رسائل وليد جنبلاط إلى «جمهور المقاومة وحلف الأقليات»

علي الأمين
وليد جنبلاط على طريقته فضح خواء الممانعة والمقاومة، وبموقفه الذي أثار ويثير كل هذه الزوبعة السياسية في لبنان.

لعل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الوحيد بين الزعامات اللبنانية، الذي يستطيع أن يذكّر العالم واللبنانيين أنفسهم بلبنان. البلد الذي مُسخت هويته من خلال الاستباحة الإقليمية التي تعرض لها ولا يزال، أَفقدته إلى حدّ كبير دوره كنقطة توازن إقليمي ودولي، وكمساحة تنوع سياسي وثقافي أتاحت له أن يلعب دوراً خلاقاً على المستوى العربي، من خلال ما يتيح من مجالات للتفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث أمكن لهذا البلد الصغير أن يشكل مركز استقطاب لكل الهاربين من أنظمة القمع، ولكل الطامحين في التعبير عن رؤاهم وأفكارهم بحرية ومن دون أن يسبب ذلك موتهم.

قلنا إن وليد جنبلاط يذكر بلبنان الذي كان. يذكرنا بقدرة الهوية اللبنانية الكامنة في أعماق كل فرد لبناني، أن تنتفض وتعبر على طريقتها عن اعتراضها ولو كانت تبدو للكثيرين أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكنها تتجلى وتعبر عن رفضها لكل عمليات كتمها، وتشويهها بل إلغائها كرمى لحسابات سياسية وأمنية وعسكرية وأيديولوجية.

اقرأ أيضاً: ماذا فعل موفد «حزب الله» في موسكو؟

هكذا وليد جنبلاط الذي تلازم وجوده السياسي مع هذه الهوية اللبنانية، فمهما بدا أنه خرج منها أو تجاوزها، إلا أنه في المفاصل الكبرى يذكر الجميع بأن منسوب اللبنانية لديه أقوى وأكثر صلابة من تلك المصالح التي تجره حينا في هذا الاتجاه الإقليمي، أو ذاك الاتجاه الدولي، بل يثبت في مثل هذه المفاصل، أنه لم يخرج ولم ينحرف عن نظام المصالح الوطني حين كان يحلق في فضاءات إقليمية ودولية، بل كان في صلب لبنانيته التي تتجلى في المفاصل الكبرى التي تشكل اختبارا وامتحانا لرجل السياسة ورجل الدولة.

خرج وليد جنبلاط قبل أيام، وأعلن في موقف لافت عبر تلفزيون روسيا اليوم، أن “مزارع شبعا ليست لبنانية”، وهو موقف كفيل بأن يجعل سهام الكثيرين، ولاسيما دعاة الممانعة الفارغة، يطلقون مواقف التقريع والتخوين ضد جنبلاط.

كما هو معروف، فإن مزارع شبعا التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 اعتبرها لبنان أرضا لبنانية، فيما رفضت الحكومة السورية منذ العام 2000 أي مع الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، تسليم منظمة الأمم المتحدة الوثائق الرسمية التي تثبت أنها غير سورية وليست من أراضي الجولان المحتل، على الرغم من أن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أعلن في تصريح له بعد سنوات، أن مزارع شبعا لبنانية، ولكن الحكومة السورية ظلت متمنعة عن تقديم أية وثيقة رسمية تثبت لبنانية المزارع أو أنها ليست سورية، كما يقتضي القانون الدولي.

باختصار رمى وليد جنبلاط حجر المزارع في بركة لبنانية راكدة. لم يستفز جحافل الممانعة رفض نظام بشار الأسد الإقرار رسميا بما قاله علنا عن لبنانية مزارع شبعا، على الرغم من آلاف الضحايا من اللبنانيين الذين سقطوا دفاعا عن نظامه، ولم يستفز دعاة المقاومة، الهدايا التي أرسلها بشار، ولا يزال، لإسرائيل من خلال رفات جنودها، غداة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل، كل ذلك لم يحرك في وجدان ووطنية الممانعين شيئا من كرامة وطنية وقومية مدّعاة، فقط انهالت الاتهامات على جنبلاط.

في موقف جنبلاط أكثر من رسالة، ولعل الرسالة الأولى التي أراد من خلالها تنبيه اللبنانيين، أن ثمة صفقة مريبة تحيط بمزارع شبعا. صفقة تستنسخ ما جرى في الجولان، وتتلخص في أن النظام السوري الذي سلم عمليا بضم الجولان لإسرائيل، كهدية لإسرائيل التي حالت دون سقوطه خلال الأعوام الماضية، يريد أيضا، مع حلفائه الإيرانيين، تقديم مزارع شبعا كهدية من خلال التمنع عن تقديم وثيقة لبنانية مزارع شبعا، ويعلم الكثيرون أن ذلك لا يتطلب أكثر من تسليم الممانعة بواقع احتلالها عملياً ضمن شروط أمنية تؤمن استقرار الاحتلال، في مقابل تسليم إسرائيل بأن لبنان مركز نفوذ إيراني قائم على منبر خطابي فارغ يكرر شعارات خاوية، ويقوم على دولة متهالكة اقتصاديا وماليا وسياسيا.

الرسالة الثانية أراد من خلالها الزعيم اللبناني وليد جنبلاط كشف وطنية المقاومين الممانعين ومركز القرار في السلطة اللبنانية، وهي أنه إذا كانت مزارع شبعا لبنانية وهي كذلك، فما هي خطة الحكومة اللبنانية لاستعادتها؟ ولماذا لم يجر أي تحرك رسمي عملي بعد إعلان ترامب المتعلق بالجولان؟ فالطريق واضحة لاستعادتها، وتقوم على اعتراف سوري رسمي موثق، ثم المطالبة بضم هذه المزارع المحتلة على قاعدة القرار الدولي رقم 425 الذي أعلنت إسرائيل التزامها بتنفيذه. وفي حال لم تستجب إسرائيل، فحينها يصبح أمر تحريرها عسكريا فرصة لرجال المقاومة الذين طالما ربطوا بقاء سلاحهم بتحرير المزارع التي من المفارقة أن أية عملية عسكرية في هذه المزارع لم تجر منذ سنوات طويلة.

الرسالة الثالثة، وهي الأهم، ضمنها جنبلاط موقفه الذي جرّ الممانعة وأتباعها إلى حفلة الشعارات، أظهرت كم أن لبنان في زمن الممانعة والمقاومة بات مستباحا لمصالح إقليمية، وكشف عن هشاشة هذه الممانعة وانسحاقها أمام مصالح إسرائيل والأسد، وكم أن الصواريخ التي طالما تغنى بها القادة الإيرانيون وأتباعهم في لبنان، عاجزة عن الرد ضدّ العدوان الإسرائيلي على مزارع شبعا، وعاجزة عن إقناع الأسد باستنقاذها من الاحتلال بورقة تعطيها حكومته التي اعترفت علنياً بلبنانية هذه المزارع المحتلة من قبل إسرائيل.

وليد جنبلاط على طريقته فضح خواء الممانعة والمقاومة، وبموقفه الذي أثار ويثير كل هذه الزوبعة السياسية في لبنان، كان المقاوم الفعلي للدفاع عن لبنان في وجه الاحتلال المقنع باسم المقاومة حينا، وباسم حلف الأقليات في سوريا ولبنان حينا آخر.

السابق
«حزب الله» يدعم بالواسطة «أمر العمليات» بمحاصرة جنبلاط محاولات لتلميع صورة أرسلان ووهاب
التالي
الحريري أجرى مع نظيره المصري محادثات لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين