حرب الناقلات فرصة ترامب لتقاسم السيطرة على سوق النفط

ترامب

تكرار تفجير ناقلات نفط بالقرب من مضيق هرمز ينبئ بكوارث اقتصادية على إيران والسعودية ودول أخرى. بالمقابل يبدو أمام الرئيس ترامب فرصة ذهبية للوصول إلى مفاتيح سوق الطاقة، وهذه ميزة إضافية لوقف زحف التنين الاقتصادي الصيني.

حتى الآن لا يمكن التحقق من صحة أي من السيناريوهات المطروحة حول الجهة المسؤولة فعليا عن الهجمات على ناقلتي النفط في بحر عُمان. بعيدا عن ذلك نحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على التداعيات الاقتصادية المحتملة لهذا الحادث الذي ليس الأول من نوعه. بالنسبة لإدارة الرئيس ترامب وإسرائيل وحلفائهما في العالم العربي تتحمل طهران مسؤولية الهجومين على ناقلتي النفط في بحر عُمان. إيران بدورها رفضت الاتهامات الأمريكية التي لا تستند على أدلة ملموسة حسب وزير الخارجية محمد جواد ظريف. أما المواقف الأخرى الداعية للتهدئة فتبدو ضائعة وسط الغموض في مشهد يتجه إلى التصعيد وفي غاية الخطورة على الجميع. هذه الخطورة مردها من جهة إلى أن الهجومين يأتيان بعد هجمات مماثلة طالت قبل شهر ناقلات وسفن تجارية قرب ميناء الفجيرة. ويزيد الطين بلة أن الهجمات وقعت قرب مضيق هرمز الحيوي لصادرات النفط العالمية. وبما أن 20 بالمائة من هذه الصادرات تمر عبر المضيق قادمة من السعودية والإمارات والكويت وقطر بالدرجة الأولى، فإن تهديد حركة الملاحة فيه يؤدي فقط إلى جنون أسعار النفط. كما يؤدي أيضا إلى تصاعد التوتر السياسي والعسكري بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربية من جهة أخرى. وهو الأمر الذي ينذر بالمزيد من الهجمات التي تؤدي إلى توقف جزئي أو كلي لصادرات الذهب الأسود إلى أسواق الاستهلاك الرئيسية في عدد من الدول الصناعية.

اقرأ أيضاً: حرب الناقلات ـ سياسة «حافة هاوية» إيرانية أم ذريعة أمريكية؟

المعني الأول شرق آسيا

ربما لا يعرف الكثيريون أن الوجهة الأساسية للصادرات النفطية السعودية والخليجية حاليا ليست أوروبا التي تعتمد على مصادر طاقة روسية ونرويجية وجزائرية وليبية وأفريقية أخرى بالدرجة الأولى، كما أن هذه الوجهة ليست الولايات المتحدة التي تحولت مؤخرا من مستورد للنفط والغاز إلى مصدر لهما. وهكذا فإن القسم الأكبر من الصادرات المذكورة يتوجه إلى دول شرق وجنوب شرق آسيا وفي مقدمتها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية. فاليابان لوحدها على سبيل المثال تستورد يوميا 3.5 مليون برميل يوميا تشكل نسبة النفط السعودي منها 40 بالمائة والخليجي أكثر من 70 بالمائة. وتستورد الصين يوميا أكثر من 8 ملايين برميل يشكل النفط السعودي لوحده نسبة 14 بالمائة منها. وتعمل الصين والهند وكوريا الجنوبية على زيادة وارداتها النفطية من السعودية ودول عربية أخرى كالعراق للتعويض عن توقفها عن شراء أكثر من مليون برميل نفط إيراني يوميا خوفا من العقوبات الأمريكية ضد المتاجرة بهذا النفط.

أما اليابان التي توقفت أيضا عن شراء النفط الإيراني، فتستمر في محاولاتها الدبلوماسية لإيجاد حل للنزاع بين واشنطن وطهران بهدف الحفاظ على علاقاتها التجارية ومصالحها الاقتصادية القوية والحيوية مع إيران ودول الخليج . وهو الأمر الذي يفسر توجه رئيس الوزراء الياباني شينزو ابي بنفسه إلى العاصمة الإيرانية بحثا عن حل سلمي في وقت يتم فيه تصعيد الوضع في الخليج من قبل قوى الصقور المتخفية التي تدفع باتجاه نزاع عسكري. ومن هنا هل من قبيل الصدفة حدوث التفجيرين خلال الزيارة لاسيما وأن الشحنات كانت متجهة إلى شرق آسيا وأن إحدى السفن تابعة لشركة يابانية؟ الجدير ذكره أن الولايات المتحدة تريد من طوكيو استيراد المزيد من السلع الأمريكية ودفع المزيد من المليارات لقاء الحماية العسكرية. وهي مطالب لا تلقى الترحيب من قبل اليابانيين وحكومتهم. ومن ناحية المنطق وعلى ضوء النزاعات المتزايدة بين ترامب وبكين يبدو أن وراء التفجيرين أيضا رسالة إلى الصين التي بدأ ترامب معها حرب رسوم جمركية وصلت إلى شركة هواوي لتكنولوجيا الاتصالات، ويبدو أنها تتجه نحو قطاع الطاقة الذي لاتدور بدونه عجلة الاقتصاد المتسارعة في القارة الآسيوية بشكل يهدد الموقع المسيطر للولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.

