أميركا تعلم أن الصراع أوسع من جغرافيا إيران و«الموعد» المقبل… بعد أقلّ من 60 يوماً

 لم يَعُد للرئيس الأميركي دونالد ترامب أي ورقة يلعبها ضدّ إيران سوى العقوبات الاقتصادية والانتظار قرب الهاتف الذي - إذا رنّ - لن يتطرق إلى الاتفاق النووي بل إلى مسائل إنسانية مثل الإفراج عن معتقَلين في أميركا وإيران وهو تَبادُل إنساني يحصل بين ألدّ الأعداء حتى أيام الحروب.

لقد نجح ترامب في توحيد الداخل الإيراني إلى درجة أن الرئيس حسن روحاني لم يعد يسمي أميركا باسمها بل بدأ بالإشارة إلى الدولة العظمى باسم «العدو». ولم يحُل هذا الأمر دون محاولة دول عدة مثل العراق وقطر وعُمان وسويسرا لعب دور الوسيط. إلا أن طهران كانت واضحة جداً في الموقف الذي لن تتزحزح عنه: السماح بتصدير نفطها مهما كلّف الأمر والانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي إذا لم تقدّم أوروبا شيئاً مناسباً لبقاء طهران في الاتفاق. نقطتان لن يستطيع ترامب التفاوض في شأنهما ولا العودة عنهما وإلا خسر أكثر بكثير مما حصده لحُكمه حتى الآن والهدايا التي أغدقها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجذْب مناصري إسرائيل في أميركا واللوبي الداعِم لها، وخصوصاً بعدما أثبت هذا اللوبي سيطرته على مفاصل كثيرة، إعلامية وأكاديمية، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي. وتالياً فإن ترامب يحتاج لإسرائيل لإعادة انتخابه العام 2020.غير أن ترامب لم يلتفت إلى أمر مهمّ وهو أن إيران أصبحت لاعباً مؤثراً في الانتخابات الأميركية المقبلة. فطهران سبق أن أسقطت الرئيس جيمي كارتر بإفشال صفقة تبادل الأسرى (إضافة إلى الوضع الاقتصادي السيئ في بلاده طبعاً). واليوم يبدو أن فشل الاتفاق النووي وفشل ترامب في الحرب الناعمة على إيران عبر تصفير تصديرها للنفط سيشكّل بالتأكيد ورقة ضد إعادة انتخابه في 2020 يستخدمها الداعون لإسقاطه. يبدو أن الرئيس الأميركي أعطى خصومه السياسيين ورقة انتخابية ضده بذهابه نحو أهداف لا يستطيع تحقيقها. فهو لم يلتفت إلى أن إيران «ولدت وهي تشرب حليب العقوبات الأميركية» منذ الثورة الإسلامية، وتالياً فقد تعلّمت التعامل مع تلك العقوبات وإيجاد البدائل للاستمرار، من دون إنكار قسوة هذه العقوبات التي تمنع إيران من التقدم كيفما تشاء وبالسرعة التي تريد.

اقرأ أيضاً: لهذا السبب سيرفض الفلسطينيون «صفقة القرن»

ولم يلتفت ترامب إلى أن إيران أظهرتْ أنها استثمرت في دعم حلفائها – منذ العام 1982 («حزب الله» أثناء الاجتياح الإسرائيلي) ولغاية اليوم في لبنان وسورية والعراق واليمن وأفغانستان – وقد أعطى هذا الدعم نتيجةً كما توقّعت طهران. وهو ما منع إسرائيل من البقاء في لبنان واحتلاله وفرض اتفاقات كانت تهدف إليها، وإيجاد استمرارية دعم «حزب الله» عبر سورية لعقود، وقيام دولة صديقة وتنظيمات غير حكومية تدعمها في العراق، ومنْع تَمَدُّد «داعش»، ودعم الحوثيين في اليمن، وإقامة تحالفات مع «طالبان»، وهذا يُظْهِر أنه سيتوجب على ترامب التفكير ملياً في حالة الحرب لأنه لن يجابه إيران وحدها وإنما الجبهة ستكون طويلة وعلى حدود متعددة ومع أطراف مختلفة، وهي – أي إيران – التي تضبط إيقاعها. فعمليتا الفجيرة و«أرامكو» ليستا بعيدتين عن إيران أبداً. إلا أن الصاروخ الذي أطلق في العراق ضدّ المنطقة الخضراء وعلى مقربة من السفارة الأميركية سبّب إزعاجاً لحلفاء إيران الذين دانوا علناً هذه العملية بدءاً من «حزب الله العراق» و«عصائب أهل الحق» و«تنظيم بدر»، وخصوصاً أن هذا الصاروخ أُطلق بعدما حققت إيران أهدافها بمنْع الحرب وإظهار ما تستطيع فعله بضرْب مصادر الطاقة. لكن إطلاق الصاروخ أكد المؤكد في أن أميركا تقف على أرض تصبح معادية إذا لزم الأمر.

لقد أصبحت إيران خبيرة في سياسة التقشف وتملك الخيار بترك أجزاء من الاتفاق النووي كما وعدت بذلك إذا لم تقدّم أوروبا شيئاً يُغْريها ويدْفعها إلى تغيير رأيها بالانسحاب الجزئي كما هو متوقَّع. وقد ساعد ترامب – بانسحابه من الاتفاق النووي – في أن تتحرر إيران من الوصول الى مستوى الدولة النووي العسكرية. وحذّر الرئيس فلاديمير بوتين من أن روسيا «لن تلعب دور الإطفائي لإنقاذ كل شيء. إن إيران تفي بالتزاماتها ولم تخالف الاتفاق النووي وقد خرج الأميركيون والاتفاق ينهار ولن تستطيع أوروبا فعل أي شيء لإنقاذه والتعويض على إيران. بمجرد أن ترد إيران ستنسحب وينسى الجميع أن أميركا هي التي خربت الاتفاق وسيتم إلقاء اللوم على إيران». وثمة مَن يرى أن إيران لم تُهزم كي تُفرض عليها شروط تعجيزية (شروط وزير الخارجية مايك بومبيو الاثني عشر) وخصوصاً أن هذه الشروط تمثل جزءاً من أمن إيران القومي غير المستعدة للتفاوض عليه وبالأخص التخصيب النووي العلمي ودعم الحلفاء وتطوير الصواريخ. لأميركا وحلفاؤها حق الدفاع عن أمنهم القومي وتحالفاتهم وهذا أيضاً تعتبره إيران ينطبق عليها مثلما ينطبق على الآخرين. لقد هدأت الأزمة إلى حين الموعد المقبل، بعد أقل من 60 يوماً، حين تعلن أوروبا عن نجاحها أو فشلها، وإيران عن تجميدها قرار الانسحاب الجزئي أو الانسحاب المرحلي والاتجاه نحو الإنتاج النووي العسكري.

السابق
 روحاني يطالب بصلاحيات «زمن الحرب» والجيش يهدد بقصف عواصم دول الخليج
التالي
موانئ تركيا “تُغلق” أمام نفط إيران وتتزود من العراق