اليابان وألمانيا في إيران… رسائل التاريخ

نديم قطيش

تقول إيران إنها لا تريد الحرب، فتصير وقولها معرض تندر. تقول السعودية الجملة نفسها؛ في حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، إلى «الشرق الأوسط»، فيأتي القول تعبيراً دقيقاً عن سياسة سعودية ثابتة وذات تاريخ مديد.
مع ذلك، لطالما لفتتني المقارنات؛ لا سيما في الصحافة الغربية، بين إيران والسعودية، ولطالما استوقفتني الخلاصات التي تفيد بأن الدولتين عبارة عن وجهين لعملة واحدة، باختزال مخيف.
مشكلة هذه المقارنات أنها تخلط بين ما تقوم به السعودية بصفتها دولة، وفق تعريفات صارمة لمندرجات أمنها القومي، وضمن ضوابط القانون الدولي، وبين ثورة تعدّ العالم برمته مجالاً حيوياً لتمددها وانتشارها. فمقابل الإنفاق السعودي الضخم على وسائط الدفاع العسكرية والسيبرانية والأمنية والجاهزية القتالية، ترعى إيران نحو مائتي ميليشيا عاملة بين العراق وسوريا ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان، إضافة إلى الخلايا الخاصة في كل أصقاع العالم. وفي حين أن الدولة السعودية مسؤولة مباشرة عن قواتها المسلحة، وعن نتائج ما تقوم به، فإن الميليشيات الإيرانية المرعيّة من منظمة «الحرس الثوري»، تنفذ أجندة إيرانية من دون أن تكون إيران مسؤولة مباشرة عن أفعالها. فـ«حزب الله» مثلاً يستحوذ وحده على نحو 700 مليون دولار سنوياً يأتي معظمها من إيران. ورغم غطاء «مقاومة إسرائيل» الذي يتدثر به الحزب، فإن خلاياه قد اكتشفت على امتداد الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأوروبا وأميركا، وتراوحت الأعمال الموكلة للخلايا المكتشفة بين الأمنية والعسكرية وتهريب المخدرات وتبييض الأموال.
علي كوراني، عنصر «حزب الله» المدان مؤخراً في إحدى محاكم نيويورك بتهمة التخطيط لتنفيذ أعمال عدوانية ضد أهداف؛ بينها مطار جون كيندي الدولي، هو أحدث الأمثلة على كيفية عمل شبكة التنظيمات التي تديرها إيران. وقد سبق أن اكتشفت خلايا أخرى كانت إحداها تخطط لاغتيال الوزير عادل الجبير، السفير السعودي في واشنطن آنذاك.
التهمة المضحكة هي اعتبار السعودية كما إيران؛ دولة متدخلة في شؤون دول جوارها المباشر وغير المباشر. غالباً ما يعطى اليمن وسوريا مثالَين على ذلك، بشكل يلغي المسافة بين طبيعة دور السعودية وطبيعة دور إيران.
الحقيقة أن المملكة دولة ستاتيكو، وليست دولة تغيير. لعقود طويلة سعت المملكة للتأقلم مع متغيرات اليمن، واجتراح التسويات معه وبين قواه، حتى حين كان اليمن منصة عدوان على الدولة السعودية في أوائل الستينات من القرن الماضي. تأقلمت المملكة مع انتصار الجمهوريين على النظام «الإمامي» في اليمن وعقدت معه الصفقات. تعاملت مع انقسام اليمن بين دولتين، وتعاملت مع اليمن الموحد، بلا تدخلات عسكرية. حتى الحوثي وجد في رحابة العقل السياسي السعودي مكاناً على طاولة التفاوض والشراكة السياسية قبل الانقلاب الذي أدى تماديه إلى انطلاق «عاصفة الحزم». أما في سوريا؛ فقد سعت المملكة منذ اليوم الأول لدفع نظام بشار الأسد نحو التسوية وامتصاص النقمة منعاً لانهياره وسيادة الفوضى. وفي هذا السياق؛ يروي الأمير بندر بن سلطان أن المملكة دفعت 200 مليون دولار للأسد لإجراء شيء من الإصلاح الاقتصادي ومعالجة الأزمة التي قال الأسد إنها السبب وراء الأحداث. في المقابل، فإن إيران في اليمن وفي سوريا تعمل بعقل ثوري هدفه إقامة منظومة دول أو أنصاف دول تعمل في الفلك الاستراتيجي للمشروع الإيراني.

اقرأ أيضاً: العداء لإيران ليس جواباً كافياً


المساواة الزائفة بين السعودية وإيران تصل إلى مستويات فضائحية حين يوضع على الطاولة ملف الإرهاب. صحيح أن الدولة السعودية لعبت دوراً في مواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان من خلال رعاية من عرفوا لاحقاً بـ«الأفغان العرب»، لكنها فعلت ذلك بالتنسيق التام مع واشنطن وضمن شروط العقد الأخير من الحرب الباردة. وقد دفعت كل من أميركا والسعودية أثمان هذا الاحتكاك بوحش السلفية الجهادية المسلحة.
في السعودية اليوم قيادة شابة تضع على رأس أولوياتها تحدي استعادة الإسلام من مختطفيه، في حين أن إيران منخرطة حتى أعلى الرأس في التلاعب بتنظيمات الإرهاب الشيعي والسني.
لم تعد العلاقة بين «القاعدة» وإيران مثار عجب في الدوائر الأكاديمية الغربية، لا سيما مع وجود عدد من قيادات «القاعدة» في طهران، والكشف عن اتفاقات تكتيكية بين «القاعدة» وإيران عبر وثائق أبوت آباد المستولى عليها من مقر بن لادن الأخير.
في سياق معاكس، كان لافتاً أن الظهور الأخير لأبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش»، حمل إعلان الجهاد ضد السعودية وليس ضد إيران، ولم يتطرق بكلمة واحدة لمن يزعمون قتاله في سوريا والعراق!!
حتى إن «القاعدة» في واحدة من نشراتها العام الماضي وضعت أجندة السعودية الإصلاحية؛ لا سيما الشق الديني منها، في صلب أهدافها، مستخدمة عبارات وصلت إلى حد التكفير.
الكلمة المفتاح في مقابلة الأمير محمد هي عودة إيران دولة طبيعية. سمعت إيران هذا الكلام من موفدَين؛ ياباني وألماني؛ أي ممثلي الدولتين اللتين دفعتا أبهظ الأثمان لتمسكهما بأدوار غير طبيعية. هل وصلت الرسالة؟

السابق
طهران: على الرياض ان تعدل عن نهجها الخاطئ
التالي
ما هي أعراض مرض«الشيزوفرينيا» النفسي الخطير؟