إعلان الحرب… واجب أخلاقي

مكرم رباح

يجاهر اللبنانيون بأن بلدهم الصغير كان من عداد الواحد والخمسين موقّعا على ميثاق إنشاء الأمم المتحدة في مدينة سان فرنسيسكو في يونيو من العام 1945، ولكنهم يتناسون في الوقت عينه أن أحد أهم شروط العضوية في هذا النادي «الإنساني» تمثل بإعلان هؤلاء، بمن فيهم لبنان، الحرب على ألمانيا النازية.
إعلان لبنان الحرب على النازية لم يسهم بطبيعة الحال في الحسم العسكري وفوز الحلفاء بالحرب، لكن اتخاذه موقفا أخلاقيا وإنسانيا شجاعاً بمناهضة العنصرية بوجهها الهتلري جعل منه قدوة في مشرقنا العربي.
للأسف فشل لبنان خلال السنين الماضية في البقاء في هذا النادي الأخلاقي والإنساني، بل انه تحول ومن خلال أنانية بعض ساسته وهوسهم بالسلطة إلى محرك أساسي لخطاب الكراهية والعنصرية والذي تمثل سابقاً بــ«شيطنة» اللاجئين الفلسطينيين ليتواصل حاليا مع اللاجئين السوريين.
ورغم عراقة خطاب الكراهية في ثقافة لبنان السياسية، فإن الكثير من نازيي لبنان يزايدون بنبرتهم ونهجهم الحالي على خطاب جوزيف غوبلز، وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر، كون الخطاب الحالي هو مجرد أداة للولوج إلى السلطة والاحتفاظ بها وليس عقيدة، رغم سخافتها، يمارسها أقزام العنصرية الجدد. 

اقرأ أيضاً: لا عهد إلّا «العهد القويّ» ولا تعيينات إلّا تعييناته!

منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية، تفانى التيار الوطني الحر وعلى رأسه وزير الخارجية جبران باسيل في دعم نظام بشار الأسد عبر رفض الاعتراف بالجرائم والمجازر ضد المدنيين السوريين وعبر تعطيل وتفخيخ أي مبادرة حكومية لمعالجة مأساة اللجوء السوري. في الفترة المنصرمة تصدت أطراف عدة ومن بينهم الرئيس سعد الحريري لخطاب باسيل التحريضي ضد «الغرباء» مذكراً صهر الرئيس بأن اللاجئين السوريين أصدقاء وحلفاء في لبنان. 
التسوية الرئاسية وحلف باسيل – الحريري وتسليم الأخير ملف اللاجئين لحليفه المالي والسياسي الجديد، كلها امور ساهمت في تغيير الديناميكية القائمة وسمحت لباسيل وحليفيه، السوري والإيراني، بمحاصرة اللاجئين والتضييق عليهم لإجبارهم على العودة الفورية والرضوخ لنظام الأسد.
إن مجمل خطاب «الغوبلزيين» الجدد يروج للضرر الاقتصادي والاجتماعي للجوء السوري وعادة ما يسخّر أرقاماً مغلوطة بهدف إخافة اللبنانيين ونقل عدوى رهاب الأجانب أو «الزنوفوبيا» إليهم. في حين قام الناشطون والجمعيات الأهلية والبحثية وعلى رأسها معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية بتفنيد تلك المزاعم وتقديم أرقام علمية واضحة تثبت أن اللجوء السوري، ورغم ظله الثقيل على كاهل لبنان، أتى كنعمة للاقتصاد اللبناني المتآكل أصلا والذي وصل إلى الحضيض بسبب سياسات اللبنانيين أنفسهم على مر السنين، وليس بسبب خيمة لاجئ فلسطيني أو سوري شردتهم إسرائيل أو آل الأسد.
ورغم فاعلية مواجهة الكذب بالأرقام المعتمدة، من الأجدر تغيير قواعد الاشتباك مع علماء الجينات اللبنانيين الذين يعتلون المنابر للدفاع عن نبالة دمائهم عبر التذكير بأن مشكلة اللجوء ليست بمسألة خارجية كما يدّعون بل هي في صلب الصراع الداخلي اللبناني، لا سيما الخلاف مع «حزب الله» الذي وعبر مغامرته التوسعية وضع لبنان في عزلة عربية ودولية أكثر ضرراً من اللجوء وتداعياته.
باسيل الذي يطالب بطرد السوريين وإعطاء الأولوية للشعب اللبناني في الوظائف والخدمات هو نفسه الذي يغطي غزوة «حزب الله» الإقليمية ويبرر ويشرع احتلال «حزب الله» للقرى السورية في منطقة القلمون وريف حمص وتحويلها إلى قواعد عسكرية ومستعمرات، ما يمنع، وفق الأرقام، أكثر من 40 في المئة من النازحين السوريين في لبنان من العودة الفورية إلى تلك القرى المحتلة.
التصدي لخطاب الكراهية يبدأ بتسمية الأمور بأسمائها وتحميل سعد الحريري مسؤولية تراجعه السياسي والأخلاقي في حماية اللاجئين السوريين والمواطنين اللبنانيين من عنصرية وكراهية أحفاد النازية اللبنانية. إن سعد الحريري ليس مجرد وريث لمشروع اقتصادي وإنمائي مثير للجدل أحياناً، بل هو ابن شخصية وطنية عابرة للطوائف حمت لبنان في السابق من أمثال باسيل. ومن واجبنا أيضا حماية الشرعية والدولة اللبنانية عبر منع باسيل و«حزب الله» من استعمال أجهزتهما الأمنية للقمع والتنكيل في مخيمات اللجوء وطرد اللاجئين كما هو الحال حاليا.
والأهم برأيي هو حرمان باسيل من الاحتماء بأفكار ومبادئ درج اللبنانيون على استعمالها في الماضي، فعنصرية باسيل وكراهيته بعيدة كل البعد عن المارونية السياسية والتي، رغم مساوئها العديدة، لن تقبل أن تلعب دور باسيل الحالي كورقة تين للمشروع الإيراني في المنطقة. فباسيل لا يملك الحقوق الفكرية والأخلاقية لاجترار خطاب اليمين اللبناني وقادته مثل كميل شمعون وأنطوان نجم وكاظم الخليل وسليمان العلي الذين عُرفوا بحكمة التمييز بين التعبئة السياسية وقلة الأخلاق.
من الخطأ التصدي لخطاب العنصرية وتحميل وزره لأيٍّ من الطوائف لا سيما الطائفة المسيحية والمارونية التي ولد فيها باسيل، بل يجب تحميل المسؤولية كاملة للتيار الوطني الحر الذي، وعلى غرار النازية، يجند كل قطاعاته من أجل المجهود العنصري. كما يجب على الجميع أن يلقحوا أنفسهم من عدوى «الزنوفوبيا». أما الذي يجد نفسه في حالة اتفاق مع باسيل وخطابه العنصري فعليه الهروع إلى اقرب مشفى.
لبنان واللبنانيون في أمسّ الحاجة إلى إعلان الحرب على العنصرية من أجل العودة إلى مصاف الأمم المتحضرة كي لا يصبح خطاب الكراهية دستوراً لجمهورية ساقطة لربما قادمة رئيسها جبران باسيل.

السابق
التايمز: إيران تقرع طبول الحرب للحصول على تنازلات
التالي
الجماعة الإسلامية توضح لـ«جنوبية» إشاعة «كشف جريمة اغتيال الشيخ الجرار»!