كارثة محدقة بالخليج وفرصة لآخرين

من الواضح أن عرقلة فعلية لإمدادات النفط أو توقفها بشكل جزئي من منطقة الخليج ستصيب على المديين المتوسط والبعيد دول جنوب شرق آسيا وفي مقدمتها اليابان والصين بكارثة اقتصادية قد تكون الأقسى على التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية. وبالطبع فإن الضرر الفادح سيلحق بإيران وبالدول العربية المصدرة وفي مقدمتها السعودية التي تصدر يوميا أكثر من 7 ملايين برميل. ولن يغير من ذلك بشكل جوهري أن ارتفاع الأسعار بفعل التفجيرات يعوض نقص جزء من الكميات المصدرة. وقد قفز سعر النفط بعد التفجيرين الأخيرين في خليج عُمان بنسبة 4 بالمائة خلال أقل من 24 ساعة. وبالنسبة إلى إيران ليست الفداحة في توقف صادرات النفط التي تشكل ما لا يقل عن 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بل أيضا في عرقلة تجارتها غير النفطية عبر موانئها التي تقع جميعها على الخليج أو مقابل بحر عُمان.

وعلى العكس من إيران ودول الخليج العربية والدول الرئيسية المستوردة للنفط الخليجي، فإن هناك فرصا ذهبية لدول نفطية بعيدة عن الخليج لزيادة صادرتها في حال عرقلة أو توقف الإمدادات عبر مضيق هرمز. وهنا تبرز أسماء دول في مقدمتها روسيا وفنزويلا ونيجيريا وليبيا والعراق والولايات المتحدة. بالنسبة لروسيا ليس لديها إمكانية لزيادة صادراتها بشكل يسد النفص المحتمل، لأن إمكانية الضخ من حقولها النفطية الحالية محدودة. والنسبة إلى فنزويلا ونيجيريا وليبيا فإن الحروب والنزاعات الداخلية تفوت عليها هذه الفرص في الوقت الحالي. وإذا لم ينجح العراق في تصدير المزيد من النفط عبر الانابيب المارة في تركيا، فإن فرصته أيضا ضعيفة. وعليه وعلى ضوء المعطيات الحالية لا يبقى في ميدان الاستفادة الأكبر سوى الولايات المتحدة.

فرصة ذهبية أمريكية لمواجهة الصين

استفادة الولايات المتحدة ليست فقط بسبب قدرتها على زيادة صادراتها النفطية وحسب، بل أيضا بسبب زيادة الطلب على أسلحتها وقواعدها العسكرية الغالية الثمن بفعل التوترات المتصاعدة في منطقة الخليج. ومن المعروف أن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية تشتري سنويا أسحلة بقيمة أكثر من 100 مليار دولار جلها من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. بالنسبة للنفط تخوض إدارة ترامب منذ أشهر حرب تهديدات ضد منظمة اوبك التي تعد السعودية ودول خليجية أخرى من أبرز أعضائها بهدف كسر احتكار المنظمة لسوق الذهب الأسود.

ويتزامن ذلك مع الزيادة المستمرة في استخراج النفط الصخري بشكل رفع إنتاج الولايات المتحدة مؤخرا بشكل يحبس الأنفاس إلى أكثر 12.3 مليون برميل يوميا لتتفوق بذلك على روسيا والسعودية. ويكفي الاحتياطي الأمريكي البالغ أكثر من 470 مليون برميل حاليا لإمداد السوق العالمية بأكثر من مليوني برميل يوميا على مدى أكثر من سبعة أشهر. ومع زيادة الإنتاج بأكثر من مليون برميل سنويا حسب الوتيرة الحالية سيكون بالإمكان زيادة الصادرات النفطية الأمريكية إلى أكثر من 5 ملاييين برميل في اليوم في غضون خمس سنوات أو اقل من ذلك. وتكمن المشكلة في أن تصدير مثل هذه الكميات غير ممكن في واقع طاقة السوق الحالية إلا اذا تراجعت حصص بعض المصدرين فيها. ويبدو من التفجيرات الحالية في الخليج أن الحصة ستكون على حساب النفط الخليجي بعد انحسار الصادرات الإيرانية والليبية والفنزويلية.

بالنسبة لإدارة ترامب يعني تحول دول العالم الشرهة للنفط الخليجي كالصين واليابان والهند من الاعتماد على النفط الخليجي إلى الاعتماد على النفط والغاز الأمريكيين فرصة ذهبية من أجل أن تكون لاعبا رئيسيا في سوق الطاقة وفرض المزيد من الضغوط السياسية على التي تعارض سياساتها. ويساعدها على ذلك القوة الضاربة عبر العالم من خلال قواعد عسكرية يزيد عددها على 700 قاعدة. وسيكون الهدف الأساسي احتواء الصعود الاقتصادي الصيني المنافس للهيمنة الأمريكية من خلال التحكم بإمدادات الطاقة إلى جانب فرض الرسوم الجمركية والحظر التكنولوجي.

السابق
ضد خطاب و«ثقافة» الكراهية
التالي
أميركا تُكذّب تصريحات سفيرها لدى إسرائيل عن الضفة