، من طلاق ونفقة وحضانة التي تنغص حياة الكثيرين من الناس خصوصا الفقراء منهم وغير المدعومين والمحظيين الذين لا يملكون “ثمن” الحلول لمشاكلهم، لقضاة أبعد ما يكونون عن معاني الدين والعقيدة والشريعة السمحاء التي إنما أنزلت لتصلح من أحوال البشر وتكون عونا لهم وحلاًّ لمشاكلهم.

اقرأ أيضاً: عن واقعة النائب الموسوي في الدامور: أنا متضامنة مع المستضعفين

إن تغاضي هذا الثنائي عن كل هذه القضايا والمشاكل، وحصر كل إهتماماته بالأجندة السياسية لأحزابه وأسياده الخارجيين، وبعد إلغائهم لكل المواقع المستقلة، بما فيها تعطيل المجلس الشيعي، إنما يساهم في إضعاف هذه البيئة التي يعول عليها ويستخدمها في كل معاركه السياسية، ليجعل منها بيئة ضعيفة واهنة “أوهن من بيت العنكبوت” وهو الوصف الذي لطالما إنتشينا ونحن نطلقه على بيئة عدونا، وليجعل من أبناء هذه البيئة وخاصة نسائها وللعائلة عموما، ضحايا لفشل هذه المنظومة الدينية والإجتماعية، وليظهر لنا في كل يوم مئة غدير، تضر بولدها على عكس ما أمرنا الله به من تسامح ومودة وتراحم. فماذا تستفيد هذه البيئة إن “ربحت” العالم وخسرت نفسها ومجتمعها؟ هل من مجيب؟

السابق
موسم عودة النجوم إلى دمشق.. ما هي الضريبة؟!
التالي
حريق كبير في وادي جهنم بين كفرحتى وعنقون