الرسالة – التحدّي لواشنطن.. والبحث عن خيارات مع الحلفاء لحماية الملاحة الدولية!

الهجوم الثاني ضد ناقلات النفط تحوُّل في المواجهة والتداعيات تطال التجارة الدولية والأسواق العالمية.

التقدير الأميركي: طهران ستعمد إلى المماطلة في الذهاب إلى المفاوضات لتمرير الوقت
تُراهن إيران على عامل تقطيع الوقت. ستعضّ على الجرح حتى الانتخابات الأميركية في 2020 لتبيان ما إذا كان دونالد ترامب سيعود إلى «البيت الأبيض»، لكن ذلك لا يعني أبداً أنها لن تمارس اللعب على حافة الهاوية، وهي المتمرسة في هذه السياسة. تدرك طهران أن الحرب العسكرية ليست خيار ترامب الرئيس ولا ترامب المرشح لولاية ثانية، الذي عليه أن يأخذ في الاعتبار جيداً مزاج الناخب الأميركي وتطلعاته واهتماماته الاقتصادية والحياتية، وأن يخطو خطوات محسوبة بدقة، من دون الانزلاق إلى مغامرات قاتلة تفقده من رصيده الشعبي.

من هذا المنظور الإيراني، تبدو مساحة المناورة رحبة ما دامت التداعيات ستبقى تحت سقف الحرب الكبرى أو المباشرة. فالحروب بالوكالة تبقى أضرارها أقل كلفة حتى لو تفاقمت واشتدت أو توسعت رقعتها. وما بناه النظام الإيراني من أذرع عسكرية له في المنطقة وتمدده إلى افريقيا وإلى أميركا الجنوبية يشكل في منطوقه شبكة الأمان التي يستخدمها حين يتعرض للضغوط وحين يشعر بالخطر. وهو بالتالي قادر على تحريك أذرعه في الساحات التي يختارها وفق حسابات يعتبرها مدروسة في توقيتها وردود فعلها والنتائج المترتبة عنها.

اقرأ أيضاً: لبنان «قاعدة» أميركية.. وبالتفاهم مع حزب الله

حتى الأمس، كان رد طهران بالوكالة يطال حلفاء واشنطن في المواجهة الإيرانية – الأميركية المتصاعدة، والتي تعتمد فيها الولايات المتحدة على سلاحها الفعال والأقل كلفة وهو سلاح العقوبات الاقتصادية التي وصلت إلى المرحلة الأشد قساوة مع بدء تنفيذ مرحلة «تصفير صادرات النفط الإيراني». ففي الثاني من أيار الماضي، تعرضت أربع سفن (ناقلتا نفط سعوديتان وناقلة نفط نرويجية وسفينة شحن إماراتية) لعمليات تخريب قبالة إمارة الفجيرة في المياه الاقتصادية الإماراتية في خليج عُمان خارج مضيق هرمز، ونفذ الحوثيون بطائرات مسيّرة هجوماً على محطتيّ ضخ بترول في منطقة الرياض تابعتين لشركة أرامكو، وأتبعوها بهجمات أخرى على منشآت حيوية في ينبع ومطار جازان ومطار أبها الذي أدى إلى سقوط عدد من المدنيين.

فعلى رغم تهديد الرئيس الإيراني حسن روحاني وقيادات في الحرس الثوري بشكل واضح ومباشر بمنع مرور شحنات نفط أي دولة أخرى من الخليج إذا مضت واشنطن بقرار «تصفير النفط الإيراني»، فإن طهران لم تجاهر بإعلان أي مسؤولية لها باستهداف ناقلات النفط في المياه الإقليمية الإماراتية، حتى أن نتائج التحقيق المشترك للإمارات والسعودية والنرويج التي قُدّمت الأسبوع الماضي لمجلس الأمن الدولي تجنبت اتهام إيران بشكل مباشر، إذ اعتبرت أن «الهجوم يحمل بصمات عملية متطورة ومنسقة تقف وراءها دولة على الأرجح». ورغم أن المندوب السعودي أعلن أن القرائن تشير إلى تورط إيران في الهجوم على السفن، فإن عدم ذكر إيران بالتحقيق المشترك تمّ إدراجه في سياق رغبة واشنطن بعدم التصعيد. هذا في وقت اكتفى بيان مجلس الأمن الدولي حول اليمن قبل أيام بالتنديد بهجمات الحوثيين ضد المنشآت النفطية السعودية مكتفياً بالوصف بأنها تمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي للمملكة العربية السعودية، فضلاً عن «التهديد الأوسع» للأمن الإقليمي.

