لأسباب مختلفة… الولايات المتحدة وإيران لا يريدان خوض الحرب

الاستعدادات العسكرية تتواصل والتصريحات عالية النبرة والتصعيدية مستمرة، ولكن يبقى السؤال الأهم ... هل تندلع حرب أميركية – ايرانية في منطقة الخليج..؟

الحرب تبقى احتمال قائم وممكن ولا يمكن تجاهله او نفيه، ولكن يمكن القول انه لاسباب مختلفة ومتفاوتة وموضوعية في الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة وايران لا يريدان الانخراط في حربٍ مباشرة ولا حتى بالوكالة ويمكن تحديد الاسباب على الشكل التالي:

من اهداف تصعيد الولايات المتحدة هو انها تريد اعادة النظر في الاتفاق النووي الايراني، ووقف تطوير منظومة الصواريخ الايرانية وضبط السلوك الايراني في منطقة الشرق الاوسط الى جانب تحقيق اهداف سياسية اخرى من خلال التصعيد العسكري، وما يؤكد عدم اندفاع الولايات المتحدة الى شن حربٍ على ايران، هو طبيعة وحجم الحشد العسكري الاميركي الذي لا يرقى الى مستوى الاستعداد لشن حربٍ واسعة النطاق ضد طهران.. دون ان نتجاهل حجم القدرات العسكرية الاميركية وسرعة تحضيراتها في حال اضطرت للدخول في مواجهة مع طهران… وقد اكد اكثر من مسؤول اميركي اهداف الحملة الاميركية وعناوينها… إذ قال وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شانهان: إن التحرك العسكري في الخليج العربي استهدف ردع إيران لا شن حرب ضدها. وأوضح الوزير في تصريحات مقتضبة عقب حضور جلسة استماع لإطلاع أعضاء الكونغرس الأميركي على المعلومات الاستخباراتية التي دفعت البنتاغون لإرسال قوة عسكرية ضاربة إلى الخليج، أن واشنطن أحبطت هجمات كانت مخططة ضد الجنود الأميركيين في المنطقة، وذلك عبر عرض القوة العسكرية الأميركية..؟

اقرأ أيضاً: أميركا تعلم أن الصراع أوسع من جغرافيا إيران و«الموعد» المقبل… بعد أقلّ من 60 يوماً

من الواضح ان الولايات المتحدة تسعى من خلال ممارسة الضغط العسكري هذا هو تحقيق الاهداف السياسية التي وضعتها والتي سبق ان تم نشرها وهي تتضمن 12 بنداً هي اقرب للاستسلام منها الى ان تكون نقاط مقبولة للتفاوض.. وهذا ما يقلق ايران ويجعلها في موقع صعب… وهنا نورد رابط الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة للتفاوض مع ايران…

من جهة اخرى فإن لايران اسبابها التي تدفعها الى عدم الاندفاع الى خوض حرب ضد الولايات المتحدة..

فقد قال المرشد الإيراني علي خامنئي، أنه لا يريد الحرب، كذلك أعلن وزير الخارجية الإيرانية أن لا نيّة لطهران في خوض مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. فيما أكد قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي أن “إيران تخوض حربا شعواء مع أميركا تشمل الاستخبارات والهجمات الإلكترونية والردع العسكري”… الحرس الثوري هنا حدد طبيعة الصراع والحرب بالمواجهة الكترونية وتصعيد الاستعدادات العسكرية لتحقيق الردع وليس للانخراط في مواجهة..؟

تدرك ايران انها اذا انخرطت في حربٍ عسكرية مباشرة ضد الولايات المتحدة فسوف تكون حرب خاسرة بالنسبة اليها نظراً للتفاوت الهائل في ميزان القوى ثم لاتعدام التاييد لنظام طهران من قبل مختلف الدول بالرغم من اعلان معظمها رفضها لوقوع حربٍ في منطقة الخليج… فقد اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “من الملائم أكثر” لطهران “الامتناع عن الانسحاب من الاتفاق النووي، على رغم كل شيء”. وأضاف: “دعمنا باستمرار الاتفاق، ونأسف لكونه في صدد الاضمحلال”. وأشار إلى أن “روسيا ليست فريق إطفائيين. ولا يمكننا أن ننقذ كل شيء، خصوصاً حين لا يكون الأمر مرتبطاً بالكامل بنا”… في حين ان الولايات المتحدة تستند في منطقة الخليج وفي مختلف دول العالم الى تحالفات قوية وقناعة كاملة لدى هذه الدول بان على ايران تغيير سلوكها والكف عن ممارسة سياسة التدخل في شؤون دول الجوار كما في الدول البعيدة كما في فنزويلا ودول جنوب اميركا على سبيل المثال..؟؟

كما ان ايران قد خسرت ورقة التلويح بقدرة ادواتها في المنطقة على مهاجمة مصالح الولايات الولايات المتحدة دون ان تتحمل طهران المسؤولية كما كان يجري في السابق او ان تتعرض للعقوبات او الدخول في حربٍ مباشرة… اذ مع اعلان طهران المتكرر انها تمسك بزمام وادارة وتوجيه هذه التنظيمات المسلحة افقدها ورقة مهمة في الصراع المفتوح مع الولايات المتحدة ودول المنطقة وخاصةً العربية منها….والولايات المتحدة اشارت بوضوح الى ان اي اعتداء على مصالحها او مصالح حلفائها في المنطقة…سوف تحمل نظام طهران المسؤولية المباشرة.. وسبق ان اشار امين عام حزب الله في لبنان الى ان ميليشياته تتمول بالكامل من قبل ايران..؟ وفي العراق اعلن هادي العامري زعيم منظمة بدر انه سوف يكون الى جانب ايران في حال نشوب حرب بينها وبين الولايات المتحدة…!

وفي المقابل تدرك ايران ايضاً ان مجرد انخراطها في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول النقاط المطروحة من قبل الادارة الاميركية.. سوف يجعلها في موقف صعب امام الشعب الايراني وامام حلفائها وادواتها في المنطقة.. وهي التي كانت تقدم نفسها على انها قادرة على خوض المواجهة مع الولايات المتحدة مستندةً الى قوة عسكرية ضخمة والى اجنحة عسكرية متعددة قامت ايران بزرعها في الدول المجاورة.. ومع الاشارة الى ان اية تسوية محتملة في المستقبل بين الولايات المتحدة وايران وبناءً على النقاط التي تم نشرها لن تكون الا على حساب ايران وحلفائها..؟

كما يمكن القول انه اذا ما فكرت ايران في ممارسة الحرب ضد الولايات المتحدة عبر ادواتها فإن للولايات المتحدة ايضاً في المنطقة ادوات وتحالفات هي الاخرى، وبإمكانها تحريك هذه القوى لممارسة الضغط على ايران (قوات قسد في سوريا) ولا زالت الجبهة السورية ملتهبة ومن الممكن تطوير الصراع ضد ايران عبر الادوات المؤيدة لهذا الفريق او ذاك.. ولكن ايران غير قادرة على تحمل المزيد من النزف المالي مع اشتداد الحصار الاقتصادي على ايران وتضعضع الاستقرار الداخلي مما يؤدي الى عدم قدرة ايران على تمويل المزيد من الصراعات

هذا الى جانب غياب التضامن مع المشروع الايراني حتى من قبل الادارة العراقية القريبة من القيادة الايرانية.. وهي التي اعلنت رسمياً انها تسعى لتهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وايران.. مما يعني انها متناغمة مع الموقف الروسي وقلقة من تداعيات المرحلة المقبلة في حال نشوب حرب..

الامر الاخطر بالنسبة لايران.. هو ان مشروعها الاستراتيجي الهادف الى ممارسة الهيمنة على دول حوض البحر المتوسط ومنطقة الخليج بما في ذلك اليمن ومضيق باب المندب قد اصبح مكشوفاً للجميع وبدا يتهاوى.. كما ايقظ المشروع الايراني دول المنطقة على خطر الفكر الديني والمشروع الاستراتيجي التوسعي الذي تختزنه القيادة الايرانية مما دفع دول المنطقة الى اعادة النظر في سياساتها ومواقفها وحتى استعداداتها لمواجهة اية عملية ايرانية محتملة سواء كانت مباشرةً او عبر ادواتها التي بدات تواجه الحصار والمتابعة والتضييق للحد من قدراتها وتاثيراتها على الاستقرار في المنطقة.. وامكانية افتعال ازمات امنية او سياسية واقتصادية كما جرى مع استهداف الناقلات النفطية او منشآت ارامكو في المملكة العربية السعودية…

لذلك يمكن القول ان نتائج التصعيد السياسي والعسكري في منطقة الخليج والشرق الاوسط لن يكون في صالح ايران بالمطلق على المدى القريب كما البعيد.. للاسباب التي اشرنا اليها وهذا ما يقلق قادة طهران ويسبب الارباك الذي بدأت ملامحه واضحة من كثرة التصريحات المتناقضة وفي عملية المناقلات العسكرية التي طالت الحرس الثوري والاجهزة الامنية في محاولة لاعادة انتاج استراتيجية عسكرية جديدة ..

ولكن من دون الحصول على امكانيات مالية وجهوزية اقتصادية لن تتمكن ايران من تطوير قدراتها العسكرية ورعاية حلفائها كما من وقف تراجع مشروعها في المنطقة.. لذا لا يبقى امامها سوى الدخول في عملية تفاوض جديدة مع الولايات المتحدة على أمل ان تكسب مزيداً من الوقت لعل تغييراً ما قد يحصل في سياسة الولايات المتحدة وهي التي تقف على اعتاب انتخابات رئاسية جديدة قد تحمل جديداً في المشهد السياسي وفي مستقبل سياسات الولايات المتحدة ودورها..

ويمكن اضافة ان ما يفوت القيادة الايرانية هو ان التغيير السياسي المرتقب او المرجو في الولايات المتحدة او المشهد الدولي قد يطال ايران نفسها ايضاً مع احتمال غياب مرشد الجمهورية عن المشهد السياسي بسبب المرض. ومع تاجج الصراع بين الاجنحة الايرانية المؤيدة لنهج وسياسات المرشد وتلك المعارضة له والتي بدأت اصواتها ترتفع بشكلٍ غير مسبوق…!

كما يمكن القول ان دول الشرق الاوسط والمنطقة العربية والخليجية بشكلٍ خاص قد اصبحت اكثر حضوراً وجهوزيةً لمواجهة ايران ومشروعها وادواتها…وروسيا اليوم تتعامل مع الملف الايراني في سوريا من منطلق حماية مصالحها في المنطقة ورعاية الامن الاسرائيلي الذي اعتبرته موسكو اولوية بالنسبة لها..

في الخلاصة يمكن القول ان الولايات المتحدة تريد ان تحقق اهدافها دون حرب وباقل كلفة ممكنة… اما ايران فانها تريد ان تنقذ مشروعها والخروج من شبح الانخراط في حربٍ خاسرة باقل الاضرار السياسية والاستراتيجية الممكنة.. ومع ذلك تبقى امكانية نشوب حرب ممكنة…

السابق
رؤية كيسنجر لمواجهة بكين سابقة للرئيس الأميركي الحالي وباقية بعد خروجه من الحكم
التالي
نادي الصحافة وقع ونقابة المعلوماتية اتفاق تعاون في مجال الإعلام الرقمي