لبنان لن يكون منصة لـ«حزب الله» ولكن…

نديم قطيش

كان يمكن الاكتفاء بلقاء الصهرين، وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أرياسا صهر الراحل هوغو تشافيز، ووزير خارجية لبنان جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني ميشال عون. غير أن الزائر البوليفاري تعمد أن يلتقي الرئيس اللبناني، ضمن جولة شملت تركيا وسوريا وتخللتها محطة احتفالية في بيروت، باعتبارها أحد أهم «صالونات» فصائل محور الممانعة.
مثل هذا اللقاء، في ذروة الضغط الدولي على نظام نيكولاس مادورو لنزع الشرعية عنه، لا يدخل بالطبع في نطاق الحسابات الخاصة للرئيس اللبناني بقدر ما هو استجابة رئاسية لأجندة ليست أجندته.

فاللقاء برمزيته المعادية بحدة لأميركا، بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت، وحديثه غير المسبوق عن «حزب الله»، لا يمكن أن يكون حصل خارج حسابات الحزب، ولعبة الرسائل والترميز التي يهواها. وهو يندرج في سياق الدفع أكثر بلبنان نحو أن يكون واحدة من المنصات الواضحة، التي تواجه عبرها إيران و«حزب الله» الهجمة الأميركية المتنامية عليها والتي ستزداد شراسة خلال الأشهر القليلة المقبلة. كان لافتاً مثلاً أنه في الأسبوع نفسه الذي استقبل فيه عون الوزير البوليفاري الفنزويلي، استقبل المرشد علي خامنئي رئيس حكومة العراق داعياً إياه إلى العمل على إخراج أميركا من بلاد ما بين النهرين، ما يقدم دليلاً إضافياً على مستوى الاستنفار الإيراني في كل الساحات. قبل ذلك بأسابيع قليلة استقبل خامنئي، برعاية قاسم سليماني، بشار الأسد في طهران، محدِثاً هزة هائلة على مستوى المؤسسة السياسية الإيرانية لا تزال مفاعيلها تتردد حتى الآن. ولبنان لن يكون مختلفاً في سياق التموضع الجديد واستنفاراته.

فثمة عقوبات أميركية جديدة على الحزب خلال أسابيع، بالتوازي مع العقوبات على إيران، وهي بنية عقابية متنامية أنتجت حتى الآن واقعاً مالياً مؤلماً اعترف به حسن نصر الله علناً، داعياً مناصريه للتقشف في الإنفاق الخاص والكرم في التبرع للحزب.

توازى ذلك مع قرار بريطاني وضع «حزب الله» بشقيه العسكري والسياسي، حسب التقسيم الساذج والانتهازي الأوروبي، على قوائم الإرهاب، مع توقعات بأن تلحق ألمانيا ببريطانيا.

اقرأ أيضا: عقوبات أميركية وشيكة على نبيه برّي وحركة أمل؟

زد على ذلك أن المحكمة الخاصة بلبنان تتهيأ لإصدار أحكامها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري غيابياً بحق عدد من المتهمين وهم قادة وعناصر في «حزب الله». إلى ذلك تتجه واشنطن إلى تصنيف مؤسسة «الحرس الثوري» الإيراني برمتها كمنظمة إرهابية، وهو لو حصل فسيكون المرة الأولى التي تصنِّف فيها واشنطن مؤسسة من مؤسسات دولة أجنبية ككيان إرهابي.

وهنا، احتراماً لعقل القارئ، يجدر تجاوز الإشارة إلى شماعة «النأي بالنفس» التي تحاول الحكومة اللبنانية بشكل يائس أن تقنع العالم بأنها تحكم سياسة لبنان الخارجية، في حين أنّ لا واقعية هذا الشعار ستتضح أكثر وأكثر في ظل استفحال المواجهة وحاجة «حزب الله» أكثر إلى دفع لبنان في اتجاه محدد.
والحقيقة أن الحرص الأميركي على عدم توفير الذرائع لـ«حزب الله» للقيام بذلك، لم يعد بالصلابة السابقة، التي كانها في ظل سياسة «الاستثناء اللبناني»، أي التعامل مع لبنان كدولة حليفة، وإن تمتع فيها «حزب الله» بنفوذ كبير. فثمة أصوات متنامية في الإدارة الأميركية باتت ترفض الابتزاز الذي يمارسه «حزب الله»، عبر معادلة زيادة تعطيل البلاد بالتوازي مع ازدياد الضغوط عليه. بل ثمة من يعتبر أن «حزب الله» غير قادر على الذهاب بعيداً في إلصاق الدولة به والالتصاق بها، كردٍّ على الضغوط الأميركية، وإنْ فعل فليكن!!

اقرأ أيضا: بومبيو وفتنة حزب الله

ولكن ليس الضغط الأميركي العربي الأوروبي الإسرائيلي فقط هو ما يدفع «حزب الله» إلى السعي لتحويل لبنان إلى منصة مواجهة. فروسيا بدورها تقدم عبر سياساتها في سوريا أسباباً إضافية للقلق والاستنفار، إذ ما كاد محور إيران يستفيق من هدية الجولان لبنيامين نتنياهو حتى أعلنت موسكو وتل أبيب عن استرداد رفات جندي إسرائيلي سقط في لبنان إبان اجتياح عام 1982، بالتنسيق مع السلطات السورية. وما كان ممكناً إلا أن تستوقف الحفاوة المبالَغ فيها في المراسم التي رافقت تسلم الرفات خلال زيارة نتنياهو لروسيا قبل خمسة أيام من انتخابات الكنيست، باعتبارها جزءاً من الهتك المنظم الذي تمارسه روسيا لصورة المقاومة ومحورها وموقع سوريا ضمنها. فالتصويت العلني الروسي لصالح نتنياهو في الانتخابات عبر هدية الرفات بكل محمولاتها العاطفية والسياسية والمعنوية، هو تصويت مهين لإيران وحلفائها الذين يتعرضون في سوريا لسياسة القصف الإسرائيلي المنتظم من دون القدرة على الرد. وقد سبق لموسكو أن أجبرت طهران على التراجع مسافة تتجاوز 80 كلم عن الجولان، في إجراء مهين لإيران وإن كان، من وجهة نظر إسرائيل، لا يحقق شروط الأمن كما تراها. كما أن الرهانات النفطية الروسية في شرق المتوسط تتطلب المزيد من جهود التطبيع تحت الطاولة لا سيما بين إسرائيل ولبنان ولو عبر الشركات الروسية.

بإزاء كل هذه المؤشرات سيحاول «حزب الله» دفع لبنان باتجاهات تناسبه بصرف النظر عن حظوظ النجاح. إن نجح تكون الكارثة العظمى، وإن لم ينجح يكفي ترقّب تكاليف المحاولة… الأكيد أنه سيحاول.

السابق
«حزب الله» يمنع 50 ألف نازح من العودة؟
التالي
لبنان يتابع الأنباء عن عقوبات أميركية قد تطال برّي