برّي في العراق «يتسلّح» بمرجعيّة السيستاني

من المعروف في الأوسط الشيعية اللبنانية أن حركة أمل وأنصارها يتبعون مرجعية النجف من ناحية التقليد الديني التي يمثلها حاليا المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، في حين أن حزب الله وأنصاره يوالون ديناً ودنيا الولي الفقيه في إيران ممثلا بآية الله السيد علي خامنئي.

التقليد الديني عند الشيعة عرّفه العلاّمة الشيخ عبد الهادي الفضلي “برجوع غير العالم إلى العَالِم في امور الدين والتشريع ليكون معذوراً أمام الله”.

ولأن “النجف الأشرف” في العراق حيث مرقد الامام علي (ع) هي عاصمة التشيّع ومركز دراسات الحوزات الدينية، فقد عرفت ولقرون مضت انها عاصمة التشيّع ومركز الحوزات العلمية التي خرّجت آلاف العلماء على مرّ السنين، ويتوالى على رئاسة حوزاتها كبار العلماء المجتهدين الذين يلقبون “بالمراجع” أو “بآيات الله” حسب التعبير الإيراني.

واليوم يتزعّم الحوزة الدينية في النجف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وهوكان قد خلف إسماً كبيراً ضخماً خيّم لعقود على الحياة الدينية الشيعية وهو المرجع “أبو القاسم الخوئي”، الذي أمضى آخر سنيّ عمره في إقامة جبرية في عهد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، قبل وفاته عام 1992، وخلفه آية الله السبزواري الذي لم يعش طويلاً فتوفي بعد عام ليخلفه آية الله السيستاني، وليبقى زعيماً للحوزة العلمية الشيعية في النجف حتى يومنا هذا، علما ان هناك ثلاثة مراجع كبار يقطنون النجف كل منهم مرشح لخلافة السيستاني بعد عمر طويل، وهم السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ محمد إسحق الفياض، والشيخ بشير النجفي، وجميعهم فتحوا دورهم اليوم لاستقبال الضيف اللبناني العزيز الرئيس نبيه بري.

أهم محطة من محطات المصيرية التي قادتها المرجعية الدينية في العراق بعهد السيد السسيستاني هي عندما احتلت داعش شمال ووسط العراق عام 2014، وهو ما ادى الى انهيار الجيش العراقي وكان ذلك في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عندها صدرت الفتوى الشهيرة بوجوب الجهاد الكفائي من قبل المرجع السيستاني، فلبى النداء كل قادر على حمل السلاح من الشيعة الذين هبّوا وانتظموا في مليشيات شعبية شبه نظامية قاتلت وحدها في الشهور الأولى تقريباً قبل أن يستعيد الجيش العراقي عافيته ويتصدّر المعركة ويهزم داعش بعد ثلاث سنوات، بعد نجاح رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في إعادة تنظيم الجيش ورفع جهوزيته ومعنوياته التي كانت قد انهارت إثر احتلال الموصل ومدن الأنبار ووصول داعش حتى “أبو غريب” ضاحية بغداد.

اقرأ أيضا: بري يزور العراق للمرة الأولى.. ما الذي تغير؟

وتأتي زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى العراق من حيث الشكل بوصفها زيارة روحية دينية سياسية، وكان إعلام المجلس النيابي اللبناني قد صرّح أن غرض الزيارة الأساسي هو زيارة المرجع السيد السيستاني، وهو ما تم قبل ظهر اليوم الاثنين في مقر السيد في النجف الاشرف جنوب العراق.

فقد نقلت وسائل الإعلام العراقية أن لقاء بري بالمرجع السيستاني كان مثمراً، وأنه رحّب برئيس المجلس النواب اللبناني بحفاوة، هذا مع العلم أن زيارة برّي للنجف يحسده عليها السياسيون العراقيون الشيعة جميعا، لأن المرجع السيستاني يرفض ومنذ سنوات لقاء المسؤولين السياسيين العراقيين، بسبب فشلهم بتنظيم الدولة واصلاحها ومكافحة الفساد، حتى أنه لم يقابل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي انتُخب في تشرين أول من العام الماضي، رغم أن الاخير ألحّ بطلب المقابلة دون جدوى.

واللافت ما نقله الرئيس بري للاعلاميين عن السيد السيستاني بعد اللقاء اليوم ،اذ أبلغه المرجع ،حسب قول بري، “أن العراق يتطلع لدور إقليمي في المنطقة”، وهو على ما يبدو دور يصبو إليه أيضاً الرئيس برّي الذي يخشى من التهميش في لبنان في ظل طغيان قوة حزب الله ونفوذه المدعوم من ولاية الفقيه الإيرانية.

فبرأي مراقبين ان موقف حركة أمل من الحرب السورية الذي لم يوافق حزب الله من ناحية التدخل العسكري، وتماهي هذا الموقف مع ما صدر تلميحاً من السيد السيستاني بعدم “التشجيع” على القتال إلى جانب نظام الأسد في سوريا خوفاً على الشيعة من حرب تستنزفهم دون طائل، فان ما يحكى عن تصفية حساب يريدها النظام السوري مع الرئيس بري الذي لم يدعمه سوى دبلوماسياً وسياسيا وبشكل خجول، هو ما دفع الرئيس بري إلى المبادرة لزيارة العراق ولقاء مع السيستاني يستقوي أو يلوذ به بوجه النفوذ المتزايد لحزب الله وإيران في لبنان، مع تسريبات عن قصاص يمكن أن يلحق بالرئيس برّي بانتهاج مزيد من التهميش والاستضعاف بحقه وحق حركة أمل، خصوصاً بعد مشاركة حزب الله بقوة بالسلطة في لبنان، والتصريح عن عزمهم على مشاطرة بري حصته من الموظفين في الإدارة.

اقرأ أيضاً: المرجعية أسقطت العبادي وسقطت في فخ سليماني

لا شك أن المرجعية الدينية للرئيس نبيه بري الممثلة بالسيستاني مستعدة لدعمه ولحمايته، وإن كانت لا تملك السلاح والنفوذ والنواب والوزراء في لبنان أو العراق، ولكنها عندما سلّفت الايرانيين وساهمت عبر خطب الجمعة باسقاط حكومة حيدر العبادي لصالح عادل عبد المهدي بعد اتفاق مشهود مع ممثل ايران في العراق قاسم سليماني، فإن هذه المرجعية يمكن أن تؤلب الشيعة بما تملك من “حرم مقدس” على من يحاول النيل من ممثلها في لبنان رئيس مجلس النواب وحركة أمل نبيه بري، المدعوم من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التابع بدوره روحياً وشرعياً للنجف ومرجعية السيد السيستاني.

 

السابق
الناشط هاني قاسم من عيتا الشعب يتعرض لضرب مبرّح من عناصر حزب الله
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلثاء في 2 نيسان 2019