العنصرية العونيّة: سببها تاريخ من العداء مع سوريا لم ينته

التنافس بين العمالة اللبنانية والعمالة السورية لم يكن موجودا قبيل النزوح السوريّ إلى لبنان بسبب طبيعة أعمال كل من أبناء الشعبين، كما هو حال التنافس بين العمالة العراقية والأردنية، أوالعمالة المصرية والسودانية.. إنها طبيعة كل بلدين جارين، لكن في لبنان أخذت المسألة وجها عنصرّيا مُستغربا. فماذا كتبت ميّ خريش عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر مؤخرا؟

غردت مي خريش- ولا أدري مدى صلة قرابتها بالبطريريك بطرس خريش، صديق السيد موسى الصدر امام التعايش – وهي عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر، ما يلي على صفحتها “تويتر” منذ أكثر من ٢٤ ساعة ما يلي: “أطلق قطاع الشباب في التيار الوطنيّ الحر اليوم معركة النضال ضد المحتل بصفة “نازح” عنوان معركة التحرير الإقتصادي من اليد العاملة الأجنبية كي يبقى لبنان، ويبقى الشباب اللبناني في بلده ولا يضطر الى الهجرة للعمل في الخارج.

#وظّف_لبناني

#عنصريتي_سلاحي_للدفاع_عن_وجودي”.

هذا النص المخالف لأبسط قواعد العقل وحقوق الانسان، يفضح عنصرية يتغنّى بها أعضاء التيار الوطني الحرّ وعناصره، والتي لا تتناسب مع الواقع اللبناني على الإطلاق.

فاللبنانيون مهاجرون منذ مئات السنين إلى الأميركيتين والخليج وإلى افريقيا وإلى كافة جهات الأرض الأربع.

إضافة إلى أن وزارة الخارجية اللبنانية، وعلى رأسها جبران باسيل، رئيس التيار الحر، يتواصل مع المغتربين من خلال مؤتمراته الكثيرة وجولاته العديدة وخطاباته التي تشجّع على العودة، رغم ان الحياة هنا في لبنان لا تشجع أبدا على العودة ورغم أن هجرة شبابنا متعددة الأسباب.

اقرأ أيضاً: الهوية الجينية اللبنانية كما يريدها باسيل!

فلماذا يركز العونيون على النازحين واللاجئين عند كل مفصل إقتصادي صعب لدرجة يبدو معها للناظر من خارج، أن أزمات لبنان كلها ناشئة من النزوح السوري منذ العام 2011.

فهل هذا الحقن وإحياء النزعات اللبنانية نحو التقوقع يؤكد أن الحقد العوني التاريخي تجاه السوريين لم ينته، وأن الموقف السلبي من النازحين مهما كانت أسبابه هو وليد الأزمة السورية؛ والتي من جرّائها دخل لبنان خلسة وبطرق شرعية أكثر من مليون شخص؛ إضافة الى ولادة ما يُقارب الـ100 ألف طفل لا زالوا دون تسجيل مما يخلق أزمة مستقبليّة للبنان هو بغنى عنها.. إلا أن كل ذلك لا يمنع من وضع هذا السمّ في الدسم يعود للعلاقة السيئة تاريخيا بين العونيين بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام، تاريخيا مع السوريين الذين دخلوا لبنان تحت عنوان عسكري مقزز هو (قوات الردع العربية).

ومما يبدو أنه، رغم التأييد السوري الرسمي لرئاسة الجمهورية اللبنانية ودعمها، إلا أن الأحقاد التاريخية متشرّبة في العقلية الحزبية للأحزاب المسيحية، وما يؤكد كلامنا هوأن العمالة الاسيوية كبيرة وكبيرة جدا، والناتج الإقتصادي الذي تسحبه هذه العمالة الضخمة الى بلادها يؤثر بشكل كبير على إقتصاد لبنان، لكننا لا نجد أن الإعلام و”البروباغندا” السيئة يسيران باتجاه الإضاءة على هذه القضية خاصة ان تجمعا لعدد من طلاب التيار الوطني قام بتظاهرات أمام المؤسسات منعا لتوظيف عمال سوريين.

مما يؤكد ان العلاقة المتوترة بين طرفين غير متوازنين الأول دولة بمعنى السلطة، والثاني هو طائفة أساسية في دولة، وما هو إلا صراع أبعد من الجانب الإقتصادي بكثير، هو صراع له جانب سياسيّ تاريخيّ جدليّ لم يتوقف يوما نتيجة الجيرة الأبدية والحدود المتاخمة.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يزال التوتر مستمرا بين النازحين السوريين وأهالي «دير الأحمر»؟

والمستغرب هو بدء هذا الصراع من أيام سيطرة حزب الكتائب على الساحة المسيحية وانتقاله الى الزمن الحاضر مع العونيين وقبله الكتلويين وما بينهما من قوات.

مما يدلل على ان الخلاف ليس ذي طابع اقتصادي إطلاقا، بل أن أبعاده طائفية خاصة أن الأكثرية السورية هم من المسلمين مقابل أقلية باتت في عداد المنتظرين للهجرة نحو بلاد أوروبا هم ورفاقهم الأشوريين العراقيين.

واللافت هو انتقال عدوى الكراهية نحو السوريين الى المسلمين البيارتة الذين بمعظمهم من أصول شامية معروفة وهم الذين كانوا قبيل العام 2011 يعتبرون الشام بلدهم الثاني بعد بيروت، فهل أن الكراهية انتقلت بالعدوى بسبب العامل الإقتصادي الصعب في لبنان ومزاحمة العمالة السورية لليد العاملة اللبنانية؟ أم بسبب الخلاف السياسي مع السلطة السورية الحالية؟ وهل يدفع السوري الثمن مرتين؟

السابق
هل أنصفت الدراما اللبنانية كبارها؟!
التالي
أحمد السقا يختار «العنكبوت» بعد «ولد الغلابة»