لكن استهداف ناقلتين نفطيتين أجنبيتين في خليج عُمان شكّل تطوراً كبيراً، وإن سارع وزير الخارجية الإيراني إلى اعتباره مشبوهاً، وإلى إبعاد الشبهات حول تورّط إيران فيه، ذلك أن هجوم أمس يُعتبر تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ولا يمكن قراءته إلاّ من زاوية الرسالة – التحدي لأميركا المعنية بالدرجة الأولى في حماية الملاحة الدولية. فاعتداء أمس يتعدى استهداف المصالح النفطية الإماراتية والسعودية ليصل إلى التجارة الدولية وتداعياته على الأسواق النفطية العالمية.

وكان لافتاً رد الفعل الأميركي في تحميل إيران مسؤولية الهجوم على الناقلتين، واعتبار وزير الخارجية مايك بومبيو أن «نوع الأسلحة وأسلوب الهجوم ومعلومات المخابرات تؤكد تورط إيران»، وأنه «لا توجد مجموعة تعمل بالوكالة في تلك المنطقة تملك الموارد أو الكفاءة للتحرّك بهذه الدرجة العالية من التطوّر».

غير أن هذا التصعيد، رغم خطورته، لن يؤول في نظر متابعين إلى إشعال حرائق كبرى في المنطقة، فالكلام يدور في واشنطن عن بحث خيارات عدة مع الحلفاء بشأن كيفية حماية الملاحة الدولية، ما يعني عملياً زيادة التواجد الأميركي في المنطقة ليس فقط كقوة ردعية بل إيلائها مهمة مرافقة ناقلات النفط لعبورها مضيق هرمز ونقاط الخطر تأميناً لسلامتها.

هذه التدابير، لا بد أن ترافقها، وفق متابعين قريبين من فريق ترامب، إجراءات عقابية جديدة من شأنها أن تضفي مزيداً من الضغط على إيران و«الخنق الاقتصادي». ويلمّح هؤلاء إلى الحاجة بأن يتخذ بعض الحلفاء العرب خطوات متقدمة حيال إيران على صعيد وقف كل أنواع التعامل التجاري معها وتشكليها منصات وحدائق خلفية لها تخفف من وقع العقوبات التي تفرضها واشنطن، حتى أن التساؤلات تصل إلى الأسباب التي تدفع بعض الدول الحليفة لواشنطن على إبقاء مجالاتها الجوبة مفتوحة للملاحة الجوية والطيران الإيراني!

وتعبّر تلك القراءة الأميركية عن اقتناع تام لدى «البيت الأبيض» بأن طهران ستعمد إلى سياسة المماطلة في الذهاب إلى المفاوضات لتمرير الوقت، لكن ما لا يدركه الإيرانيون أن ترامب غير مستعجل على إبرام صفقة معهم، وأنه في الوقت نفسه، لن يقبل بأن تمتلك إيران قنبلة نووية مهما كانت الظروف، ولا أن تطوّر صواريخها الباليستية، ولا أن تُشكّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين!.

السابق
حملة أنقذوا مرج بسري دعت إلى وقفة اعتراضية غدا وشكرت المتضامنين مع نصور
التالي
بالفيديو.. تل أبيب تحتضن مسيرة المثليين الأكبر في الشرق الأوسط