ضد خطاب و«ثقافة» الكراهية

ضد خطاب الكراهية
شهدت بيروت الأسبوع الماضي وقفة إحتجاجية من جانب بعض الناشطين وأفراد من المجتمع المدني على ما صدر من وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر من خطابات وتغريدات تحدث فيها تارة عن الجينات اللبنانية، وتارة عن العمالة الأجنبية في لبنان وضرورة الحد منها بداعي أنها تنافس العمالة اللبنانية.

 وغالبا عن مشكلة النازحين واللاجئين السوريين التي يتخذ منها قميص عثمان في كل تحركاته الداخلية والخارجية مُدخلا إياها في البازار السياسي الداخلي والصراع الحزبي دون أي تبصر ووعي لما يمكن أن ينتجه هذا الخطاب من مشاكل وحساسيات البلد بغنى عنها، وغيرها وغيرها من التصريحات المثيرة للجدل والتي يبدو أن السيد وزير الخارجية بات متخصصا بها في محاولة منه على ما يبدو لإثبات حضوره الدائم على الساحة. 

ترافقت هذه التصريحات مع تحركات قادها شباب من تياره السياسي بإتجاه المحلات والمؤسسات لحثها على إستبدال موظفيها الأجانب بموظفين لبنانيين بطريقة فجة لا ندري مدى توافقها مع أحكام القانون اللبناني. والمفارقة الغريبة هنا أن بعض تصريحات وزير الخارجية وخاصة تصريحه المثير للجدل والسخرية عندما تحدث عن عمالة سورية وفلسطينية وزاد عليها عمالة سعودية وفرنسية وأميركية، المفارقة أن هذا الكلام قيل في مؤتمر الطاقة الإغترابية وأمام مغتربين لبنانيين يعملون في جهات العالم الأربع دون خجل أو حرج في صورة لا يمكن أن تنم إلا عن غرور فارغ  وتعالٍ غير مبرر ولا مطلوب ولا حميد.

اقرأ أيضاً: الفساد في وزارة الصحة برسم الوزير والنائب…والسيد

والواقع أن المتابع للأحداث والتطورات في لبنان والمنطقة في ظل تنامي وإنتشار إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي يجد أن هذا الموضوع والأثر الذي يتركه في بعض الأوساط بات أكبر من خطاب ليتحول لدى هذا البعض إلى ثقافة حياة بعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية والدينية والإجتماعية التي يدعي الجميع التمسك بها والدفاع عنها. فالتسامح بات عملة نادرة والتسرع في إطلاق الأحكام دون تبصر أو تفكر بات السمة الغالبة ، وما قضية بشارة الأسمر التي ضج بها المجتمع اللبناني مؤخرا وردود الفعل عليها إلا نموذج بسيط.

والأمر لم يعد يقتصر على القضايا الإجتماعية فحسب بل تخطاها للأمور السياسية حتى التي لا تمسنا مباشرة في لبنان، ففي الأيام القليلة الماضية حدثان شغلا الناس على وسائل التواصل ألا وهما مقتل عبد الباسط الساروت في سوريا، ووفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي وراء القضبان أثناء محاكمته في مصر. بعض الرأي العام اللبناني تعامل مع الحدثين بطريقة أقل ما يقال فيها أنها غرائزية وبعيدة كل البعد عن الحس اﻹنساني، فقد إنبرى بعض الناس للشماتة بالضحيتين ﻻ لشئ إﻻ ﻷنهم من غير توجههم السياسي بطريقة مقززة لا تمت إلى المشاعر الإنسانية بصلة ودون أدنى إحترام لمشاعر الكثيرين من الذين هم من المفروض أنهم ” أصدقاءهم ” على منصات التواصل، والذين يكنون مشاعر الود والمحبة والإعجاب للضحايا. نسارع ونقول بأننا نفهم ونتفهم بأننا بشر ولسنا ملائكة، ولكن نحن هنا لا نتحدث عن آراء سياسية يحق لأي كان أن يطرحها ويناقشها فيما خص الضحايا الذين هم كغيرهم من باقي البشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، إنما نحن إعتراضنا على ثقافة التشفي والشماتة والحقد الذي يملأ القلوب دون مبرر. وقد أفهم البعض ممن لا يحبون أو يتفقون مع خيار الضحية – أي ضحية – السياسي، ولكن ما لا أفهمه أن يصل الأمر بالبعض ليس فقط للشماتة والتشفي وحتى السباب والشتم المقذع ، بل لمحاولة فرض رأيه ورؤيته وطريقة تصرفه على الآخرين وحتى شتم كل من يخالفه الرأي والتصرف في صورة من أبشع صور التعامل الإنساني والأخلاقي . والمزعج في الأمر أن هذه التصرفات ليست مقتصرة على بعض العوام من الناس الذين يتصرفون بغرائزهم ودون كثير دراية وفهم للأحداث أصلا، بل أن البعض ممن يمكن إعتبارهم مثقفين وأصحاب رأي وناشطين يقضون جل أوقاتهم وهم يلقنون الناس مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة فإذا بهم فجأة ينقلبون على أنفسهم إذا ما حدث ما يمس بـ ” مقدساتهم ” السياسية من إيديولوجيات أو شخصيات. يحدث كل هذا في مخالفة صريحة لكل ما يدعيه هؤلاء من مبادئ وقيم سواء كانت سياسية أو إجتماعية أو حتى دينية في إنفصام واضح وخطير في السلوك البشري السوي. فإلى متى سنبقى أسرى لنوازعنا، ومتى سنتعلم أن نحترم آراء بعضنا ونتناقش بكل إيجابية وإحترام دون ضغائن ولا أحقاد، وكما يقال الإختلاف لا يفسد للود قضية، وكما قال الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لدفاعك عن رأيك.

 لكي نصل إلى هذه المرحلة علينا الإبتعاد عن الإستفزاز وليطرح كُلٍ آراءه بإحترام دون تسفيه وتحقير آراء وأفكار الآخر، ولن يكون هذا إلا بالرجوع إلى الإنسان الذي بداخلنا، فالكراهية لا توصل إلا إلى الدمار، دمار الغير ودمار النفس، وبالمحبة والإحترام المتبادل فقط ننجو بأنفسنا ونبني مجتمعاتنا ودولنا ويكون هناك أمل بالتقدم إلى مصاف الدول المتحضرة. وليحاول كل منا أن يستغل مساحة الحرية في التعبير عبر مواقع التواصل اﻹجتماعي كي نستفيد من هذه الوسائل لتنمية فكرنا والتعود على إحترام آراء بعضنا البعض بهدف التقدم والخروج من حالة الجهل والتخلف التي تعترينا وتضعنا في أسفل سلم اﻹنسانية وتقدمها ورخاءها .

السابق
الفلسطينية عهد التميمي تتعرض لحادث سير مع والديها في رام الله
التالي
حرب الناقلات فرصة ترامب لتقاسم السيطرة على سوق النفط